من الغريب الذي كان منتظرا ألا يصدر عن الطبقة السياسية وأحزابها قديمها وجديدها أي موقف من تصريحات وزير الداخلية دحو ولد قابلية، الأخيرة، التي مفادها أنه ''من المحتمل جدا أن يعاد النظر في نظام التعويضات للبرلمانيين''، بما يفضي ''على الأقل إلى أن يكون مرتبطا بالحضور الفعلي للبرلمانيين في أشغال الجلسات ودورات المجلس''· وباستثناء رئيس حزب الحرية والعدالة محمد السعيد الذي ثمّن تصريحات وزير الداخلية، وتمنى أن يتم الفصل فيها بقانون قبل الانتخابات التشريعية المقبلة حتى تبعد على الأقل اللاهثين وراء امتيازات النيابة عن قوائم الترشيحات، فإن لا أحد عاد إلى الموضوع، وكأن تعويضات النائب ثابت من الثوابت التي نص عليها الدستور لا تمس. هل كانت تصريحات وزير الداخلية جدية، أم أنها مجرد تصريح شعبوي يراد به مغازلة المواطن الناقم على هذا المجلس ودفعه إلى المشاركة في التشريعيات المقبلة؟ وحسب تصريح نقلته يومية ''الشروق'' عن وزير الداخلية، فإن ''الحكومة قد وضعت تصورا أوليا لجعل النيابة البرلمانية عملا تطوعيا مثلما هو عليه الأمر في عدد من الدول قصد التطهير وقطع الطريق على المرتزقة''. ولعله من الذكاء أن تقبل الحكومة على سن قانون مثل هذا، قبل موعد العاشر ماي، من شأنه أن يحقق أمرين إثنين على قدر من الأهمية في التأسيس لبرلمان ذي مصداقية يتوافق والصفحة الجديدة التي تريد السلطة فتحها في كتاب الإصلاحات والديمقراطية، الأمر الأول هو إبعاد الذين يرون في النيابة مصدرا لامتيازات مادية ولتحسين وضعهم الاجتماعي، والأمر الثاني إعادة ثقة المواطن في النائب والمؤسسة التشريعية التي تشكلت في تشريعيات 2007 بنسبة مشاركة لم تتعد 35 بالمائة. في سنة 2008 قرر رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، وبأمرية رئاسية، رفع أجور نواب المجلس الشعبي الوطني التي بلغت حدود 30 مليون سنتيم، ومن الصدف التي أثارت الكلام وأسالت الحبر أن مراجعة رواتب النواب سبقت بأشهر قليلة تعديل الدستور الذي كان أهم ما فيه فتح عدد العهدات الرئاسية بما كفل للرئيس عهدة ثالثة، وهو ما اعتبره الرأي العام شراء مفضوحا لذمم نزلاء قصر زيغود يوسف. في خضم هذا الجدل دافعت الحكومة على لسان وزيرها المكلف بالعلاقات مع البرلمان محمود خوذري عن نص القانون، واعتبرت ''أن رفع أجور نواب البرلمان جاء بمبادرة من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لتسوية الوضعية العالقة لنواب البرلمان، وتحسين وضع النواب، ورفع مستوى أدائهم النيابي، وتمكينهم من التزوّد بالوسائل التي تسمح لهم بممارسة مهامهم وصلاحياتهم الدستورية''. وصادق أعضاء مجلس الأمة بالأغلبية على الأمرية الرئاسية للقانون المتعلق بعضو البرلمان، ولم يعارضها إلا نواب التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية، لكنهم لم يرفضوا هذه الزيادات وتقاضوها غير منقوصة. كما تهاوت حجج الوزير خوذري ورأى الجزائريون أن أداء النواب لم يتحسن بل ازداد سوءا بشهادة رئيس المجلس الشعبي الوطني الذي ما انفك ينتقد في كل مرة غياب النواب المستمر عن الجلسات، وبشهادة رئيس الجمهورية الذي لم يترك مناسبة إلا وبعث فيها رسائل تنتقد أداء المجلس الشعبي الوطني. في كثير من المرات نسمع عن استضافة المجلس الشعبي الوطني لنواب من دول أوروبية ومن أمريكا، في ملتقيات وأيام دراسية، للاستفادة من تجربتهم البرلمانية في مجال ما. وتعدد المجالات التي رأى فيها النواب الجزائريون أنه بإمكانهم الاستفادة من التجربة البرلمانية الأجنبية، في التربية والأسرة والمجال الأمني وغيرها، لكننا لم نشهد يوما استضافة البرلمان الجزائري لنواب من السويد أو الدانمارك للاستفادة من تجربتهم في مجال العمل النيابي وفي إقامة نظام تعويضي يحقق فعلا مصداقية النائب لدى ناخبيه. في الدانمارك مثلا، وهو بلد يصنف في المرتبة الثانية من حيث انعدام الفساد، يتقاضى عضو البرلمان تعويضا شهريا عن عمله النيابي قبل الاستقطاع الضريبي هو 45913 كرونة، وبعد الاقتطاع الضريبي يقارب 4059 دولار، مع الإشارة إلى أن معدل دخل الفرد الشهري بعد الاقتطاع الضريبي يقارب 2835 دولار. أما في السويد فلا تتعدى تعويضات النائب 7800 دولار خاضعة للضريبة التي تبلغ 31 بالمائة. وفي كلا البلدين النائب يتحمّل أعباء الإطعام والنقل أينما كانت وجهته، ولا حق له في سيارة العمل. أكثر من ذلك، فإن القانون في الدانمارك والسويد يجبر المؤسسة التشريعية، كغيرها من مؤسسات الدولة الأخرى، على كشف مصاريفها بكل دقة للرأي العام، ومن حق أي مواطن أن يرفع الهاتف ويشكل رقم الملحق الإعلامي للبرلمان الدانماركي أو السويدي ويسأله عن ثمن باقة ورد وضعها نائب على ضريح شخصية ما. بالمقابل، تحاط ميزانية المجلس الشعبي الوطني بالتكتم والسرية بما يعطي الشرعية المطلقة للشعب للشك في هذه الهيئة جملة وتفصيلا.