إذا استثنينا أزمة نقص إنتاج البطاطا التي حدثت منذ أربع سنوات تقريبا والذي أدت إلى ارتفاع هذه المادة الحيوية في معيشة الجزائري البسيط إلى أسعار خيالية، فإن الارتفاع الجنوني الذي عرفه سعر البطاطا منذ شهر فيفري وبالتحديد خلال موجة البرد والثلوج الذي عرفتها بلادنا أحدث نوعا من الاستياء والتذمر بل وأنهك كاهل هذه المادة التي تنسب عادة إلى أصحاب الدخل الضعيف من الغلابة الذين يجدون فيها متنفسا لضمان قوتهم، ويمكن القول أن ما وصلت إليه أسعار البطاطا التي تباع اليوم من 90 دج إلى 110 دج، لم تكن مفاجئة على الأقل إذا تتبعنا مسارها منذ تقريبا شهرين، حيث بدأت في الارتفاع إلى حدود 50 دج قبل أن تواصل الصعود إلى أعلى لتبلغ 60 دج، ثم 6500 ثم 70 دج وهو السعر الذي استقرت فيه لأسابيع قبل أن تحطم الرقم القياسي بمرورها بسعر 75 دج، 80 دج و 90 دج و 100 دج و 110 دج كما هو حالها اليوم. وأما هذا الارتفاع الفاحش وغير المبرر الذي لم تجد له وزارة الفلاحة ولا الاتحاد الوطني للفلاحين أي مبرر مقنع على الأقل بالنسبة للمواطنين الغلابة الذين فوجئوا باستقرار أسعار البطاطا حينا واستمرار ارتفاعها حينا آخر، دون ظهور أي مؤشرات توحي بتراجع أسعارها، في ظل صمت مسؤولي هذا القطاع. وكلنا يتذكر التصريح الذي أدلى به الأمين العام للاتحاد الوطني للفلاحين ''عليوي'' قبل حوالي شهر عندما جاء ببشرى إلى المواطنين تقضي بتحديد سعر الكيلوغرام من البطاطا ب 50 دج، ورغم الارتياح ربما الذي انتاب هذا المواطن لدى سماعه تصريحات المعني بالأمر، إلا أن القراءة المتأنية في ما ذهب إليه عليوي أوحت إلى البعض، بل وأكدت بأن السقف الذي حدد ب 50 دج يؤشر إلى أنه سيبقى السعر ''المرجعي'' وهو ما أعطى الانطباع الممزوج بالتخوف بأن السعر المستقبلي لأكلة المواطن البسيط سوف لن تعرف انخفاضات أخرى في المستقبل، بعد أن كان سعرها العادي لا يتعدى 40 دج في أسوأ الأحوال ووصل في بعض الفترات إلى حدود 30 دج. اليوم وفي الوقت الذي تعرف فيه مادة البطاطا قفزة نوعية غير مسبوقة نتساءل ومعنا المواطن عن ماهية التصريحات التي أدلى بها الأمين العام لاتحاد الفلاحين، كما لم نفهم خلفيات الصمت الذي إلتزمته الوزارة الوصية حيال ما يحدث لانتاج البطاطا، وماهي الإجراءات التي تعتزم القيام بها للحد من الأسعار الخيالية التي تعرفها حاليا؟. ولئن كانت الأحوال الجوية القاسية وما صاحبها من ثلوج قد أقنعت المواطن باقتناء هذه المادة بأسعارها المعروفة في السوق في المدة الأخيرة، فإن استمرارها في الارتفاع ونحن في فصل الربيع قد لا تقنع هذا المواطن طالما وأن الحلول لا توجد عند الفلاح أو تاجر الجملة أو التجزئة لوحدهم ما لم تتدخل الوصاية لفك لغز الارتفاع الجنوني لهذه البطاطا ''الزعباطة'' المهددة اليوم بالمقاطعة من طرف هذا المواطن البسيط بعد أن ساءت العلاقة بين ''الطرفين''، وما نخافه هو أن تتحول هذه المادة من الأكلة المفضلة للجزائري إلى الأكلة الممقوتة من طرفه، وهو ما يعني أن استهلاك البطاطا سيقتصر مستقبلا على أصحاب الدخل الكبير الذين يشعرون بالغبن وهم يشترونها بأسعار خيالية على منوال المواد الأخرى التي لا توجد في أجندة المواطن البسيط منذ عشريات من الزمن واقتصر استهلاكها على شريحة معينة من هذا المجتمع المترامي الأطراف. ولعل ما يعلل حديثنا عن واقع أسعار البطاطا الحالية هو أن عدوى الاستغناء عن خدماتها الغذائية لم يقتصر فقط على أصحاب الدخل الضعيف جدا أو البطالين أو الفقراء والمساكين والمتسولين في الطرقات بل امتد كذلك إلى أصحاب الدخل المتوسط الذي يلجأون إليها دائما لاحداث التوافق في ميزانية معيشتهم في ظل إلتهاب أسعار بعض المواد الغذائية الأخرى التي لا يقدرون على اقتناءها على منوال بعض الفواكه واللحوم البيضاء والحمراء، وما نخافه ونحن نتحدث عن مادة البطاطا التي ارتفع شأنها هو أن تصبح في يوما ما مادة كمالية لا يلجأ إليها المواطن سوى في المناسبات الكبرى والأعياد واحتفالات رأس السنة... إلخ، وعندها فقط يمكن الجزم بأن الطلاق الأبدي سيحدث بين هذه البطاطا وروادها من الغلابة ومتوسطي الحال والأحوال، على منوال ما حدث مع بعض المواد الغذائية الأخرى التي بلغت مستويات خيالية وأصبحت مع مرور الوقت من الكماليات التي لا يفكر المواطن الذي يجوب يوميا الأسواق بحثا عن لقمة العيش في الاقتراب منها أو حتى الاستفسار والسؤال عن أسعارها في ظل المنطق السائد الذي يقول ''أدي ولا خلي''.