ناقش، أول أمس، برياض الفتح، جمع من الكتاب والصحفيين المهتمين بالشؤون الثقافية من دول عربية، إلى جانب الجزائريين، موضوع العلاقة الاستثنائية والإشكالية بين الصحافة الثقافية والإبداع الأدبي، ولم يخلصوا في النهاية بعد غرق في البكائيات على الأوضاع، إلى الوقوف على حقيقة الضعف السائد ومختلف تمظهراته، وكذا المؤثرات التي تصنع راهنه سياسيا واجتماعيا وثقافيا على السواء· ولعل عدم الضبط المحكم للإشكاليات التي يتم وفقها مناقشة الوضع المرتبك القائم والمتفاقم فيما يمكن أن نسميه ''الإعلام الثقافي والأدبي'' في البلدان العربية بشكل عام، هو الذي أضفى على مختلف الطروحات والمقاربات كثيرا من الارتباك الرجراج الذي زاد الطين بلة، في الوقت الذي كان ينتظر أن تتلمس المداخلات حلولا ما أو الحلم بها على الأقل، وربما ساهم في ذلك غياب بعض الأسماء التي كان يفترض أن تنشط اللقاء المنعقد على هامش المهرجان الدولي للأدب وكتاب الشباب· ربط بعض الكتاب راهن الصحافة الثقافية بالمد الرأسمالي الطاغي والمهيمن اليوم على حياة الناس، ما يجعل أدبيات الرأسمالية تنسحب بقوة على راهن الإعلام من جهة، والساحة الثقافية من جهة أخرى، إلى درجة هيمنة أسماء ثقافية معينة على حساب أخرى وفق منطق لا يستند بالأساس إلى أخلاقيات الأدب والإعلام على السواء، وإنما تفرضه الآلة الرأسمالية المادية على الواقع· ومن أبرز تمظهرات هذا الواقع العدد الهائل من الجوائز الأدبية والثقافية التي تؤسس بقوة الوجود المالي على الهامش، ثم يتحول إلى مركز بسرعة فائقة بفعل تعويمه إعلاميا برياح الإشهار المستمر· الكاتب الصحفي المصري والشاعر عماد فؤاد طرح أمام الملأ أحلامه، وهو يتألم لراهن الحركة الإعلامية الثقافية، وفي مقدمتها أن يرى في أكثر البلدان العربية ملحقا ثقافيا لا ينكمش أمام أهواء رئيس التحرير، ولا يلتفت لقشور الظواهر الأدبية على حساب القضايا الكبرى والجوهرية، ويحلم فؤاد بأن يهتم بالثقافة إعلاميا صحفيون متخصصون لا ينتجون الرداءة وغير مصابين بالشوفينية المجانية، ليختم أحلامه بملحق متحرر من قبضة السلطة السياسية· وتوقف من المغرب الكاتب والإعلامي عبد الصمد بلكبير عند ربط الوسيلة الإعلامية بالمضمون المرتبط أساسا على خدمة المجتمع المدني، وقبل أن يفرق بين كاتب الدولة المكرس لرأي الدولة المدافع عن الوضع القائم، وهو ما كان سائدا، حسب بلكبير قبل القرن ال 18 وبين المثقف الذي يعتبره ذات المتحدث كاتب المجتمع الذي يضطلع بمهمة التغيير وطرح الأسئلة الجادة· ورفض بلكبير أن يهال التراب على قامات كبيرة في الصحافة الثقافية أدت أدوارا مهمة وتاريخية، على غرار الكاتب الكبير رجاء النقاش الذي قدم للناس الشاعر محمود درويش والروائي طيب صالح على سبيل المثال لا الحصر، وذكّر الحضور بتجربته في الإعلام الثقافي في المغرب عبر إصدار ثلاثة جرائد عانت من ارتباكات عدة منها توقيف الصدور وغيرها· وعاد بلكبير ليؤكد أن الرأسمالية ساهمت في انهيار الإنتاج الثقافي، وهي أساسا لم تنتج ثقافة، وإنما تنتج إعلاما وإشهارا، ما جعلها تفقد المشروعية التاريخية، وخاضت حروبا تخريبية للإنسان· ورفض أن يستمر الوضع القائم فيما يتعلق بالإعلام الثقافي قائلا ''هناك اصطناع لتشجيع أدب على أدب، واصطناع مثقفين لا حظ لهم من الثقافة، وانتاج أدب شكلاني ذاتوي فوضوي عدمي''، قبل أن يضيف ''في ظل هذه الظروف ليس هناك اليوم سؤال الإبداع أو النقد، وإنما سؤال المجتمع والدولة''· وناقش من جهته الكاتب عبد الوهاب معوشي من الجزائر راهن الصحافة الثقافية من زاوية علاقتها بالمؤسسة الإعلامية التي يصفها ب ''البؤس'' في تعاملها مع المادة الثقافية، وهو الأمر الذي يعمق الوضع القائم، وقد أثنى بعض المشاركين على العديد من التجارب الاستثنائية في حقل الاعلام الثقافي كتجربة ''أخبار الأدب'' التي يشرف عليها الروائي جمال الغيطاني، وكذا عن تجارب المثقفين المغربيين خاصة على صعيد الإنتاج النقدي·