يعيش المهاجرون الجزائريونبفرنسا، حالة من التوجس، هذا ما وقفنا عليه في زيارة قادتنا إلى مطار هواري بومدين، للتأكد من صحة الأحاديث المتعلقة بزيادة التعزيزات الأمنية الإضافية على مستوى المطارات الفرنسية·· لم يكن من السهل بمكان الاقتراب من المسافرين، فهالة الخوف والريبة كانت مسيطرة على الجميع، وبمجرد ذكر اسم مراح يزيد القلق على وجه الأشخاص الذين أردنا استطلاع آرائهم· اقتربنا من محمد، شاب في الثلاثينيات من عمره، سألناه عما إذا بلغته أخبار عن الإجراءات الأمنية الإضافية في مطارات فرنسا، رد علينا بقلق ظاهر ''كنت في عطلة، لم أتابع القضية، ولا يمكنني الإدلاء بأي تصريح· باختصار لا أريد الحديث في هذا الموضوع، أرى أنه يتجاوزني''· على شباك الخطوط الجوية الجزائرية، حيث تجمّع عدد كبير من المسافرين لإتمام إجراءات السفر تجمعهم النظرات الحائرة، استوقفنا شاب بدا أنه متحمس جدا للسفر، لم يمانع في إجراء حديث معنا بابتسامة حافظ عليها، يقول صهيب الذي سيسافر من أجل إتمام دراسته هناك ''لم يبلغني حديث بخصوص إجراءات مراقبة إضافية خاصة بالجزائريين، هذه أول مرة أسافر فيها نحو فرنسا، وبالتالي لا يمكنني الحديث عن تغيير ما، لكني أظن أن الأمور ستصبح أكثر تعقيدا بعد الحادثة''· سألنا صهيب عن مدى أحقية تشديد المراقبة الأمنية، أجاب ''شئنا أم أبينا لهم الحق في أن يخافوا على بلدهم، الحادثة جاءت في وقت قاتل، وطبعا ستستغل سياسيا من طرف اليمين المتطرف''· ''طريق السد تدي ما ترد'' إنتظرنا وصول عدة رحلات قادمة من باريس وليون، وسألنا من استطعنا كسر حاجز الريبة لديه عما إذا أحس بتغير في طريقة تعاطي الأمن الفرنسي معه، وكان الجواب المتفق عليه هو ألا تغير على مستوى الرحلات المنطلقة من فرنسا، وأن منطق التعاطي فيه كثير من الراحة في التعامل· ''مصطفى'' رجل في الستين من العمر، لم يلاحظ تغييرا في إجراءات الحركة عبر مطار ليون، يقول ''لم ألاحظ شيئا غير معتاد، كل شيء سار بالطريقة المعتادة، كان هناك عدد إضافي من الشرطة في المطار، لكن خارجه كانت الحياة تسير بشكل عادي، لكن أصدقائي في تولوز يبدو أنهم يعيشون أوضاعا صعبة، هناك إجراءات أمنية غير مسبوقة، وحركة المهاجرين هناك أصبحت غير سلسة أبدا''، يصمت قليلا ثم يسترسل: ''بصراحة، هذا التصرف لا يمت للإسلام بصلة·· الإسلام لا يحلّ قتل الأطفال، انظر ماذا فعل هذا الشاب، لقد تسبب في شقاء أسرته· العرب قصيرو النظر ويقومون أحيانا بتصرفات مشينة''· ''محمد'' شاب في الأربعينيات لم يرد التعليق على الحادثة، لكن بالمقابل أعلن استياءه الشديد من اضطراره للعيش في بلد غير الجزائر، يقول: ''لماذا بلدنا ليست منظمة، ولا نملك فيها حق الشغل والعيش الكريم؟ لو تحصلنا على فرص لما اضطررنا للعيش في بلد يلصق بنا كل الصفات المهينة، هؤلاء يريدون إلصاق كل التهم بنا، رغم أن أحد قيادات اليمين المتطرف يشتغل في بيع اللحم الحلال للمسلمين، أناس بلا مبدأ''· ''ناريمان'' طبيبة شابة قادمة في رحلة من مطار شارل ديغول، بدت مستاءة من تداعيات الحادثة واستغلالها سياسيا، تقول ''حقيقة ليس هناك أي تغييرات على مستوى المطار، الوضع يبدو وكأنهم يريدون الخلاص منا وترحيلنا في أقصر وقت ممكن إلى الجزائر، لكن بالمقابل حياتنا أصبحت جحيما بسبب التعزيزات الأمنية في الشارع، ووسائل النقل العامة من حافلات وميترو، الحادثة ستتسبب في شقائنا لفترة''· سألنا ناريمان عن تحليلها للحادثة فأجابت ''كل ما يمكنني قوله إن الفاعل شاب صغير في السن، يبدو أن أطرافا قد لعبت بعقله، من المستحيل أن يكون شخصا سويا''· دخول البيت ليس كخروجه اتفقنا مع كريم، شاب مزدوج الجنسية كان مسافرا إلى باريس على أن يستطلع لنا الوضع في المطار حين وصوله· في البداية، بدا كريم وكأنه غير مقتنع بفكرة تشديد المراقبة الأمنية على مستوى المطارات الفرنسية: ''فرنسا مرتبطة باتفاقيات تمنع التمييز بين الوافدين إليها على مستوى المطارات''· وحينما عرضنا عليه فكرة الدخول إلى فرنسا مستعملا جواز السفر الجزائري لم يمانع· اتصلنا به بعد وصوله بفترة، وقد بدا مستغربا جدا لما رآه على مستوى مطار شارل ديغول يقول: ''تفاجأت لطريقة تعامل أمن المطار مع الجزائريين، هناك عملية تفتيش متقدمة جدا، شملت كل الوافدين، لقد قاموا حتى بتفتيش الجيوب الصغيرة، وفوق هذا قاموا بطرح أسئلة كثيرة علينا مثل: من أين أتيت؟ إلى أين أنت ذاهب؟ لماذا أتيت؟ أين ستقيم؟ كان الأمر أشبه باستجواب حقيقي، ولم أتمكن من الإفلات منه إلا حينما قلت إني فرنسي الجنسية، حينما خرجت من المطار وشرعت في الاتصال بأصدقائي تبين أن العابرين عبر مطار ''أورلي'' عوملوا بنفس الطريقة، والإجراءات تغيّرت بشكل كبير''· أعدنا الاتصال بكريم في وقت لاحق، يقول: أن النقاش حاليا يدور حول الحملة الإعلامية التي يواجهها المسلمون بشكل عام، والجزائريون بشكل خاص، للأسف ليس هناك ممثلا واضحا للجالية المسلمة، معظم أئمة مساجد باريس الكبيرة ينتفعون من النظام الفرنسي، وبالتالي لا نعول عليهم كثيرا للدفاع عنا، حاليا هناك الكثير من الأسئلة تطرح، والشكوك بدأت تتعاظم حول حيثيات الحادث· يقال إن السلطات الفرنسية تسعى بشكل حثيث لمنع عرض فيديو الحادث الذي قد يكشف الكثير من المغالطات· توجس شعبي واستغلال سياسي حتى تكتمل صورة المشهد لدينا، اتصلنا بمهاجرين مقيمين في باريس منذ فترة، حاولنا أن نطلع على الحالة العامة هناك لدى الشارع الفرنسي، يقول سمير موظف في إحدى المؤسسات الفرنسية التي تعنى بالسينما: ''يبدو من خلال الجو العام المشحون، أن الحادثة أثرت بشكل كبير على الشارع الفرنسي، يبدو جليا أن الناس يأخذون تهديدات الإرهابيين بجدية أكثر من وقت سابق، في المقاهي والجلسات الخاصة، حسب إحدى الفرنسيات، يظنون أنهم معرضون للموت، حيث يمكن للحادثة أن تتكرر في أي مكان وفي أي زمان، هم يعتقدون أن وجه الإرهاب ''تطور'' نوعا ما، وأصبح من السهل على الجماعات الإرهابية القيام بعمليات انتحارية· بالنسبة للتعزيزات الأمنية كانت ولازالت حاضرة، خصوصا في المواقع السياحية، كذلك في المراكز التجارية وفي شبكة المواصلات، لم يتغير في الأمر شيء خصوصا في باريس· السلطات تأخذ بجدية التهديدات الصادرة من الجماعات الإرهابية منذ سنوات، لذلك لا يوجد جديد من هذه الناحية· أما في مقر عملي، فالجميع يتحدث عن ''واقعة مراح''، هم تحت الصدمة، يستذكرون العمليات الإرهابية التي حدثت خلال سنوات التسعينيات· كجزائري، مسلم وعربي، لديّ إحساس بأن أصابع الاتهام موجهة إليّ، لقد زادت هذه الحادثة من شكوك الأوروبيين بأن كل من هو عربي ومسلم يمكنه أن يلحق بهم الأذى''· يقول سمير· أما مسعود المشتغل في الحقل الثقافي، فتحدث عن الاستغلال السياسي للحدث من طرف اليمين المتطرف، يقول ''قبيل شهر على الدور الأول من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، جاءت واقعة ''تولوز'' لتمنح حزبي اليمين (الجبهة الوطنية برئاسة مارين لوبان والإتحاد من أجل حركة شعبية برئاسة نيكولا ساركوزي) بعض المصداقية في خطابهما المناهض للمهاجرين، القائمة على ثنائيتي ''رفضهم'' أو ''تحديد وجودهم بالانتقائية''·· لكن انعكاسات واقعة ''تولوز'' على حياة المهاجرين المسلمين في فرنسا لن تكون أسوأ من انعكاسات 11 سبتمبر 2001 مثلا· فمنذ ذلك الوقت و فئة المهاجرين المسلمين تعاني كثيرا من الممارسات غير المبررة التي تجعل منها أقل شأنا من فئات المهاجرين الآخرين، القادمين مثلا من شرق آسيا أو من دول وسط أوربا· هذه الممارسات التمييزية نلتمسها خصوصا في المناطق المصنفة ثانية وثالثة على السلم الاجتماعي، بمعنى الضواحي، سواء كانت في باريس أو ليون أو مارسيليا أو ليل وغيرها من المقاطعات ذات التواجد العربي المسلم الواسع، حيث تتراءى المقاييس الاستثنائية في توفير السكن والشغل وفرص الالتحاق ببعض الأسلاك الوظيفية· ربما لا يبرز التمييز في الشارع ولكنه سيبرز في بعض الممارسات الإدارية، وفي بعض الميول السياسية، كما سنراه في التفرقة الحاصلة بين المهاجرين بحسب الأصول خاصة في المدارس· وفي الوقت الذي يكابد فيه العرب والمسلمون الأمرين حيال ذلك، تظل بعض أطياف اليمين ترى فيهم ''بيزنس حلال''، فهم مصدر هام في الحركة التجارية بفرنسا·· الخمسة مليون مسلم يساهمون في تنشيط قطاع اللحم الحلال مثلا، الذي يديره أحد قياديي حزب اليمين: الجبهة الوطنية· تبقى انعكاسات حادثة تولوز محدودة على صعيد الطبقة المثقفة، كثير من المثقفين الفرنسيين كشفوا عن تعاطفهم مع المسلمين الفرنسيين، على غرار باسكال بونيفاس، ورفضوا الخلط بينهم وبين مصطلحات مثل ''الإسلاموية''، ويبقى توظيف مثل هذه الأحداث مقتصرا على مناطق فقيرة محدودة لكنها ذات كثافة سكانية، والهدف هو كسب ثقة الأغلبية في الانتخابات الرئاسية خصوصا إذا أدركنا أن كثيرا من أبناء المهاجرين المسلمين لا يصوتون وغير منخرطين في الحراك السياسي، مما لا يجلب إليهم انتباه السياسيين كونهم لا يشكلون ثقلا مثل الأفارقة مثلا أو الجاليات الأخرى·