نظام حكم العائلة، نظام طبيعي وهو الحل الوحيد المتوفر في البيئة القبلية، وإن كانت له سلبياته كغيره من الأنظمة البشرية الاجتماعية والسياسية، فإن الدين الإسلامي قلص هامش الأخطاء فيه لدرجة مثالية مقارنة بالأنظمة العائلية الأخرى التي قامت في بيئات قبلية أخرى وإن حدث بعدها الانقلاب الفكري الأعرابي بداية بتسلم بنو أمية الحكم والمستمر لحد اليوم، فالفكر الأعرابي نظرته في نظام حكم العائلة جسدها في مثل شعبي مفاده: ''حمارنا ولا حصان الغير·'' هل المشكلة في العالم العربي، مشكلة سياسية أم اقتصادية، أم اجتماعية؟ مشكلة نقص في الكفاءات والأدمغة والإطارات؟ أم مشكلة في التخطيط والتوجيه والتنظيم والتقييم والتحليل والدراسة والاستشراف؟ لماذا فشلت الاشتراكية عندنا ونجحت في الصين؟ لماذا فشلت الليبرالية عندنا ونجحت عند غيرنا؟ لماذا لم نتقدم كما تقدم غيرنا بالنظام البرلماني أو النظام الرأسمالي أو النظام الجمهوري أو حتى الملكي؟ لماذا فشل الدين عندنا خارج مجال العبادة متخليا عن دوره الحضاري؟ لماذا فشلت أفكار مالك بن نبي عندنا ونجحت في ماليزيا؟! أسئلة لطالما طرحت في كافة المستويات والدوائر وتنوعت الإجابة بين تبسيطها وتغييبيها وإلصاقها بالجبر والقضاء أو اختراع نظرية بدل أن تجيب على السؤال تنسخ عنه سلسلة غير متناهية من الأسئلة، عُرفت بنظرية المؤامرة· في حين غرق البعض في الجزئية بدعوى التخصص، فجعل الاقتصادي المشكلة اقتصادية وعالم الاجتماع المشكلة اجتماعية ورجل الدين المشكلة دينية·· وكل متخصص رأى المشكلة من زاوية تخصصه فقط· ذهنية العائلة الراسخة في وعينا ووعينا الزائف وفي شعورنا وفي لا شعورنا، في عقلنا وفي عقلنا الباطن، في نفسنا اللّوامة وفي نفسنا الأمّارة بالسوء والمتجذرة في تاريخنا· ذهنية العائلة هي تسيير جميع الأمور في كافة الميادين وعلى جميع المستويات والأصعدة وفق العائلة الأسرية بروابطها (رابطة الدم والمصاهرة···) فالأقربون أولى بالمعروف مع تعميم كلمة معروف وجعلها تشمل جميع المنح والامتيازات والمناصب والصلاحيات والنفوذ والقرار·· ذهنية العائلة هي النسخة الأولى لذهنية القبيلة التي غيّرت اليوم شكلها محتفظة بجوهرها في بعض الدول العربية، لتصبح تعرف بذهنية الزمرة وهي ذهنية فطرية، طبيعية في منشئها، حيث لا يكون تنظيم اجتماعي أو سياسي خارج إطار القبيلة التي تعود جذورها الأولى لنظام العائلة الذي تجمع بين أفراده رابطة الدم والمصاهرة، فشيخ القبيلة من البديهي أن يكون من أكبر عائلة في القبيلة والتي هي في الأصل عائلة كبيرة متفرعة، وبطبيعة الحال أن يمنح لواء الحرب إلى من يضع فيه ثقته من أهله وكذلك في خروج القوافل التجارية، ومن المستحيل أن يمنح شرف القيام بالمهام السيادية إلى الموالي والعبيد والمنبوذين والرعاع... جاء الإسلام كدين سماوي ووجد نظام قبلي أساسه رابطة الدم والمصاهرة كتنظيم اجتماعي وسياسي، لم يلغ الإسلام هذا التنظيم لأنه لا يدخل في دائرة اختصاصه، بل استفاد منه لخدمة قضاياه ونشر تعاليمه وتوسيع مساحة نفوذه، فالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، تزوج ابنة صديقه منذ الطفولة أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) والذي أصبح وزيره، وهي السيدة عائشة (رضي الله عنها) وعمرها لم يتجاوز تسع سنوات مازالت تلعب بدميتها وتنام على العجينة وهي تعجنها· وتزوج السيدة حفصة ابنة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه وعنها)، صديقه ووزيره، كما أنه زوج ابنته رقية لعثمان بن عفان، ولما توفيت زوجه ابنته أم كلثوم، وزوج ابنته فاطمة لعلي بن أبي طالب ابن عمه، ووزراؤه الأربعة الذين نسج معهم علاقة مصاهرة كلهم مبشرون بالجنة، كلهم تولوا الخلافة بعده، وبالتالي فالخلفاء الأربعة الراشدون كانوا الأربعة أصهار الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). نظام حكم العائلة، نظام طبيعي وهو الحل الوحيد المتوفر في البيئة القبلية، وإن كانت له سلبياته كغيره من الأنظمة البشرية الاجتماعية والسياسية، فإن الدين الإسلامي قلص هامش الأخطاء فيه لدرجة مثالية مقارنة بالأنظمة العائلية الأخرى التي قامت في بيئات قبلية أخرى وإن حدث بعدها الانقلاب الفكري الأعرابي بداية بتسلم بنو أمية الحكم والمستمر لحد اليوم، فالفكر الأعرابي نظرته في نظام حكم العائلة جسدها في مثل شعبي مفاده: ''حمارنا ولا حصان الغير.'' إذا قارنا بين الفكر الإسلامي والفكر الأعرابي في مسألة نظام حكم العائلة، نجد أن الفكر الإسلامي يقدم الأفضل ويختار من تتوفر فيهم شروط القوامة والمسؤولية، كقيّم ومسؤول عن العائلة الصغيرة والعائلة الكبيرة التي هي الدولة· أما الفكر الأعرابي، فهو لا يهتم بالمعايير ومقاييس الاختيار، وهذا لا يعني أنه يلغيها، بل إن مقاييسه في الاختيار كالمصاهرة مثلا تختلف تماما عن مقاييس الفكر الإسلامي، فإن كان الفكر الإسلامي ينشد التقوى ومن ترضونه لدينه، فإن الفكر الأعرابي ينشد المال ولا يهمّه مصدره على سبيل المثال، لذلك قدم الفكر الإسلامي حكام راشدون في إطار نظام حكم العائلة، بينما قدم الفكر الأعرابي الذي ''أعرب'' الفكر الإسلامي منذ قيام الدولة الأموية إلى غاية يومنا هذا، قدم الأحمق المطاع في إطار النظام العائلي· مع التطور الحضاري وظهور الدول الحديثة، ظهر النظام المؤسساتي، الذي يعتمد على تنظيم المؤسسات، فلكل مؤسسة اختصاص معين وصلاحيات محددة قانونا، وفي حالة تنازع الاختصاص هناك هيئة مختصة تفصل فيه، يكون التعيين فيه وفق مقاييس تنظيمية لا على أساس شعبوي أو عرقي أو قبلي· المفترض أن يحل نظام الحكم المؤسساتي محل نظام الحكم العائلي، لكن العقلية الأعرابية التي سيطرت على الفكر الإسلامي و''أعربته''، وأهم ميزاتها الكفر والنفاق، فإن كانت في المعارضة تبكي على الحريات المسلوبة وعلى الديمقراطية الشكلية وعلى العدل المفقود·· وإن حدث وتحوّلت إلى السلطة تجدها قد كفرت بكل ما كانت تنادي به وتبقي الوضع كما كان وكما سيستمر، شعارها ليس بالإمكان إيجاد أفضل مما كان، مادام يخدم مصالحها، فإن هددت مصالحها تجدها تنادي بالتغيير والتجديد، فأين ثمة مصلحتها الخاصة تتبنى المنهج وإن كان مناقضا لمبادئها الظاهرية، فلا تجد حرجا من سلخ الجلد الاشتراكي لتتبنى الرأسمالية، وأن تتحول من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ومن العلمانية إلى الإسلام السياسي· وإن كانت في السلطة، فإنها تبقي النظام المؤسساتي نظاما شكليا في الواجهة، وفي الباطن نظاما عائليا، فالتعيينات في المناصب العليا كلها لذوي القربى وإن كان أقارب الحاكم لا يشغلون أي وظيفة في الدولة تجدهم يملكون النفوذ والسلطة الفعلية كعائلة طرابلسي في عهد الرئيس التونسي بن علي، فيصبح نظام الحكم المؤسساتي هيكلا بلا روح· وبالتالي فأي قانون نجلبه من الدول الغربية ذات النظام المؤسساتي وأي مشروع إصلاحي اجتماعي كان أو ديني أو سياسي أو اقتصادي أو ثقافي أو أية ثورة يناد للقيام بها في عالمنا العربي سيتم مسخها وتشويهها وصبغها بالصبغة الأعرابية، فحكم الشعب يتحول إلى حكم العائلة واشتراكية الجماهير تتحول إلى شراكة عائلية والتنافس بين الشركات يتحول إلى تنافس وسط العائلة الحاكمة والدعوة إلى التمكين لحكم الله هي في الأصل دعوة لحكم عائلة مسلمة سياسيا· خلاصة الأمر، أن النظام العربي هو نظام حكم عائلة والتي تكون أحيانا واضحة ومعلوم أفرادها، وأحيانا بسبب عولمة النظام القبلي تتحوّل إلى نظام حكم الزمرة، والمعارضة العربية تهدف إلى إزاحة العائلة أو الزمرة الحاكمة لتثبيت عائلة أو زمرة أخرى سواء كانت ثورية أو علمانية أو يسارية أو ليبرالية أو إسلامية·· لأن العالم العربي الذي تحول إلى عالم ''أعرابي'' لا زال يسري في دمه نظام حكم العائلة. للموضوع هوامش