يقول فرانسيس بيكون، إنه ليس هناك أخطر على دولة ما من الخلط بين المكر والحكمة، ونحن على ما يبدو وقعنا في هذا الخطر! نهق حماري بخبث وقال: والخطر الأكبر أن يطغى المكر على كل شيء ويصبح هو السيد، ولا يمكن بأي حال من الأحوال الإفلات منه· قلت: وهل تظن أن حالنا نحن كذلك يا حماري التعيس؟ قال ساخرا: نحن مُكِر بنا ودولتنا اختلط فيها الحابل بالنابل من فساد وقلة عقل ويمكنك أن تجد كل شيء فيها سوى الحكمة فهي نادرة ومغيبة تماما· قلت: لا يمكنك التعميم في هذه الأشياء، فالحكمة يمكن أن تكون حيث لا تعلم· نهق نهيقا مستفزا وقال: الحكمة لا يمكن أن تكون في هذه السلطة التي فقدت عقلها لأن ما يدور من حولها يؤكد ذلك أنها ''مدوخة''، ولا يمكن أيضا أن تجد الحكمة لا في الأحزاب المستأسدة ولا في أرانبها لأن الضياع الذي تدور من حوله يؤكد أن الحكيم والحليم لا يفعل ذلك· قلت: عجيب، رغم أنهم يبذلون جهودا حتى يبينوا لنا أنهم حكماء ويعرفون ما يفعلون وما يقولون؟ قال: تهور بلخادم أم جرأة أبو جرة الزائدة أو أحلام جاب الله العبثية أم أوهام أويحيى، أين الحكمة في هذه الوجوه التي تراها؟ أليست كلها ماكرة وتريد أن تطيح ببعضها البعض حتى تجلس على خزينة الدولة؟ قلت: يمكن أن نفهم أن السلطة بحكمتها جعلت من الذين يدورون في فلكها بهذا المكر والخبث حتى تحافظ على وجودها وقطعت الطريق أمام من يستحقون ويستطيعون حتى لا يهددون مصالحها؟ قال وهو يشد على يدي: لا توهم نفسك يا صديقي بأوهام لا تسمن ولا تغني من جوع ولا يمكن أن تغطي الشمس بالغربال، نحن فعلا دولة في خطر لأننا نقف بين فك السلطة الماكرة وفك الأحزاب الفاسدة لذلك لا يمكن أن تختار سوى الحياد· قلت: ولكن الحياد هو أيضا موقف ولكن لا يؤثر في شيء؟ قال: من الحكمة أن نرى بوضوح الخط الأحمر الذي يفصل الشعب عن كل هؤلاء حتى لا يخدعوننا من جديد·