وصفت المجاهدة إغيل أحريز، الرئيس الجزائري الأسبق، والمناضل الثوري، أحمد بن بلة، عقب انطفاء شمعته الأسبوع الماضي، بقولها: ''كان دائما المجاهد الذي سعى إلى التحرر من قيود فرنسا الاستعمارية، ولم نشعر يوما أنه غيّر ذلك· تؤكد ''لويزات'' أن لقاءاتها بالراحل بن بلة لم تكن كثيرة، بحكم طبيعة العمل الثوري لكليهما، وبحكم منصب الرجل بعد الاستقلال، إلا أنها التقت به في 1962 فور خروجها وزميلات وزملاء كثيرون من غياهب السجن، تتذكر المجاهدة اللقاء والكلمات الطيبة التي حاول الرجل أن يخفف بها من عناء الألم والحرمان، فقال لهم على حد تعبير المتحدثة: ''عند استقبالنا من قبله قال لنا حافظوا على الجزائر، فهي بحاجة إلى أن تحافظوا على استقلالها، وأنكم من اليوم فصاعدا مطالبين بضمان الاستقلال الاقتصادي للبلاد''، كان ذلك في فيلا جولي بأعالي العاصمة· وكان يومها بن بلة -حسب المتحدثة- متواضعا في حضوره: ''كانت علاقتنا أخوية، نتعامل مع بعضنا البعض بحري، دون برتوكولات، كان بشوش الوجه، يحب المزاح، وكنا نبادله المواقف المضحكة، لم نشعر يوما أنه الرئيس ونحن الرعية··· كان الأخ''· الأستاذ عمار بلحيمر: ''الزمن السياسي'' لبن بلة يجعل تقييمه صعبا يرى بلحيمر، أستاذ العلوم القانونية والكاتب الصحفي، أن الرئيس الراحل أحمد بلة ''شخصية عاشت وقتها''، وأنها تميزت بتوجهها السياسي والإيديولوجي: ''كان منقسما بين الوطنية والاشتراكية'' على حد تعبير الأستاذ، الذي أوضح أن بن بلة كان يسعى إلى تحقيق التوازن بين النموذج اليوغسلافي في التسيير الذاتي وبين النموذج السوفياتي في إعادة تنظيم القطاع الزراعي: ''هذا التوافق حاول تحقيقه ضمن إطار إيديولوجي قومي مستلهم من سياسة جمال عبد الناصر·'' وعن إمكانية تقييم فترة حكم الرئيس الأول للبلاد، يجيب المتحدث: ''للأسف ''الزمن السياسي'' اللازم لتقييم هذه المرحلة لم يكن مكتملا ولم يستوف كل الشروط، لأن بن بلة لم يعمّر طويلا في سدة الحكم''· يسجل الدكتور الشعبية الكبيرة التي كان يتمتع بها بن بلة، كان يستقطب الجماهير ويحركها أيضا، وكانت له أيضا ''نزعة تسلطية إزاء المعارضين الذين نفاهم إلى الجنوب من بينهم محمد بوضياف ومحمد عباسي''· أطلق الراحل في الفترة الأخيرة تصريحات مباشرة تجاه فاعليين وطنيين، في المقابل كان محل شهادات ''هجومية'' أيضا، عنها يقول الأستاذ: ''صراحة بن بلة معروفة ومعهودة عنه، هو رجل تعلّم الحياة بنفسه، عصامي ذو شخصية حرة لا تتراجع أمام شيء''· ويضيف: ''أما الشهادات المنتقدة لشخصه، فهي تعبّر عن طموحات شخصية··· وهذه صراعات محتكرة لدى تركيبة برجوازية ميزتها خاصة تكريس الذات''· الدكتور مصطفى مويسر: هو مؤسس الحركة التحريرية المغاربية يعتقد الدكتور مصطفى مويسر وأستاذ التاريخ بجامعة الجزائر، أن حياة بن بلة النضالية تبقى غير معروفة بالكامل لدى أجيال كثيرة· يقول موسير إن بن بلة ''ليس مجرد أول رئيس للجمهورية الجزائرية، بل هو أولا مناضل من الدرجة الأولى، من أوائل الحركة الوطنية سعى منذ الأربعينيات لرئاسة المنظمة الخاصة، يمشي راجلا من الجزائر إلى تونس في ظروف أكثر من صعبة وقاسية لإقناع قادة الحركة الوطنية التونسية تفعيل نشاطها التحرري، والسعي لإرساء حركة تحرر مغاربية''، وهي النقطة التي يرى الأستاذ أنها لم تنل حظها من النقاش والتعريف، وأنه حان الوقت لتصفح جديد لتاريخ هذا الرجل الكبير· من الأشياء التي تجهلها الأجيال أيضا -حسب المصدر ذاته- هو أن بن بلة من الأوائل المخططين لثورة نوفمبر ,54 وأنه قبل مجموعة 22 كان هناك مجموعة أولى من ستة أعضاء وبداخلها نواة ثلاثية أساسها بن بلة وبوضياف ومحساس· ويختم مويسر حديثه بالقول: ''الأسرار كثيرة بحاجة إلى كشفها وحاجتنا أكبر للتعرف على نضال الرئيس الراحل''·