في الوقت الذي تشير فيه نتائج الحرب في سوريا إلى أن قوات النظام خسرت معظم مواقعها، وكبار قادتها، وغالبية أقاليمها، وكل معابرها البرية، ولم تعد تسيطر على أكثر من 30 في المائة من البلاد، تبعث الحكومة الروسية 17 بارجة عسكرية لدعم بشار الأسد. ما يخرج من موسكو يزيدنا حيرة، رسائل وتصرفات متضاربة. هل هي استراتيجية عميقة أم أنه عناد المهزوم؟ في العاصمة الروسية أسمع السوريون الجميع أنهم في ورطة ومستعدون الآن للتفاوض حتى على رأس بشار الأسد من أجل حل سياسي، إن قبلت المعارضة بالجلوس معهم. عرضهم لم يصدقه أحد. وبالتالي هل قرر الروس إرسال المزيد من الدعم العسكري لفرض الحل السياسي على المعارضة؟ ألم يعد ذلك متأخرا جدا؟ وعندما بادر الروس إلى فضح وفاة أحد كبار القادة العسكريين السوريين في مستشفى في موسكو جيء به للعلاج من إصابته، الذي نفته وكالة الأنباء الرسمية السورية، زادنا تصرفهم حيرة، إن كان الهدف إحراج الأسد أم أنها شفافية معلوماتية بريئة. وأكثر ما يزيد موقف روسيا غموضا أنها أعلنت عدم إرسال أسلحة، ثم أرسلت أسطولا بحريا (17 من بوارجها)، في أكبر استعراض قوة عسكري لدعم الأسد، نصفها تقرر أن يرسو في طرطوس، قاعدة روسيا الوحيدة في العالم خارج منطقة جمهوريات الاتحاد السوفياتي القديم! وفضلا عن فضيحة التصاقها بنظام دموي بشع، وحتمية هزيمتها، وارتفاع الكراهية في العالم العربي والإسلامي ضدها، فإن موسكو لا تربح سياسيا ولا ماديا من وراء هذه السياسة، بخلاف الأمريكيين الذين يبيعون بالدولارات صواريخهم ومعلوماتهم الاستخباراتية، ويكسبون من وراء الحرب إسقاط عدوهم الأسد، وسوريا أرخص حروبهم على الإطلاق. الروس قرروا هذا الأسبوع تزويد نظام الأسد بمنتجات نفطية لتمويل دباباته وطائراته المهددة بالتوقف بسبب نقص الوقود. السبب هو نجاح الثوار في إغلاق معبر البوكمال مع العراق الذي استولوا عليه بشكل كامل، وهم بذلك قطعوا الحبل السري الذي كان يربط خط الإمداد البري المهم مع حكومة المالكي العراقية، التي كانت ترسل له كل ما يحتاج إليه من تمويل. نحاول أن نفهم الروس.. هل سوريا بالنسبة لهم هي أفغانستان الأمريكيين، أي الاستمرار في حرب مهما كانت فاشلة ومكلفة؟ ربما، لكن نحن نفهم دوافع الغرب في أفغانستان، حيث يعتقد أنها مكمن خطر من “القاعدة" و “طالبان". أما موسكو، فلم يكن لها أعداء في محيط منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك الدول المعادية لنظام بشار، مثل الدول الخليجية التي كانت على علاقة جيدة، وتتعاون معها في الحرب على الإرهاب. روسيا تغرق برغبتها في رمال سوريا ورمال المنطقة المتحركة، وقد قررت السقوط مع بشار الذي زاد الخناق عليه بعد قرار الدول الغربية تقديم الأسلحة النوعية والدعم اللوجيستي والمعلوماتي للثوار. ولا نرى في العناد الروسي ثمنا في أي مساومة سياسية أو عسكرية في نزاعها مع الغرب، بما في ذلك ما تردد مبكرا عن إصرار موسكو على وقف مشروع الدرع الصاروخية للناتو في تركيا. ولا أعتقد أن الروس يجهلون حقائق ما يحدث في سوريا، وأنهم منخدعون بالدعاية الرسمية التي تزعم مقاتلة الأصوليين والإرهابيين، فالروس أكثر من يملك على الأرض معلومات، ويعرفون تفاصيل الصراع هناك. لهذا، قلت في مطلع المقال إن موقفهم محير حقا، لا معنى أبدا لسلوكهم المتشدد، خاصة أن حليفهم الأسد فاشل وساقط. وهذا بخلاف موقف إيران الذي ينسجم مع التزاماتها تجاه نظام الأسد، وتعتبر أمنه من أمنها، وأنه آخر قلاعها في العالم العربي.