تشتد التساؤلات حول إمكانية نجاح مهمة المبعوث العربي والأممي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي في حل الأزمة التي عصفت بهذا البلد، منذ حوالي 18 شهرا، ولئن كان الأخضر الإبراهيمي صاحب التجربة الديبلوماسية الفذة يعتبر من وجهة نظر بعض المتتبعين أنسب شخصية لهذه المهمة، فإن آخرين - ومنهم معارضون سوريون راديكاليون - لا يتوانون في الحكم عليها بالفشل أو أنها على الأقل دون أمل كبير على اعتبار أن نفس الأسباب التي أدت إلى فشل المبعوث السابق إلى سوريا كوفي أنان لازالت هي نفسها التي تحكم تعقيدات الأزمة السورية المثقلة بالدماء. وصل الأخضر الإبراهيمي، أول أمس الأحد، إلى القاهرة - في إطار مساعيه لحل الأزمة السورية - قادما إليها من دمشق التي كان له فيها لقاءات مع الرئيس بشار الأسد وعدد من المسؤولين السوريين فضلا عن قادة المعارضة والمجتمع المدني في هذا البلد، ولم يرشح أي شيء إلى حد كتابة هذه السطور عن فحوى هذه اللقاءات، وهذا على الأقل ما يؤكده قادة من الجيش السوري الحر تحادث معهم الأخضر الإبراهيمي باستعمال سكايب في الأنترنيت والأكثر من ذلك، فإن رئيس المجلس العسكري في محافظة حلب العقيد عبد الجبار العكيدي صرح لوكالة الأنباء الفرنسية أن الإبراهيمي سيفشل كما فشل الموفدون الذين سبقوه، لكننا لا نريد أن نكون سبب هذا الفشل وفقا لتعبير ذات المتحدث الذي أكد أيضا أن المبعوث الأممي والعربي إلى سوريا لا يحمل معه خطة لوضع حد للنزاع المستمر في سوريا منذ 18 شهرا. وكان الأخضر الإبراهيمي قد أكد في وقت سابق بعد لقائه الرئيس السوري بشار الأسد أنه لا يحمل معه خطة للحل في الوقت الراهن، مشيرا إلى أنه سيعمل على وضعها بعد الإستماع إلى الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية. ومن الواضح أن نفس الأسباب التي أدت إلى فشل المبعوث الأممي والعربي السابق إلى سوريا كوفي أنان والمتمثلة في استمرار العنف في سوريا وغياب توافق دولي بشأن أزمتها، هي نفسها التي لا تزال محيطة بمهمة المبعوث الجديد الأخضر الإبراهيمي، وتهدد في ذات الوقت بتقويض نجاحه في مهمته الهادفة إلى حل أزمة، قال عنها هذا الديبلوماسي الجزائري الكبير، أنها تتفاقم من يوم إلى آخر وأنها تهدد العالم بأسره وليس سوريا أو منطقة الشرق الأوسط فقط. لقد جاء تعيين الأخضر الإبراهيمي مبعوثا جديدا للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سوريا في أعقاب استقالة المبعوث السابق والأمين العام السابق للأمم المتحدة أيضا كوفي أنان، وإذا كان هذا الأخير قد استقال بسبب استمرار العنف في سوريا وعدم وجود توافق دولي بشأن أزمة هذا البلد، فإنه لم تبرز بعد وفي أعقاب هذا التعيين - وفقا لبعض المتتبعين - أية مؤشرات جديدة في اتجاه بروز ظروف دولية مختلفة لاسيما وأن الموقف الروسي الداعم لنظام الرئيس بشار الأسد لا يزال هو نفسه، فضلا عن استمرار العنف بقوة على الأرض بين قوات الجيش النظامي والمعارضة المسلحة التي باتت تسيطر، ولو من حين لآخر، على أجزاء من التراب السوري. وفي الواقع تبدو مهمة الإبراهيمي محاطة بأمل ضئيل في النجاح استنادا إلى أقواله هو شخصيا، ومع تكرار تصريحاته بتعقيدات الأزمة السورية وتفاقمها، قال الإبراهيمي لشبكة بي بي سي أن الناس - يقصد في سوريا - تقتل ونحن لا نفعل الكثير وفقا لتعبيره، وفي تصريحات صحفية أخرى قلل الإبراهيمي من التوقعات حول مهمته وما لبث يكرر أن لا رؤية واضحة لديه للحل، وأنه يريد الإستماع لجميع الأطراف فضلا عن مطالبته بدعم واضح وقوي من مجلس الأمن الدولي بخصوص مهمته في سوريا. غير أن الأخضر الإبراهيمي أكد أيضا أن التاريخ لا يعود إلى الوراء في إشارة واضحة منه إلى أن الرئيس السوري بشار الأسد لم يعد باستطاعته استعادة السيطرة على سوريا بشكل كامل، حيث أشار المبعوث الأممي والعربي لحل الأزمة السورية في هذا السياق إلى كون التغيير - في هذا البلد - ضروري وعاجل. وربما كان الأخضر الإبراهيمي يدرك أكثر من غيره أنه ليس هناك مرحلة جديدة أكثر إيجابية تحيط بمهمته في سوريا على اعتبار أن مجلس الأمن يريد فقط - وفقا لبعض الملاحظين - الظهور بمظهر الهيئة التي تريد مواصلة جهودها لحل الأزمة ولاسيما في غياب أية مؤشرات في اتجاه العمل تحت الفصل السابع أو تحديد المهل أو تغيير الشروط، وهذا الأمر يعرفه النظام السوري جيدا وفقا لما يؤكده هؤلاء الملاحظون. وتتحدث بعض المعلومات عن كون رؤية المبعوث الدولي إلى سوريا تعتمد أولا على الحاجة لوقف العنف والنزيف الدموي في هذا البلد ومن ثم البحث عن وسيلة سياسية لبدء التحرك نحو تسوية الأزمة، ووقف العنف هو أول بند وضعه المبعوث السابق كوفي أنان في خطته التي آلت فيما بعد إلى الفشل، وفي الفترة الأخيرة أشارت بعض التقديرات الأخرى إلى كون الأخضر الإبراهيمي أصبح لا ينطلق من هذا الشرط كقاعدة أولى في مساعيه لحل الأزمة وذلك تزامنا مع وجود ميل لدى القوى الكبرى بالاعتقاد أن نهاية الأزمة في سوريا قد لا تأتي إلا من خلال الحلول العسكرية وفق هذه التقديرات دائما. ورغم كل هذا الديكور المفعم بعناصر الفشل المحتمل لمهمة الإبراهيمي في سوريا، إلا أن خبرته الديبلوماسية الكبيرة وشخصيته المتواضعة تندرج ضمن عوامل عديدة من شأنها قلب الموازين باتجاه كفة النجاح في هذه المهمة الصعبة، وفضلا عن كل ذلك، فإن الإبراهيمي يعرف جيدا أبطال ولاعبي الأزمة السورية وهو يتمتع بميزة كونه جزائريا، حيث لن ينظر إليه أحد من أطراف الصراع سواء القريبين أو البعيدين من الأزمة على أنه شخصية ينقصها الحياد. ومن المؤكد أن الأخضر الإبراهيمي سوف يستفيد من التطورات المحتملة التي قد يفرزها الصراع في سوريا مع مرور الوقت، إن من ناحية تطور نتائج المعارك على الأرض أو حتى من ناحية تغير المواقف الدولية من الأزمة السورية، إما بسبب التطورات العسكرية على الأرض السورية أو حتى بسبب عوامل أخرى طارئة ومستجدة قد تفرض نفسها على طبيعة هذه المواقف. وفي النهاية يمكن القول أن جميع الحروب الأهلية تؤول إلى النهاية إما بسبب تغلب أحد طرفي الصراع على الآخر أو لكون كلا الطرفين يصل إلى نتيجة مفادها أنه لا يمكن الوصول إلى الحسم العسكري وأنه من الضروري الجلوس إلى طاولة الحوار السياسي. وحسب متتبعين للملف السوري، هناك بالفعل بعض المؤشرات تؤكد أن النظام السوري وجماعات المعارضة المسلحة في هذا البلد بدأت تدرك أن تحقيق النصر العسكري لأي منهما هو أمر بعيد المنال، أما على الصعيد الخارجي فهناك عامل مستجد على قدر كبير من الأهمية ويتمثل - بعد اقتراح من الرئيس المصري محمد مرسي - في تشكيل مجموعة اتصال تضم كلا من مصر والسعودية وتركيا وإيران تحسبا للعمل من أجل حل الأزمة السورية، حيث يمكن لهذه الخطوة أن تكون مهمة فعلا بالنظر إلى الوزن الذي تمثله هذه الدول المشار إليها من أجل حل الأزمة في هذا البلد.