«كنت أحلم بالفضيلة فوجدت نفسي في الرذيلة، نحن نلد الشعوب والشعوب ليس لها أباء، إننا ضحايا أفعال شيطانية، كل شيء وقع في زمن الفتنة، الشعوب الصامتة كالبقرة تجتر صمتها حتى تلد ثورا ثائرا، أنا امرأة تنتظر خلاصها، أنا لست عذراء وكفى..". هي لوحات من مشاهد مختلفة لمسرحية نساء بلا ملامح لفرقة النواس لمدينة البليدة، دخلت أمس، غمار المنافسة الرسمية بمهرجان المسرح المحترف في طبعته السابعة بحضور عدد هائل من جمهور العاشق للخشبة. عاد نص المسرحية ذات الدراما السيكولوجية إلى عبد الأمير الشمخي وتولى عملية الإخراج عباس محمد إسلام، أما البطولة فشخصتها ثلاثة فتيات من النوارس على غرار صورية بسعدي نادية، علي حسنات أمال بن عمر إلى جانب أحمد مداح المتقمص لشخصية الجلاد وسلطة الذكورية بالمجتمع. مسرحية “نساء بلا ملامح" مستوحاة من نص عبد الأمير الشمخي، حيث تعرض إلى السياقات الأنثوية الضائعة بالمجتمع العربي والجزائري على حد سواء. تدور أحداث العرض عن حكاية ثلاث فتيات تعرضت أنوثتهن إلى الاغتصاب على يد مقصلة لها قوانينها الخاصة، بقين لسنوات طويلة عنوانا للعار، تم معاقبتهن قسريا على ذنوب لم يقترفنها في مجتمع ذكوري عمل على توزيع أحكامه الجاهزة من خلال ممارسته وصاية مغلفة بألوان من قوالب تقليدية معفنة الغير معترفة بقوانين الحياة والحق، مما زاد من تأزم الأحداث بالعرض أن البطلات المهزومات أخذن يعشن ضياعا مؤثثا بالمرارة والخيبة والانشطار مما دفع بالشبح المتربص بحياتهن توزيع صكوك غفران مشروطة وهذا ما تألق خلاله أحمد مداح المشخص لدور الجلاد والسلطة الذكورية التي لا تشفع للمرأة مطلقا حين ترتكب الخطيئة. الشيء المميز بالعرض أن محمد إسلام كسر طابوا الاغتصاب وقام بالكشف عنه بطلاقة حيث جعل من الممثلات يتفاعلن بشكل عميق مع الشخصية وهذا حسبما أكده لنا، فأراد من خلال ذلك معالجة ما أتلفه الظهر وتوضيح للرأي العام أن ظاهرة الاغتصاب ليس بالعار الذي يلاحق المرأة إلى اللحد وإنما مجرد ظاهرة اجتماعية سيئة ومشينة علينا تشريحها ومعالجتها لتقديم الحلول المناسبة، الملفت بالعرض أيضا أن الممثلات كان لهن حضورا لائقا على الخشبة حيث حاولن الكشف عن الألم النفسي لجرم لم يرتكبنه عن طريق لغة الجسد التي أخذت ترمي بظلالها إلى دلالات وإيماءات عميقة. بالنسبة لسينوغرافيا التي وقعت من بشير لمية هي الأخرى تناسقت ببساطتها مع الكوريغرافيا لتعطي لوحات الدال على الجرح العميق المطروح بالنص. الموسيقى جاءت في معظمها حزينة وحسبما أوضحه لنا محمد إسلام أنها كانت ترمز للخوف والذعر الذي لاحق المغتصبات. فيما يخص الجمهور أبدى تفاعله بصمت مع أحداث العرض، فالجميع عادت به الذاكرة إلى زمن الملعون أثناء العشرية الحمراء وهذا ما أكده لنا بعض الحضور بأن الممثلات كن متألقات على الخشبة وأنهن استطعن توصيل رسائل العنف التي تتعرض لها المرأة في زمن ومكان ما.