نائب رئيس الوزراء الروسي، ديمتري روغوزين، نصح الغرب بأن يتعلموا من درس قتل السفير الأمريكي في بنغازي الليبية على يد جماعة إسلامية متطرفة، وقال إن الغربيين “يطيحون بالأنظمة السياسية التي يتهمونها بالديكتاتورية، ويستبدلونها بقوى متطرفة تدير ظهرها لهم وربما توجه أسلحتها ضد من دعمها". الإسقاط هنا واضح على سوريا، هدفه تخويفهم باستحضار ما حدث في ليبيا التي كان للغربيين فيها دور فاعل في إنهاء حكم القذافي. الروس يفعلون كل شيء على أمل الحفاظ على نظام الأسد. طبعا، لا أسد سوريا، ولا قذافي ليبيا، مثل ملك أفغانستان يمكن أن نبكي عليهما، هما نظامان روعا العالم ونشرا الإرهاب لأربعين عاما، وبالتالي أسوأ سيناريو يمكن أن نتخيله نتيجة انهيار النظامين لن يكون بسوء الأسد والقذافي. روغوزين يشرح الموقف الروسي العصي على فهمنا قائلا “إن الفوضى تعم الساحة الدولية التي تشهد إسقاط الثوابت التي من شأنها المحافظة على السلام والأمن في كوكبنا لفترة ما بعد الحرب العالمية". أي ثوابت بقيت على هذا الكوكب منذ الحرب العالمية الثانية؟ أنظمة بوليسية مثل ألمانياالشرقية ورومانيا انهارت منذ عقدين، و14 دولة في فلك الاتحاد السوفياتي أفلتت. حديث المسؤول الروسي عن السلام على “كوكبنا" ينسجم مع تفسير فؤاد عجمي، أستاذ العلوم السياسية المتقاعد في جامعة جونز هوبكنز، في كتابه الجديد “التمرد السوري"، وقدمت له مجلة “المجلة" ملخصا في عددها الحالي. يقول إن “روسيا والصين، مارستا حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي ضد القرارات المعنية بسوريا، لأن في بال الصينيين كان موضوع التيبت التي يحتلونها، بينما كان الروس يفكرون في الشيشان". هذا هو السلام بالنسبة لهم. وإذا كان الروس، وكذلك الصينيون، يخشون من يوم يأتيهم الدور بتدخل خارجي في شؤونهم الداخلية، فإنهم بحماية نظام الأسد لم يمنعوا فكرة وأخلاقيات التدخل، بل العكس تماما. ما فعله الأسد من قتل جماعي ومستمر وبأرقام مروعة دفع حتى المترددين إلى تأييد التدخل الدولي، وسوغ له لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، وأيده حتى الذين كانوا ضد تدخل قوات الناتو في ليبيا. الأهم وقف ماكينة القتل، أي شخص الأسد وقواته. غالبية العرب كانوا ضد فكرة التدخل دائما، وخاصة بعد غزو العراق، وأصبحوا يستعطفون المجتمع الدولي للتدخل تحت أي علم لوقف المأساة. وهذا كله بسبب الموقف الروسي، ليس لأنه عارض التدخل فقط، بل أيضا لأنه دعم النظام بالأسلحة والخبراء، ضد شعب أعزل، وحرم السوريين حتى من إقامة منطقة محظورة الطيران. حماس الروس للدفاع عن نظام الأسد لم نعرف منهم له مثيلا عندنا في منطقتنا إلى حد تعريض تاريخهم وسمعتهم ومصالحهم للخطر، لهذا يبقى حقا لغزا محيرا. وكلما قرأت عنه ازددت حيرة لأنه لا يحمي روسيا أو الصين، ولا يمنع سقوط الأسد، ولا يحقق السلام، ولا يلغي الجماعات المتطرفة.