على الرغم من أن سمير قسيمي بدأ الكتابة والنشر منذ فترة طويلة كشاعر متميز بالدرجة الأولى إلا أنه عرف في الفترة الاخيرة باسمه الروائي بروايته الاولى/تصريح بالضياع/ منشورات البيت وروايته الثانية /يوم رائع للموت التي صدرت عن الاختلاف وقد اكتشف القراء مع سمير تجربة مميزة جدا في النص الروائي لغة ومضمونا، كتابة لها صدقها واختلافها الجميل· ولدت شتاء عام أربعة وسبعين بالعاصمة، كنت آخر إخوتي الأحد عشرة ممن عانقتهم الحياة وقبلت بهم بعد أن لفظت أولنا وآخرنا، لذلك اختارت لي أم كنية /المازوزي/، إشارة إلى أنني آخر أولادها· أما اسمي فاللقب من أبي والاسم الشخصي اختارته خالتي رحمها الله لسبب لم أعرفه· ولدت من أم تجيد قراءة الفرنسية بالكاد، ومن أب لا يحسن إلا العربية التي تعلمها من خاله الذي رباه بعد أن توفي عنه أبواه، أمه وأبوه، صغيرا· لذلك عمل جاهدا على أن يكوّن أسرة كبيرة تعوضه عما فقده صغيرا· في هكذا أسرة ترعرعت، وعلى كتفي حمل أن أحقق ما عجز عنه إخوتي في الدراسة، قال لي أبي مرة /لا أموت قبل أن يدخل أحدكم الجامعة/، وهو ما حققته له وإحدى شقيقاتي حين حصلنا في ذات السنة على بكالوريا رياضيات، فولجت جامعة هواري بومدين لأحصل على دبلوم الدراسات العليا في الرياضيات ولاحقا على الليسانس في القانون وشهادة الكفاءة المهنية للمحاماة قبل أن أضرب عن الدراسة والكتابة معا لسنوات طوال، لأعود إليهما السنة المنصرمة·· عدت للجامعة لأحضر الماجستير وعدت للكتابة بكتابة روايتين متلاحقتين· بالنسبة إلي، لم تكن العودة للجامعة أهم من العودة من الكتابة، بل كانت هذه أهم لأنها عودة للحياة· عدت ولكن من باب مختلف، فقد بدأت شاعرا ومترجما شعريا نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، حتى قررت التوقف عن العمل الصحفي والكتابة الإبداعية لشعوري أنني كنت أكلم أموات لا يحسنون إلا التملق· ربما كان ذلك جنون مراهق أراد أن يخلق عالما آخر غير الذي يعيش فيه، وللأمانة فقد كنت أرى عالمي /الحديث/ في مرآة القرن العاشر، ولعل هذا ما جعلني وثلة من الأصدقاء نؤسس ما أسميناه وقتها /اليراعية/، على غرار محمد عاطف بريكي، رضوان بداك، كريم طاطا، كريم بن يطو وآخرين، جميعهم ارتد عن الأدب إلا الأستاذ الأديب المحامي بريكي الذي عاد معي لنتوب معا عما تبنا عليه· أذكر أننا كنا نحتسي القهوة في إحدى مقاهي باب الزوار حين قررنا العودة إلى ساحة الأدب، قلت له /كتبت اليوم شيئا يشبه قصة غير مكتملة أو بداية رواية لا أرى ملامحها/، فقال لي استمر فيها لترى، فربما تكون رواية/، فضحكت من كلامه وكلي أمل أن يكون صادقا، وحين انتهيت من الفصل الأول من /تصريح بضياع/، قرأته عليه فعلق /هذه بداية ممتازة لرواية ما/، وبالفعل كان ذلك بداية عمل استمر لسنة ونيف لينتهي إلى الرواية التي عنونتها /تصريح بضياع/ والتي صدرت لاحقا ووجد الناس فيها ما وجدوا، إلا أن حرقة الكتابة جعلتني أتصور أن لا وقت لي لأضيعه فأستريح بعد نشر أول أعمالي وأنا الذي ضيعت سنينا في لا شيء، فوجدتني منكبا على كتابة رواية ثانية، كانت قصتها وأحداثها وشخوصها اكتملت في رأسي بشكل كامل، فوجدتني مجبرا على الاستقالة من عملي كمدقق لغوي، وأخصص كل وقتي لها، كنت أجلس أزيد من ثماني ساعات كل يوم لأكتب فيها، وما كاد الشهر الثامن ينقضي حتى وجدتني انتهيت من الرواية الموسومة /يوم رائع للموت/ التي صدرت مؤخرا عن منشورات الاختلاف والدار العربية للعلوم ناشرون، والتي رشحت بدورها لجائزة البوكر عن الاختلاف·· كل هذا حدث في سنة واحدة·· سنة جعلتني أومن من جديد أن القلب دوما للحبيب الأول· والآن، هل يمكنني أن أستريح وأعلق لافتة /روائي/ على باب غرفتي مثلما أحلم دوما؟·· لا أظن، فالمسيرة لم تبدأ الا للتو، وما زالت أشعر في قرار نفسي أنني أبعد ما يكون لأستحق /خلعة/ الروائي التي أتمنى أن تخلع علي ذات يوم، ليس اليوم، ربما بعد سنوات، أو على الأقل حين أنتهي من كتابة روايتي الثالثة التي بدأت تتشكل على ورقي وتأخذ من دمي كما يفعل أي حب غارق في الصدق·