شعر قاصدي مرباح بالراحة عندما أزاح من على طريقه منافسين عنيدين وخطيرين مثل عبد العزيز بوتفليقة الذي كان يعتقد أن بومدين قد ترك رسالة لدى الدكتور أمير المقرب من بومدين عشية أحد أسفاره إلى الإتحاد السوفياتي، أنه إذا ما تعرض لحادث ما، فوصيته أن يكون بوتفليقة خليفته، لكن حدث ذلك قبل أن يوضع الدستور.. ومحمد الصالح يحياوي الذي كان يعتقد أنه الوريث الشرعي لبومدين باعتباره الرجل القوي في الحزب وصاحب النظرة حول خصوصية الإشتراكية الجزائرية.. لكن قاصدي مرباح الذي كان يظن أن المهمة الصعبة هي طريق الإنجاز سرعان ما اكتشف أنه كان على خطأ في التقدير، فالعقيد الشاذلي بن جديد الذي لم يكن مسيسا بما فيه الكفاية، وصاحب المستوى الثقافي المتواضع، والمتهم من قبل خصومه بالعربدة سرعان ما كشف عن موهبة سريعة في التعلم في مدرسة الحكم... فلقد سارع الشاذلي إلى لعب دور الرئيس، الطيب، المحب للحياة والخير والدين والساذج إلى حد ما المحاصر بالأشرار والمتشددين الذين لا يريدون للجزائر الخروج من قوقعتها، وبالرغم أن مثل هذا التوجه نحو الانفتاح سرعان ما لاقى في البداية اعتراضا ورفضا شديدين من داخل أجهزة الحكم، إلا أن الشاذلي بن جديد أدرك كيف يعمل تفكيك الآلة البومدينية بصبر وتؤدة شديدين.. لقد رفع الشاذلي بن جديد شعارات كبرى مضللة وتمكن من خلالها التغلب على خصومه عن طريق المكر والخديعة والحيلة.. وكان أول هذه الشعارات محاربة الفساد والرشوة، وتحولت هيئتها فعلا إلى أداة ناجعة في شن حملة أو معركة حقيقية ضد إرث البومدينية التي كان البعض يريدون تحويلها إلى عقيدة جديدة مثل الكاستروية في كوبا وكان إلى جانب محمد الصالح يحياوي، السيد صناعة ثقيلة بلعيد عبد السلام وهو من رجال بومدين الأقوياء يطمح لأن يكون وريثه الشرعي.. ويذكر بلعيد عبد السلام في مذكراته أن بومدين في العام 1978 كان يدرك بأنه مستهدف، لذا قال له، “أنه لن يترك من بعده، سادات آخر.." وكان يقصد أنه يحدث له ما حدث لجمال عبد الناصر الذي خلفه محمد أنور السادات وقام هذا الأخير بتصفية إرثه السياسي وقام بتحويل اتجاه السفينة إلى وجهة معاكسة... طالت حملة تصفية البومدينية الرجال المقربين من بومدين، لكن أيضا من كانوا قاب قوسين من خلافته، مثل عبد العزيز بوتفليقة الذي وجد نفسه أمام مجلس المحاسبة بتهمة الفساد، ووجد نفسه إلى جانب محمد الصالح يحياوي وعبد السلام بلعيد يغادرون الحكم من الباب الضيق.. ولقد تعرضوا إلى حملة تشويه كبيرة مما جعل رجلا مثل بوتفليقة يختار المنفى لائذا بصمت لسنوات مثل صمت القبور.. وبالرغم أن قاصدي مرباح تقلد حقائب وزارية في حقبة الشاذلي بن جديد إلا أنه وجد نفسه يفقد كل تلك السطوة والقوة اللتين كان يحتفظ بهما ليكتشف أنه أصبح خارج لعبة الكبار.. لقد عمل الشاذلي بن جديد على التخلص من العسكريين الذين كان نفوذهم في بداية تعاظمه وراح يدفع بوجوه جديدة لتتصدر الواجهة مثل رشيد بن يلس، وليامين زروال، وخالد نزار والعربي بلخير الذي سيصبح لوقت طويل ذراعه الأيمن وأمين أسراره وخلال هذه الفترة بدأت تتشكل تحت حكم الشاذلي بن جديد أوليغارشية عسكرية جديدة على الطريقة الجزائرية، لتصبح في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات النواة الصلبة للنظام أسماها البعض “بأصحاب القرار الفعلي" لم يكن حزب جبهة التحرير الوطني في ظل حكم هواري بومدين إلا جهازا يوظف لإضفاء الشرعية أو منح التبرير، وكان بومدين يشعر تجاه قيادته بنوع من الاستخفاف، ربما يعود ذلك إلى خلافاته فيما بعد مع رفيقه قايد أحمد وشريف بلقاسم اللذين كانا على رأس جهاز حزب جبهة التحرير، وربما كان هواري بومدين يفكر في حزب جبهة التحرير كحزب طلائعي لكن بعد أن دعم أركان قوته وسلطته وذلك لما يتخلص من كل من كان يرى فيهم معرقلين لمسيرة “الثورة" وبمعنى آخر ممن هم قادرون على مواجهته ومعارضته.. ولقد كان بومدين يفكر جديا في العام 1978 في القيام بعملية تطهير في صفوف كوادر الحزب والدولة، وهذا ما يكون قد قذف ببعض الرعب في قلوب المتعاونين معه وجعل موته المفاجئ لازال يكتسي غموضا ولغزا شديدين... لكن هذا الجهاز الذي كان ينوي هواري بومدين إعادة تشكيله من جديد سرعان ما أصبح بين يدي الشاذلي بن جديد وسيلة من وسائل التخلص من التركة البومدينية.. فلقد أصبح الأفلان كحزب وجهاز يحظى بعناية الشاذلي بن جديد وسعى إلى تثبيت أقدامه على الصعيد الإيديولوجي والسياسي، وتحول محمد الشريف مساعدية الذي لم يكن يرتح إليه هواري بومدين منذ فترة حرب التحرير إلى رجل الشاذلي بن جديد القوي داخل قيادة حزب جبهة التحرير، وقد اهتدى محمد الشريف مساعدية إلى الحد من التركة البومدينية عندما اختلق المادة 120 التي كانت تحرم على كل من ليس داخل جبهة التحرير اعتلاء أي منصب داخل مؤسسات الدولة، وكانت الضربة الموجهة في هذا المجال إلى الشيوعيين من حزب الطليعة الإشتراكية الذين دخلوا في حلف مع هواري بومدين وفتح لهم بالتالي الأبواب إلى تبوأ عدة أماكن حساسة في الإعلام والإدارة والمنظمات الجماهيرية، مثل الإتحاد العام للعمال الجزائريين والإتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية، لكن لم يتوقف دور الحزب على هذا المستوى بل تعاظم نفوذه وتأثيره بحيث تغلغل إلى المؤسسات الأخرى ذات الحساسية مثل مؤسسة الجيش التي كان الشاذلي يسعى إلى وضعها تحت لواء إيديولوجية وطنية يشرف عليها الحزب الحاكم، وبالمقابل إلى إعادة إحياء حزب جبهة التحرير الوطني فلقد اعتمد الشاذلي حكومة تقنوقراطية ذات توجهات ليبرالية اشتغلت في عهدي رئيسيها وهما أحمد عبد الغني، ثم عبد الحميد الإبراهيمي على التفكيك البنيوي للبومدينية، وحدث ذلك تحت شعار إعادة الهيكلة، فتم التخلي عن المرحلة الثالثة من الثورة الزراعية لتعلن كمشروع وصل إلى حدوده القصوى، وكذلك التخلي عن سياسة التصنيع والإستثمار في مجال الصناعة وتشجيع السير باتجاه استقلالية المؤسسات ووضع ما سمي بسياسة الإصلاحات على الطريق وذلك بخلق خلايا تشتغل في الظل والسر داخل الوزارات لكن أيضا داخل مؤسسة الرئاسة، وامتدت هذه الرغبة في إعادة النظر الهيكلي إلى غاية المؤسسة العسكرية من خلال طرح مسألة إعادة تحديثه... لكن ما الذي حدث حتى يكون هذا الرجل المحسوب على هواري بومدين هو من ينقلب على بومدين ويقوم بالتخلص من تركته؟! اكتشف الشاذلي بعد وقت قصير على وجوده على رأس الدولة، أنه لو لن يسعى إلى ابتكار أسلوب جديد يتميز به عن هواري بومدين، ستكون نهايته قريبة، وذلك ما كان مخطط له من طرف قاصدي مرباح الذي كان يفكر في أن يجعل من الشاذلي مجرد لحظة عابرة في زمن محدد ليعتلي هو عرش الرئاسة، وكان الشاذلي بن جديد يدرك أنه لا يستطيع مضاهاة أو محاكاة هواري بومدين على المستوى الكارزماتي.. لذا اختار الشاذلي طريقا آخر مختلفا كل الإختلاف عن سابقه، وهو الطريق الواقعي البعيد عن الأحلام الكبرى وعن المشاريع الكبرى التي كلفت الخزينة الجزائرية أموالا باهظة.. فبدل الإستثمار اختار الإستهلاك، وكان سعيدا وهو يرى الجزائريين الذين كانوا يقفون الساعات الطوال أمام أسواق الفلاح لاقتناء الزيت والسميد والسكر وحاجاتهم الأساسية يتهافتون على الموز والتفاح والكيوي والفورماج الأحمر التي لم يكونوا يروها إلا في الأفلام أو الأحلام.. كما فتح الشاذلي الباب أمام الشباب الذين يريدون السفر إلى أوروبا، وفرنسا على الخصوص، وكذلك سمح الشاذلي بن جديد باستيراد سيارات من الخارج وإلى جانب هذا كله فلقد تم تنازل الدولة عن السكنات والفيلات بالدينار الرمزي أو بأسعار مقبولة، وهذا ما جعل الشاذلي بن جديد يشعر فعلا أنه فتح الأبواب التي كانت موصدة أمام الجزائريين في عهد هواري بومدين ليستمتعوا بالحياة والعصر... وبدا في نظر الصحافة الأجنبية رجل الإصلاحات الحقيقي الذي طالما انتظرته الجزائر، والعالم الغربي أيضا.. وما أن اقتربت عهدته الأولى من نهايتها حتى كشف الشاذلي بن جديد عن نيته في التخلص من ميثاق بومدين وذلك تحت ذريعة الإثراء.. وعرف الحكم حينها نزاعا مريرا بين جناحين، جناح المحافظين الممثل في حزب جبهة التحرير بقيادة محمد الشريف مساعدية، وجناح كان يطلق على أصحابه صفة الليبراليين والإصلاحيين وكان يمثلهم عبد الحميد الإبراهيمي الوزير الأول في حكومة الشاذلي بن جديد.. ولم يكن الشاذلي وهو يمضي قدما نحو التخلص من شبح البومدينية بأي عقدة ذنب أو حقد تجاه بومدين، فهو كان يعتقد أنه لو كان هواري بومدين على قيد الحياة، لكان أجرى تعديلات وتغييرات على النظام الذي أصبح يعرف تحديات جديدة ضمن هذه البيئة الداخلية لكن الدولية الجديدة.. لقد دخلت الحرب الباردة مرحلة جديدة بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والإتحاد السوفياتي آنذاك وذلك بدخول هذا الأخير أفغانستان وتورطه في حرب كانت آثارها وخيمة عليه، وسقط نظام الشاه في إيران على يد أول ثورة إسلامية من نوعها، ودخل العراق في حرب ضد إيران، حرب شرسة ومرعبة أضرت بالمنطقة نفسها وغزو إسرائيل لبنان في صيف 1982، وكانت آثاره مرعبة على القضية الفلسطينية وإنهاء المقاومة بلبنان، بحيث أخرجت القيادات الفلسطينية لتعيش منفى آخر في ظروف عربية خانقة وعصيبة، وإلى جانب كل هذا، بدايات الأزمة الإقتصادية العالمية وانهيار برميل البترول الذي جعل من جزائر الشاذلي تدخل دون مقدمات في منتصف الثمانينيات بداية نفق حالك يصعب الوصول إلى نهايته دون دفع أي ثمن.. بدت أزمة الطبقة الوسطى صارخة من خلال انعدام مناصب العمل والحياة اللائقة، وبدا المجتمع عاريا، محاصرا، دون تلك الأحلام التي أثملته منذ سنوات حتى الأعماق.. تحولت الأحلام إلى كوابيس أو كادت تتحول إلى كوابيس حقيقية، ومن هنا كان نصاح الشاذلي بن جديد لأن يتخلص من البومدينية هو الطريق الأفيد والناجح نحو الرفاهية، وكان الدكتور طالب الإبراهيمي وهو ممن توطدت أرجلهم داخل الحكم بفضل هواري بومدين ممن كان له التأثير على توجهات الشاذلي بن جديد الذي كان يرهف له السمع ويأخذ بنصائحه... ولم يكن الشاذلي بن جديد يشك في أحمد طالب الإبراهيمي لأن هذا الرجل عرف بومدين عن كثب، لكنه كان مقتنعا وبومدين على سرير المرض، أن الرجل برغم اجتهاداته وشجاعته فلقد أخطأ كثيرا... وإلى جانب الدكتور أحمد الإبراهيمي الذي دفع بالشاذلي بن جديد إلى نفض يديه من التركة البومدينية، بزغ نجم العربي بلخير الذي سبق له أن اشتغل إلى جانب الشاذلي في وقت سابق، ولعب هذا الرجل دور الرجل الوفي عندما مر الشاذلي بلحظات عصيبة يوم كان على رأس الناحية العسكرية الثانية ليتطور هذا الوفاء عندما تم اتخاذ القرار لحسم الصراع على خلافة هواري بومدين داخل معقل العربي بلخير أي المدرسة العسكرية التي كان يشرف عليها، وعندما أصبح الشاذلي بن جديد على رأس الدولة الجزائرية انتقل معه العربي بلخير إلى الرئاسة بحيث أصبح الرجل القوي صاحب النفوذ والتأثير المتعاظمين على مجرى أهم القرارات التي كان يتخذها الشاذلي بن جديد خاصة وأن الشاذلي بن جديد كان معروفا عليه أنه لا يريد أن ينكب كل الوقت على الملفات الحساسة، لذا وضع كل ثقته في رجل مثل العربي بلخير الذي كان يوصف بالكاردينال، وذلك بسبب الموقع المتنامي والمتعاظم الذي أخذه في وقت الشاذلي بن جديد ليس فقط داخل الرئاسة لكن أيضا داخل الدوائر المتنامية الجديدة للضباط الذين رعاهم بعنايته وأصبحوا من خلال وفائهم له محل عناية من الشاذلي بن جديد، وقد استفادوا من ترقيات لم يكونوا يحلمون بها، مثل الجنرال خالد نزار، ومحمد العماري، واسماعيل العماري، أي هذا الجيل الذي تحول فيما بعد إلى دائرة ضيقة ونواة صلبة تحكمت في مقاليد السلطة الفعلية، ولم يتم التخلص من إرث البومدينية فقط على المستوى الداخلي بل امتد ذلك على صعيد صناعة جزء من السياسة الخارجية التي كانت واضحة المعالم والتوجهات في حقبة هواري بومدين.. ففي حقبة الشاذلي حدث تقارب بيّن بين جزائر الشاذلي بن جديد وفرنسا فرانسوا ميتران، حيث أصبحت علاقة صداقة تربط بين الرجلين وهذا بالرغم ما أثير حول مدرسة ديكارت الفرنسية وملف مزدوجي الجنسية واغتيال علي مسيلي على الأراضي الفرنسية والذي وجهت فيه أصابع الإتهام إلى الإستخبارات الجزائرية من سجال، لكن أيضا حدث تقارب بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوالجزائر وهذا لم يكن خلال فترة هواري بومدين إضافة إلى الإنفتاح الكبير الذي قام به الشاذلي بن جديد على دول الخليج مثل العربية السعودية والكويت التي توسطت لدى الشاذلي بن جديد لإطلاق سراح زعيم الإخوان المسلمين الجزائريين محفوظ نحناح الذي حكم عليه ب 15 سنة سجنا في فترة هواري بومدين.. إن تفكيك البومدينية الذي بدأ بخطوات حذرة وخجولة سرعان ما تحول إلى محاكمة لكل فترة هواري بومدين، بحيث حمّلها الشاذلي بن جديد مسؤولية المديونية التي أصبحت تعاني منها الجزائر، لكن ذلك لم يكن دقيقا حسب أكثر المحللين والمراقبين فهواري بومدين لما رحل، كانت مديونية الجزائر لا تتجاوز 16 مليار دولار، لتصل في فترة الشاذلي بن جديد وفي ظرف وجيز إلى أكثر من 25 مليار دولار، ثم أن المديونية التي كانت في فترة هواري بومدين كانت متوجهة نحو الإستثمارات، وليس نحو الاستهلاك مثلما حدث في عهد الشاذلي بن جديد.. ورافق تفكيك البومدينية خلال عشرية الثمانينيات عملية تدمير الطبقة الوسطى وفتح الباب أمام التصاعد المتسارع للفئات الطفيلية المستفيدة من السوق الموازية والبيروقراطية سواء كانت تلك البيروقراطية مدنية أو عسكرية.. ومن هنا تمكنت هذه الفئات الطفيلية أن تشكل بورجوازية هجينة دون قيم حقيقية أو خلاقة، هي أميل إلى النهب ومن الإستفادة غير الشرعية من خلال ممارسة السلطة بشكل تعسفي والإستفادة من الريع، أي شكل كان، لهذا الريع، ولذا لاحظنا كيف تحول الفساد إلى ثقافة والرشوة إلى سلوك ليس فقط لدى هذه الفئات الطفيلية المحظوة بل امتد إلى أعماق المجتمع.. ومن هنا ترتب عن التفكيك السريع للبومدينية انهيار سلم القيم، وانحطاط معنويات الجزائريين الذين أصبحوا مرتابين ومتشكيكن في ماضيهم وماضي ثورتهم وماضي نظامهم الذي كان يعدهم بمستقبل أفضل، وبحياة أفضل وبغد أكثر إشراقا.. لقد تحول المجاهدون في نظر الشبان شبه البائسين والمعدمين إلى رمز للفساد والشر، وأصحبوا ينظرون إلى الثورة على أساس أنها أكذوبة كبرى وإلا ما كانت أنتجت مثل هؤلاء المسؤولين الذين لا يفكرون إلا في جيوبهم ومصالحهم ومصالح أبنائهم.. ولقد خرج تلامذة الثانويات في 1983 ينادون برمي التاريخ في المزبلة، رافضين دراسته وجدولته في امتحانات البكالوريا.. إن الأمل، أو مشروع الأمل في أن تكون الجزائر خلال سنوات أكبر البلدان رقيا وتقدما على مستوى العالم الثالث سرعان ما انهار وتهافت مع التفكيك العنيف الذي باشره الشاذلي لإرث البومدينية ومحاولة الانتقال دون مقدمات إلى مرحلة أخرى، مرحلة ليبرالية لكن بدون ليبراليين، وإلى الديمقراطية بدون ديمقراطيين... هل يعني هذا أن ما قام به هواري بومدين كان الأفضل؟! بالطبع ليس ذلك مؤكدا، فحقبة الشاذلي بن جديد، كانت الثمرة المنتظرة لما سار عليه بومدين من قبل، وبالرغم أن هواري بومدين تفطن عندما فات الآوان أن الفساد بدأ يعشش في أحضان النظام الذي خلقه، وكان يفكر في إحداث نقلة من خلال عملية تطهير سلسة وجذرية، لكن مع من ولمن؟! لقد وقف هواري بومدين في آخر خطاباته أمام كوادر الدولة والحزب ليدين هذا الانحراف في الأخلاق وانتشار رقعة الفساد، ولقد بكى يومها بعد خطابه الأخير، إلا أن ذلك كان يعبر عن حالة عجز أكثر منها من حالة أخرى... وما ظهور وتطور الشاذلية كما نرى في السطور الآتية إلا نتيجة منطقية لنظام اختار منذ البداية التركيز على القوة والإحتكار، وعدم تشريك قوى المجتمع الحية والخلاقة في بناء النظام والعملية السياسية. تطالعون غدا في الحلقة الثالثة في مواجهة ربيع الأمازيغ..