رغم أن لعيد الأضحى المبارك أحكامه وسلطته الدينية على المجتمع، إلا أن الطريقة التي اتخذها بيع الأضاحي في المدن والأحياء السكنية بالعاصمة توحي بكثير من الفوضى ومظاهر ترييف مدينة في أهمية العاصمة، والجولة التي قامت بها “الجزائر نيوز" في بعض مناطق المدينة قبل أيام من حلول العيد، أظهرت أن بعض بائعي الخرفان والكباش لا يتورعون عن عرض مواشيهم في أماكن مثل محطات غسل السيارات وأماكن هي قريبة من مؤسسات خدمات عمومية وأحياء سكنية مكتظة. وهذا الديكور بالضبط هو الذي يمكن ملاحظته في حي كريم بلقاسم بالدارالبيضاء، هذا الحي يسمى مجازا أيضا باسم لاباز نسبة إلى قاعدة العمل التي ينطلق منها عمال مطار هواري بومدين نحو أماكن عملهم.. غير أن صورة الكباش والخرفان التي غزت بعض جوانب الحي أعطت للمكان مظهرا هو بالتأكيد بعيد عن ترف الطيران المدني وجمال مضيفاته. وعلى مستوى الحي دائما وجدنا موالا من الجلفة بصدد بيع مجموعة من الأضاحي استقدمها من بوسعادة وتبدو أسعار مختلف الكباش والخرفان الموجودة لدى هذا الموال مرتفعة نوعا ما على اعتبار أنها - كما قال - تصل إلى حدود 48 ألف دينار، غير أن الملفت للإنتباه هو أن هذه الأضاحي يتم وضعها ليلا داخل محطة لغسل السيارات جرى تغيير نشاطها بين ليلة وضحاها، أما خلال ساعات النهار فيتم وضعها بالقرب من هذه المحطة وعرضها على الزبائن المشترين. وجرى كراء هذا المرفق بمبلغ 50 ألف دينار لمدة أسبوع واحد وفق هذا الموال الذي جاء بأضاحيه للعاصمة منذ أيام قليلة فقط، ويقول أيضا أنه لا يستطيع وضع هذه الكباش بالعراء ليلا لعدة أسباب، أهمها تعرضها المحتمل للرطوبة وكذا بسبب احتمال سقوط الأمطار لا سيما خلال هذه الأيام التي تعرف فيها العاصمة بعض التقلبات الجوية. وعلى مقربة من هذه المحطة لغسل السيارات عرض بائع أضاحي آخر مجموعة من الخرفان في محل آخر كان إلى وقت قريب محلا لتصليح السيارات، وقال هذا البائع وهو من تيارت إن المحل توقف فيه النشاط منذ فترة قبل أن يقوم بكرائه لمدة 15 يوما على أن يتم تسديد الكراء بمنح أضحية متوسطة الحجم لصاحب المحل يساوي سعرها حوالي 40 ألف دينار علما أن أسعار الأضاحي التي يملكها يتراوح سعرها بين 31 ألف و50 ألف دينار. ويقول هذا البائع إنه ملزم تقريبا بكراء هذا المحل لحماية الأضاحي التي استقدمها من تغيرات الجو التي تحدث بين مكان استقدامها من تيارت وبين مكانها الجديد في العاصمة، وبلغة الخبير في مجال رعاية المواشي يقول ذات المتحدث إنه من الضروري أيضا حماية الماشية من عامل الرطوبة ليلا حتى يتم تفادي مرض الأضاحي أو هزالها. وفي نفس المكان تقريبا وعلى بعد بضعة مئات من الأمتار وضع موال آخر من تيارت أيضا مجموعة أخرى من الأضاحي في مكان يفترض فيه أن يكون محطة أخرى لغسل السيارات، وهذا على الأقل وفق ما هو مكتوب في مدخلها، لكن المكان تحول بقدرة قادر إلى ما يشبه الإسطبل حيث لاحت في الأفق مناظر الكلأ وفضول الزبائن في الإستفسار عن الأسعار. وبغض النظر عن أسعار هذه الأضاحي التي تتراوح ما بين 26 ألف و55 ألف دينار، فإن هذا الموال متعود - كما يقول - على كراء هذا المحل تحسبا للعيد، حيث وصل مبلغ الكراء العام الماضي إلى 20 ألف دينار، أما هذا العام فإن مبلغ الكراء وصل إلى 40 ألف دينار ولمدة 15 يوما وفق ذات المتحدث الذي قال أيضا إنه استقدم أضاحيه من الجلفة وأنه سيشد الرحال من هذا المكان بعد أيام معدودة. ولكون بيع الخرفان في هذا المكان - المزروعة جوانبه بالفيلات الفخمة - هو عملية مؤقتة فإن ذلك لا يبدو وكأنه يزعج كثيرا عاملا بمدرسة لتعليم السياقة على مستوى الحي المذكور وفق ما يؤكده هذا العامل الذي قال أيضا إن ما يحدث من هذه الناحية هو لا شيء أمام الفوضى السائدة في أماكن أخرى. وأضاف ذات المتحدث يقول أن المكان يقع على مقربة من مخرج قاعدة العمل التابعة للخطوط الجوية الجزائرية وإذا كان الوضع يعتبر مقبولا نوعا ما وفقه دائما - خلال ساعات النهار، فإن الوضع يصبح أكثر صعوبة عندما يتعلق الأمر بساعة خروج الموظفين من العمل، حيث تصطف هناك مجموعة كبيرة من حافلات النقل المخصصة للعمال وعلى نحو يجعل الأمور تعرف اكتظاظا كبيرا في وقت الذروة هذا. وما يحدث على مقربة من مخرج نفق وادي أوشايح لا يختلف كثيرا عما يحدث في الدارالبيضاء من مظاهر ترييف المدينة وهناك اصطفت عشرات من الأضاحي على طول طريق تؤدي إلى وسط مدينة وادي أوشايح يسهر على رعايتها موالون وبائعو أغنام يهدفون فقط إلى الربح السريع خلال هذه الأيام التي تفصلنا عن حلول عيد الأضحى المبارك. ويقع المكان على مقربة من نسيج عمراني مترامي الأطراف وبالقرب أيضا من مؤسسة تربوية صادف وجودنا أمامها خروج العشرات من التلاميذ الصغار منها، كما أن هذا المكان يعرف اكتظاظا محسوسا، حيث وبينما كنا بصدد إنجاز هذا الروبورتاج، كنا نرى بعض سائقي السيارات المارة يطلبون من موالين وبائعين وزبائن أن يقوموا بتحريك سياراتهم من أجل السماح لهم بالتوقف. ويقول بائع أغنام شاب وجدناه بعين المكان إن السلطات المحلية لا تزعجهم خلال الأسبوع الأخير قبل حلول عيد الأضحى المبارك لكون هذه المناسبة لها متطلباتها من حيث تمكين المواطنين من شراء الأضاحي غير أن الوضع كان يختلف قبل ذلك وفقه دائما، حيث يشير إلى أن ممثلي القوة العمومية كانوا يطلبون مرارا عدم مزاولة نشاط بيع الأضاحي في هذا المكان الذي بدا لنا مزدحما فعلا خلال ساعات النهار، حتى وإن كان البعض قد أكد لنا أن الإزدحام يصبح أكثر قوة في نهاية الزوال عندما يشتد قدوم الزبائن الباحثين عن الأضاحي بسياراتهم وخصوصا عن طريق نفق وادي أوشايح. ويقول هذا الشاب البائع أنه لا توجد أماكن كافية مخصصة لبيع الأضاحي بالعاصمة ولو أنها وجدت لما احتاج لأن يبيع خرفانه وكباشه في هذا المكان، وقد جاءت عبارات هذا الشاب بالرغم من أن غالبية تجارة المواشي بالعاصمة تتم في المكان المسمى سانكوري بالحراش ومنذ سنوات كاملة. كما أن هذا الشاب البائع أكد لنا أن وضع الأضاحي في هذا المكان يكون خلال ساعات النهار فقط، أما عندما يتعلق الأمر بإيجاد مكان لها ليلا، فإن الأمر يتم في أحد المستودعات التي قام بكرائها داخل النسيج العمراني في باش جراح، أما بائع أضاحي آخر وجدناه أيضا بعين المكان، فقد اهتدى إلى فكرة وضع أغنامه في إحدى زوايا مقر إقامته بالمقرية على اعتبار أنه - كما قال - يملك متسعا من المكان أمام بيته المشيد على الأرض. واستغرب شاب جزائري مقيم في العاصمة الإسبانية مدريد التقيناه صدفة هناك من وجود هكذا أماكن لبيع الأضاحي أو الإحتفاظ بها في مدينة حديثة مثل الجزائر العاصمة، حيث أكد لنا أن الأمر مختلف تماما بالعاصمة الإسبانية مدريد، ويمنع منعا باتا استقدام أية أغنام داخل الأحياء السكنية، فضلا عن كون شراء وذبح الأضاحي من طرف المسلمين المقيمين في إسبانيا يتم خارج المدن وفي أماكن ريفية توجد فيها اسطبلات وغابات يتم فيها ذبح الأضاحي عند حلول العيد. عندما كنا بصدد إنجاز هذا الروبورناج بالضاحية الشرقية من العاصمة صادفنا أكثر من مرة وجود أغنام على الأرصفة وأمام مداخل الأحياء البعض منها كان معدا للبيع وأخرى تم ربطها في انتظار ذبحها مع حلول عيد الأضحى المبارك، كما أن إنجازنا لهذا الروبورتاج صادف أيضا عثورنا على مستودع خصص لبيع الأضاحي في قلب مدينة المقرية، حيث أكد لنا صاحبه أنه يملك مجموعة أخرى من الأغنام في بستان بيته أيضا. وتكشف هذه المظاهر مدى الطابع الريفي الذي تتخذه العاصمة قبيل حلول عيد الأضحى المبارك من خلال طرق وأماكن بيع الأضاحي وكذا أماكن الاحتفاظ بها قبل الذبح أيضا من جانب مختلف العائلات، وهو كلام يمكن قوله بتحفظ شديد أيضا على اعتبار أن السلطات المحلية مطالبة أيضا بوضع أماكن كافية ومناسبة لبيع الأضاحي والإحتفاظ بها تحسبا لذبحها عند حلول عيد الأضحى المبارك.