سافر جمهور الفن الرابع ببجاية في اليوم السادس من المهرجان الدولي للمسرح عبر الزمن وعاد إلى القرون الوسطى، وذلك من خلال مسرحية فرنسية بعنوان “مهزلة المحامي باثلان" التي صنعت أجواء من التهريج و«الفانتازيا" ميزها الضحك والمتعة. حققت مسرحية “مهزلة محامي باثلان" لفرقة “المسرح الساذج" من فرنسا الاستثناء من كل المسرحيات التي قدمت في الطبعة الرابعة للمهرجان الدولي للمسرح التي تجري فعالياته ببجاية، وخطفت الأضواء من حيث الموضوع الذي عالجته وطريقة العرض والسينوغرافية، حيث رحلت بالجمهور إلى زمن القرون الوسطى في اللباس متعدد الألوان والأشكال والقبعات والأقنعة التي تشكل هيئة المهرجين، فضلا عن اعتماد موسيقى لأكبر الموسيقيين أمثال “نينو روتا" و«موريكون" و«موزارت" التي جسدتها الآلات الموسيقية الأوروبية والإفريقية على غرار الأكورديون، الموندولين، الكورا، الدربوكة، الكازو، الأرمونيكا، الجامبي... وغيرها، وهو الزمن الذي أظهرته المسرحية أنه مملوء بالتناقضات والحيل خصوصا منها الاجتماعية لكنه مليء بالسعادة والحب. وتنقل هذه المسرحية التي كتبها وأخرجها الفنان الفرنسي ريشار دو مارسي قوة الفقراء والرعاة والطبقة المتوسطة وتفوقهم في الحياة من حيث فهم الطبيعة والأوضاع، وتروي قصة المحامي “باثلان" الذي يشتهر بالحيلة، حيث أراد أن يسعد ويفرح زوجته الزنجية بشراء لها هدية مميزة لكن عائق المال وقف عقبة أمام ذلك، وفكر في حيلة لإسعاد حبيبته دون دفع المال معتمدا على طريقة التهريج و«الكوميديا"، إذ لجأ إلى تاجر القماش الرقي ودخل معه في حديث مطول يتلاعب بمشاعره وأحاسيسه، يصور له الحياة وكأنها “علبة من الهواء"، يتنقل من زاوية إلى أخرى داخل المحل، يتقلب أنواع الأقمشة ويعلي من شأن التاجر، وسقط اختياره على قماش ذي ألوان مختلفة، وقرر أن يهدي قطعة منه لزوجته كونها تعشق الألوان، تحايل على التاجر واشترى القماش باقتراض وأخبره أنه سيدفع ثمنه في اليوم الموالي، في البداية حاول التاجر منعه لكن “باثلان" استطاع أن يسيل لعاب التاجر بدعوته إلى عشاء بمنزله وهي فرصة للتاجر لتذوق أكل زوجته ولجلب مال القماش. في البداية فرحت الزوجة وعبرت عنها حبها الكبير لزوجها الذي يفعل كل شيء من أجل إسعادها وبعدها سألته عن مصدر المال، “باثلان" رد أنه دفع ثمنه بالحيلة، وأخبرها بالقصة، وفكرا أن يجدا حيلة أخرى للخروج من المشكلة بعد مجيء التاجرة إلى البيت، ولم يتأخر المحامي “باثلان" في إيجاد طريقة وهي أن يتلاعب أنه مريض وعلى فراش الموت لتجنب دفع ثمن القماش. وسرعان ما دق التاجر الباب بدأت زوجة “باثلان" في البكاء على زوجها وظهرت بملامح حزينة، التاجر لم يصدق ذلك وطالب بماله أو إرجاع القماش، لكن باثلان قام ببعض السلوكيات الجسدية التي يقوم بها الميت وقت خروج روحه، ودفع الخوف الشديد بالتاجر إلى الهروب. وتتعاقب أحداث المسرحية حتى يظهر راعي الغنم المدعو “بيير"، حيث كان يشتغل لدى تاجر القماش ويتكفل برعي الأغنام يتميز بالذكاء الخارق ومعرفته الكبيرة لأسرار الطبيعة والحيوانات، كان يمارسه نشاطه بطريقة عادية قبل أن يرفع التاجر دعوى قضائية ضده بتهمة ذبح الخرفان وأكلهم، الراعي المسكين انتابه الحزن والتعاسة من جشع التاجر وفكر بالاستنجاد بالمحامي “باثلان" للدفاع عن قضيته، اتفق الطرفان عن الحيلة التي سيتم اعتمادها في المحكمة حيث أمر “باثلان" من الراعي “بيير" أن يمتنع عن الكلام في جلسة المحاكمة وأن يردد فقط صوت الخروف، وخرج الراعي من القضية بريء وعندما طالب منه “باثلان" دفع المال على القضية واصل الراعي النهج نفسه، حيث امتنع عن الحديث ويردد فقط صوت الخروف، مظهرا أنه يتفوق بحيلته على المحامي والآخرين، وانتهى العرض يقوله “نحن الذين ترونهم ضعفاء وصغار في المجتمع لكننا الأقوياء في الحقيقة ونتفوق في الأخير". وما ميز العرض أكثر هو نجاح الكوميديين في تغيير فضاءات المسرحية دون إطفاء الضوء ودون أن يدرك الجمهور، فمن المنزل يتنقلون إلى المحل، ومن المحل التجاري يتنقلون إلى المحكمة، والعودة إلى كل فضاء عدة مرات، مجسدا مسرح الحركة والصورة، فضلا عن تعدد جنسيات الكوميديين من فرنسا والسينغال والكاميرون والبرتغال وكندا، الأمر الذي أضاف نكهة خاصة للعرض.