بالرغم ما أثارته معركة استعراض القوة بين المعارضة والرئيس المصري محمد مرسي ومؤيديه من الإخوان والسلفيين من قلق على مستقبل مصر، إلا أن ما يحدث هو إيجابي بكل المقاييس من حيث التطور التاريخي والإيجابي للقوة المدنية والعملية الديمقراطية ليس في مصر وحسب، بل في المنطقة العربية على المدى القريب والمتوسط، ويمكننا وصف ما يحدث اليوم في مصر، بالموجة الثانية لثورة مصر التي انطلقت ضمن سياق عربي جديد فاجأ المراقبين والفاعلين السياسيين أيضا.. وبالرغم أن الثمار الأولى للثورة المصرية قد استفاد منها التيار الإسلامي بشكل مباشر إلا أن ذلك لم يكن بالسلبي مثلما أراد أن يذهب إلى ذلك الذين حاولوا حصر الثورات العربية أو الربيع العربي على أساس أنه يندرج ضمن عملية المؤامرة على العرب، وأن هؤلاء الثوار الجدد ما هم إلا أدوات تنفيذية لإستراتيجية أمريكو غربية، فأصحاب مثل هذه الأطروحة استبشروا خيرا عندما دخلت سوريا في طريق مسدود، وتحولت ثورتها أو مشروع ثورتها إلى حرب أهلية بدون أفق، واستبشروا خيرا عندما برز الإسلاميون كقوة تكاد تكون وحيدة على الساحة.. وتركوا الإنطباع، أن الديكتاتوريات التي أفلت كانت تمثل ضمان الوحدة الوطنية والسلم الإجتماعي والأمن العام وإن كانت ذات طابع تسلطي وقمعي.. وكاد هذا الإنطباع أن ينتصر ويسود أمام المشاكل الجديدة التي ترتبت عن الثورات في ظل اللحظة الإنتقالية لهذه المجتمعات العربية.. لكن ما يحدث اليوم، يعتبر تفنيدا لأطروحة عدم جدوى الثورات أو الحراك العربي الجديد وفي الوقت ذاته يشكل لحظة تاريخية نوعية باعتبار هذه اللحظة جاءت لتكشف عن ميلاد متجدد ومن طراز جديد للقوى الوطنية التي تجمع من خلال هذا الوعي التاريخي الذي يشكل مظهرا من مظاهر القطيعة مع الإرث التقليدي لخطاب المعارضات العربية السابقة المتشبعة حد الفيضان بالإيديولوجيا ذات الطابع الأحادي والشمولي وفي نفس الوقت يشكل أشكالا جديدة من الشجاعة والنضالية الفعالة والخلاقة للأمل الحقيقي اللاميتافيزيقي لحقبة قد نسميها لحظة العيش معا يسمها اللاخوف، والتطلع المشترك للتأسيس الجذري لأرضية الحريات المقدسة المبنية على الإحترام المتبادل والكرامة.. ولوحظ خلال هذه المعركة المصرية انحياز الإسلاميين من غير المصريين في عمومهم للرئيس المصري وأنصاره، وهذا في حد ذاته يكشف عن حدود الخطاب الإسلامي الذي لازال أصحابه يعتمدون وجدانيا وإيديولوجيا على مقولة “النصرة" أو “انصر أخاك ظالما أو مظلوما" ولوحظ كذلك أن الإدارة الأمريكية التي كانت تفضل انتصار الإسلاميين من البداية لم تلمع بدفاعها عن الحرية والديمقراطية التي طالما ادعت وقوفها إلى جانبها وذلك منذ أن غزت العراق. الموجة الثانية التي هي اليوم مصرية، قد تتوسع عبر ديناميتها الجديدة، لأن تتحول إلى موجة عربية، بدءا من بلدان الربيع العربي، ومرورا بالبلدان التي لازالت تقاوم هذا المد الجديد للتغيير المعقد والمحاصر والمراد تطويقه من ذات الأنظمة والقوى التي ادعت تأييدها ودعمها له.. فالموجة الثانية من هذه الثورة العربية سوف لن تعلن عن ملامحها الحقيقية إلا عندما تمس بلدانا أخرى، مثل دول الخليج، لكن أيضا دولا من المغرب الكبير مثل المغرب، الجزائر وموريطانيا.. ويعلمنا التاريخ، أن عمر الثورات في أوروبا قد استغرق وقتا طويلا، وعرف موجات متعددة، وحالات من التقدم والتراجع، ومن الإنتصارات والهزائم ومن الآمال والخيبات ومن الثورات والثورات المضادة، وهذا الدرس الثمين قد يمنحه التاريخ مرة أخرى عندما تتوفر الإرادات، وينجز الوعي وتتداعى جدران العطالات والمخاوف أمام نهر التاريخ المتدفق وإرادات الشعوب الماردة من أجل عيش كريم وحياة أفضل..