المسرح والثورة كل في خدمة الأخر مع اختلاف في الزمن والوسيلة قد يتساءل واحد منا، هل يمكن للمسرح أن يحدث ثورة ؟ أم هو مجرد أداة من الأدوات التي تحقق هذه الثورة ؟ هل يعتبر المسرح وسيلة من وسائل النضال ، ومن خلال رسم الصورة الفنية يمكن أن تتضح رسائل التمرد على الأنظمة يقول أخر؟ هل كان المسرح مسيسا منذ القدم واستعمل الغطاء الفني من أجل الإثارة والدعوة إلى الثورة؟ هل حقيقة أن المسرح يحمل قضايا الشعوب ويدعو صراحة الى التحرر والانعتاق ، إن كان هذا المسرح لا يرسم خطوط الثورة ويحركها فلما التأويل والتهريج مادام هذا الفن مجرد فعل ثقافي مواكب لحراك اجتماعي يرد أخر؟ هذه التساؤلات وما أكثرها حملناها إلى أهل الاختصاص من دكاترة ،ومختصين عرب وأفارقة في المجال المسرحي والذين تباينت أرائهم ، في العديد من المواضيع لكن أغلبهم أتفق على أن المسرح هو من بين الأدوات التي لها صلة بالنضال والكفاح ضد مختلف أنواع الاضطهاد ، معتبرين أبو الفنون واحدا من الفنون التي تمتع المتلقي لما فيه من إبداعات بإبعادها الإنسانية ،لأنه يخدم الإنسان بالدرجة الأولى،كما تطرق العديد من المتدخلين الذين ساءلناهم عن التجارب المسرحية في بلدانهم ومدى تأثر الثورة بالمسرح أو تأثر المسرح بالثورة ،وهو ما قد نتطرق له في هذا اللقاء. الدكتور أكرم يوسف من سوريا الربيع العربي جاء من هوامش وأطر لا علاقة لها بالمسرح يرى الدكتور أكرم يوسف من سوريا أن الفضاء المكاني هو شرط أساسي ليكون هناك مسرح ، فهو الركيزة التي تمكن تحقيق المعادلة البديهية نحن_الآن _هنا ، معتبرا أن الفضاء المكاني هو الحد الأكثر تأثرا بحركية التاريخ وانقلاباته الاجتماعية، والسياسية منذ 2500 سنة ، وصولا إلى عصر العولمة بكل مفرداته وتأثيراته عل الثقافات والشعوب ، مرورا بعصور الانحطاط الأوروبية إلى غاية النهضة ، وبعدها كل ما تركته الثورة الصناعية ومختلف الحروب الكبرى والصغرى من أثار على الفرد والمجتمع ،ولا شك أن العرب بعد أن عرفوا المسرح لم يكونوا بعيدا عن كل تلك الأحداث الداخلية أو الخارجية والمتعلقة بدينامكية مجتمعاتنا وثقافتنا ، والمعانات الاجتماعية والسياسية والاديولوجية لهذه الشعوب ،ولذا فان الفضاء في المعادلة المسرحية سيبقى المؤشر الأكثر حساسية عبر التاريخ ،وبإمكاننا قراءة كل تاريخ المسرح من خلال تطوره وتغيره وكذالك من خلال التمرد عليه وتحطيم مفهومه ، سواء كان نصا دراميا أو نصا مسرحيا . واعتبر الدكتور أكرم يوسف أن الربيع العربي جاء من أطر وهوامش أخرى لا علاقة لها بالمسرح أو الثقافة العربية متسائلا : هل كان كل هذا حلما أم خيبة/ وكيف أسس المسرح العربي لخطاب تغير جاء من هوامش جغرافية وسياسية أخرى ، ولم يغترف بأي أثر للمسرحيين العرب ولا لأي خطاب ثقافي آخر . الدكتور محمد سيف من العراق على المسرح العربي أن يتخلى على ارتباطه الوحيد بالجانب الجمالي كما يرى الدكتور محمد سيف من العراق أن المسرح اليوم أصبح مكانا للكلام ، والاستكشاف ، والتفكير في رسائل نابعة من روح التاريخ وحاضره بعد أن تغير كل شيء : المسرح ، الجمهور ، الأمكنة ، الوعي ، الفكر ، الأدب ، التاريخ والحواجز المنيعة التي كانت تمثلها الأنظمة ذات العقيدة المطلقة ، التي منعت وغيبت ، وحرمت ، ورفضت أمكنة المسرح وحجمت من قدرة إمكانياته. واعتبر الدكتور محمد سيف أن الربيع الغربي جاء بفعل انتفاضة الشعوب تحت غطاء ما يسمى بالربيع العربي وهو الوقت الذي يجب أن يحاول فيه المسر ح أن يلامس ويفكر ، وأن يلتقي بالأخر ،وأن يكون هو الأخر ، وباختصار شديد على المسرح العربي أن يتخلى على ارتباطه الوحيد بالجانب الجمالي فقط ، وأن يكون فضاءاته الاجتماعية والسياسية العميقة من خلال الالتزام، وأن يهتم من الآن فصاعدا بالمجال السياسي بقدر اهتمامه بالمجال الجمالي ، وأن يصنع مسرحا يلتحق بما هو سياسي ،على الرغم من اختلاف طبيعة الاثنين ، وأن لا يبتعد كثيرا كما كان في السابق عن المجتمع بمختلف طوائفه ، فمن هؤلاء المندثرين المسحوقين بزغ بريق محمد البوعزيزي ليشعل ويفجر شرارة الثورات العربية ،وألهب قلوب الجماهير أفضل من أي ممثل راح يتغن بما لديه من لغة فنية تحت أضواء ملونة . الدكتور هيثم يحي الخواجة الإمارات العربية المسرح العربي لم يكن بعيدا عن القضايا العادلة عبر التاريخ يرى الدكتور هيثم يحي الخواجة من الإمارات العربية أن المسرح العربي لم يكن المسرح العربي في مناي عن القضايا العادلة ماضيا وحاضرا ومستقبلا حني وان اختلفت الرؤى وتعددت الطروحات . وتعد القضية الفلسطينية من القضايا المهمة والمحورية التي تشكل محورا رئيسيا ومركزيا في الإبداع المسرحي الوطني والقومي، الإنساني. وشك في أن استقلال الدول العربية والدعوة إلى التخلص من الاستعمار يصوغ إطارا لانطلاق الإفصاح عن القضايا العادلة في المسرح . الدكتور مصطفى مشهور من لبنان الإبداع المسرحي لن يكون بالضرورة انعكاسا للأوضاع الاجتماعية يعتقد الدكتور مصطفى مشهور من لبنان انه في كل مرة تتحرك فيها الثورات أو الانتفاضات أو الاضطرابات السياسية والاجتماعية مطاولة علاقة الشعب بالسلطة ، أو علاقة الإنسان بمد حريته الفردية والاجتماعية، يعود السؤال من جديد ليطرح نفسه ، مستفسرا عن دور المسرح في مثل هذه الظروف ، وعن طبيعة علاقة المسرح بالمجتمع ، خاصة وأن العالم العربي يمر حاليا بظروف من هذا القبيل ، كما مر سابقا بظروف مشابهة أيضا إزاء المستعمر . كل ذلك يضيف الدكتور مصطفى مشهور لا يجعلنا نعتقد بأن الإبداع المسرحي هو انعكاس للأوضاع الاجتماعية ، ولذا فان المسرح تاريخيا يعد التعبير الدائم عن حرية الإنسان المخنوقة إزاء التعقيدات والتناقضات التي لم يكن بالإمكان تجاوزها أو التغلب عليها في الحياة الاجتماعية ، بالإضافة إلى أن التمثيل المسرحي يحرك المعتقدات والانفعالات التي تجعل النبض الذي تنتعش به حياة الجماعات والمجتمعات . الدكتور عمر نقرش من الأردن الثورة والمسرح يلتقيان في الهدف هو السعي نحو التغيير بين هذا وذاك يرى الدكتور عمر نقرش أن الفنون على اختلافها ومستوياتها، لها إسهاماتها الفاعلة والمؤثرة المباشرة والغير مباشرة في الثورة و التحريض عليها ونشرها و ترجمة أحداثها وأهدافها ، ويعد المسرح أكثر الفنون القادرة على التحريض لأنه تجمع يقوم عل المواجهة المفتوحة والمباشرة بين العرض والجمهور بين الإنسان والإنسان ، والمسرح في جوهره خطاب وفعل سياسي يوجه البوصلة نحو الهدف المنشود وبالتالي فان الثورة والمسرح يلتقيان في الهدف المنشود وهو السعي نحو التغيير مع مراعاة اختلاف الوسائل ، فالمسرح يصنع الثورة والثورة تصنع المسرح ، ولذا فان الثورة هي طاقة محفزة ومفجرة للفن المسرحي ،مما يجعل الجميع يأمل أن تكون الأعمال الفنية مؤطرة لمرحلة الثورة وما بعدها . الدكتور نادر القنا فلسطيني مقيم بالكويت العمل المسرحي الثوري أقرب إلى الاستعراض السياسي يرى الدكتور نادرالقنا أن تعدد حركات النضال الوطني الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الصهيوني ، تعددت الانتماءات والاديولوجية في مواجهة هذا الاحتلال وآلته القمعية ، كان له انعكاسه عل الوضع الثقافي الوطني في صياغة أدب نضالي ملتزم بالاديولوجية الحزبية التي شكلت فخا في التجربة المسرحية النضالية ، فصار الانتماء للحزب والاديولوجية أعلي من الانتماء للقضية المركزية ذاتها ،فطهرت أعمال مسرحية نضالية فلسطينية أشبه ما تكون بالاستعراض السياسي ، تعكس الأطروحات والاديولوجية للحزب أكثر مما تعكس الوضع النضالي للشعب العربي الفلسطيني لذالك تباينت المعالجات الدراماتيكية الفلسطينية في قالبها الوطني في إطار مساراتها الحزبية والاديولوجية من جيل إلى أخر ومن كتاب إلى كتاب ....وهذا البحث يحاول استقصاء أبعاد هذه التجربة في صياغتها الإبداعية والفكرية تبعا لمعطيات الأدلجة في سياقات النص ، والاتجاه الجمالي في المعالجات الإخراجية. الدكتورة سمية زباش من الجزائر الثورات العربية ألهمت المبدعين على مر العصور ترى الدكتورة و الباحثة الجزائرية سمية زباش أنه لطالما كانت الثورات العربية والأحداث الكبرى على مر العصور ، مصدر الهام المبدعين في مختلف الفنون قولا وتعبيرا ، والثورة الجزائرية واحدة من أعظم الثورات التي عرفتها الشعوب في العصر الحديث ، لما قدمه شعبها من بطولات عظيمة وتضحيات جسام في سبيل الاستقلال ، فمن الطبيعي أن تلقي هذه التضحيات صدي كبيرا في مختلف الفنون، فهل سيشذ المسرح عن هذا التوجه ، وهو أقربها إلى الناس فقد نشأ بين ظهرانيهم وعبر عن أمالهم وآلامهم طوال الوقت ،ولذا فلا عجب إذا احتفي الكتاب المسرحيون بالثورة في مسرحياتهم وعروضهم ، وقد تنوعت موضوعاتهم حول الثورة ، فمنها من اهتم بسرد تاريخ النضال الجزائري ومنها من انصب اهتمامه عل شخصيات ثورية معروفة ، ومنها من ركز عل متشاركة المرأة الجزائرية في النضال . لم تتح لنا الفرصة لمسائلة كل المختصين في المجال المسرحي من عرب وجزائريين الذين شاركوا في المهرجان الدولي للمسرح ببجاية حول موضوع المسرح والثورة ، لكن هذه العينة من المسرحيين الذين أدلوا بدلائهم في الموضوع بقدر ما اختلفوا عن أشياء ونقاط بقدر ما أجمعوا على أن المسرح كان حاضرا منذ أن وجد الإنسان متأثرا ومؤثرا فيما يحيط به من أحداث مهما كانت ثقلها وخفتها ، فالمسرح هو جزأ من حكاية الإنسان أو هو الحكاية ذاتها ، لكن المسرح حتي وان كان ذالك المحرك والمحرض إلا أن ممارسي أبو الفنون كانوا منذ القدم يحاولون تقديم هذا الفن عل أنه موجه ومرشد كيفما اختلفت أنواع تلك التوجيهات والتوجهات بالرغم من اتهامه أنه فن معاد للسلطة بل هو النقيض . الدكتور حسن تليلاني من الجزائر المسرحي يدافع عن القضية لأنه متأثر بمحيطه الدكتور حسن تليلاني اعتبر أن المسرح والأدب كانا واحدة من أدوات النضال التي ميزت العديد من المسرحيين والأدباء على غرار كاتب ياسين الذي اعتبره عينة من بين ممن قدموا ما لديهم خدمة للقضايا العادلة وكان الأسلوب المعتمد في الدفاع عن الهوية ، عبر مجموعة متنوعة من الكتابات الشعرية، الروائية والمسرحية، تحمل العديد من الدلالات ، وأضاف المتحدث أن قضية التصدي لتشويه الاستعمار الفرنسي للهوية الجزائرية، كانت هاجسا مركزيا في أغلب كتاباته على غرار ''نجمة''و''الجثة المطوقة''،. ففي تعابيره يظهر صوت المآسي ، ليصور في جمال إبداعي ساحر للام الجزائر، وهي تعاني من الاستئصال والتشويه والمسخ واعتبر حسن تليلاني أن رواية نجمة دليلا حيا ، حيث التأكيد على ''الرمزية'' التي جسدها الكاتب في حديثه عن ''الجزائر''، التي رسمها في صورة امرأة وقال ''أنه لم يصورها على نحو من المثالية واكتمال في الملامح والأبعاد، بل يلخص من خلالها وبشكل واقعي جارح ما حصل للجزائر''، هذه ''النجمة'' التي أرادوا أن تكون رغم جمالها ''مشوهة وممسوخة'' في أصولها التي تتنازع فيها الفرنسية والجزائرية، من خلال الخطيئة التي ارتكبت بمسرح موطن أجداد الكاتب قبيلة ''بني كبلوت''، وهي تحيل إلى ''الجزائر'' الوطن الضائع، والماثل أبدا في أعالي جبل الأجداد. وخلص تليلاني إلى ان المسرحي يقدم للقضية ما يقدمه غيره في مختلف المجالات لأن المسرح هو البعد الإنساني لهذا الكائن البشري وهو لا يمكنه التخلص من إنسانيته معليه فهو يدور في فلك يتفاعل مع كل الأحداث بتلقائية أحمد دهنيز