اعتبر الدكتور محمود ابا القاسم الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن الأزمة السياسية الحالية التي تشهدها مصر، بين التيارين الديني والمدني، هي انعكاس للصراع القائم في السلطة، والناتج عن تهافت الإخوان، من أجل التمكين والإستفراد بالسلطة بدلاً من التهيئة اللازمة لها مع القوى الوطنية، خاصة تلك التي دعمت الرئيس مرسي في الانتخابات الرئاسية، وتقاسمت مع الإخوان ميدان التحرير أثناء الثورة. تشهد الساحة المصرية اليوم استقطابا واضحا بين تيارين، تيار مدني لا يزال في ميدان التحرير، يرفع ذات شعارات ثورة يناير، وآخر خرج بالأمس أمام جامعة القاهرة يمثل “التيار الإسلامي"، ويهتف بالشريعة، لو بدأنا بعلاقة الإسلاميين الفكرية والتنظيمية بالثورة كفعل كيف تراها؟ في البدء، لا يمكننا الحديث عن التيار الإسلامي كنسيج واحد، فهو متشعب المشارب على كل المستويات الإيديولوجية أو التنظيمية، هناك ما يمكن تسميته التيار السلفي وهو الآخر يحتفظ بمسافات واضحة بين مكوناته، وهناك الإخوان المسلمون، وهو التيار الوحيد الذي يحافظ على كينونته ومرجعيته الفكرية والفقهية والتنظيمية الموحدة. وفي حين نعلم جيداً الخط السياسي للإخوان والمستوحى من فكر الإمام المؤسس حسن البنا، والقائم على مشروع استعادة الخلافة الإسلامية، من خلال نضالات مرحلة مختلفة، فإننا في الغالب لا يمكن أن نجزم بخط السلفيين ككتل صغيرة ومتنوعة، على رأس كل منها شيخ (داعية) وأتباع أو مؤيديون، خاصة وأن هذا التيار كان قبل الثورة يحرم الخروج على الحاكم، قبل أن يعرف تحولاً جوهريا بعد الثورة ويشارك في الشأن العام عبر تأسيس أحزاب سياسية، والمشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، وبالتالي لا يمكن تصور أين يبدأ الهدف السياسي لهذا التيار وأين ينتهي. وعودة لسؤالك بالنسبة لعلاقة السلفيين بالثورة، فإنها منعدمة، لأنهم كانوا يفتون بعدم “جواز الخروج على الحاكم المسلم"، وحتى علاقتهم بالسياسة مستجدة ما بعد الثورة، أما الإخوان فقد كانوا طرفا ً أساسياً في الحراك السياسي والشعبي المعارض للسلطة خلال العقود الماضية، ثم كانوا جزءً من الثورة وإن انضموا لها متأخرين بعض الشيء لأسباب أمنية. الحراك السياسي المعارض قبل الثورة على عمومه، كانت تقوده تيارات يسارية وقومية وليبرالية، وأخرى مطلبية، وكان الإخوان في الكثير من المناسبات يتخلفون عنه، بعد تفاهمات مع الأمن كما هو الحال بالنسبة ل 6 أفريل 2008، و4 ماي وغيرها، كيف تقرأ ذلك الموقف؟ هذا صحيح بعد 2003 قلل الإخوان من الخروج للشارع نتيجة استهدافهم من الأمن، وحملة الاعتقالات التي عرفتها تلك الفترة بين أوساط المنتمين لهم، وبالتالي لم يكن الإخوان يبادروا للقيام بأعمال احتجاجية في الشارع، تفاديا للمواجهات مع الأمن الذي كان يتربص بهم، وبالتالي كانوا يعقدون معه بعض التفاهمات، سواء في خروجهم للشارع وسقف معارضتهم، أو مشاركتهم في الاستحقاقات الانتخابية. أيضا أصدر الإخوان بيانا رسميا بعدم مشاركتهم في مظاهرات 25 يناير 2011 التي تحولت إلى ثورة شعبية عارمة. أليس كذلك؟ نعم.. قالوا إنهم لن يشاركوا في بيان رسمي صادر من مكتب الارشاد، وأعتقد أن الإخوان جماعة براغماتية، ولذلك غلبت مصلحة الجماعة تفاديا لأي مواجهة مع الأمن. وقد تحدثت كثيرا مع مختصين وقادة في الجماعة وأكدوا لي أن الإخوان كانوا يميلون إلى المشاركة في ثورة يقوم بها الشعب، بدلا من ثورة يدعو لها الإخوان، كانت تلك حسبتهم، وعندما شعروا أن الشعب استجاب لدعوات التظاهر انضموا للركب وشاركوا فيها بعد يوم 28 يناير (يوم جمعة الغضب). كيف تقرأ التحول الذي حدث في قناعات السلفيين، لأن يشاركوا في الحياة السياسية ويؤمنوا بالانتخابات كوسيلة لإفراز الحاكم، كيف تقرأ ذلك ؟ أتفق معك أنه تحول كبير في فكر وممارسة السلفيين، الذين ظلوا يمارسون نشاطات تتعلق بالتنشئة الدينية، والأخلاقية، في المساجد والجمعيات الخيرية، وغيرها من المنابر، بعيدا عن الحياة السياسية، لكن المنافذ التي فتحتها ثورة الخامس والعشرين من يناير، وأجواء الحرية هي التي قادتهم إلى تبني هذا التحول، والدخول في معترك السياسة. لكن، السؤال كيف تم تمرير تلك الفكرة، لجماعة عقدية تحرم الانتخابات أساساً.. ويقال إنها كانت تستخدم من قبل جهاز أمن الدولة لمواجهة الإخوان والتيارات الإسلامية التي تتعاطى مع السياسة؟ كما قلت لك هناك تفاوت بين التيارات السلفية ولكل منها مرجعيته الفقهية، وهناك من لم يدخل العمل السياسي حتى الآن، لكن من المؤكد أن بعض قيادات (شيوخ) السلفية كانوا على علاقة بجهاز أمن الدولة، من جهة لمصلحة مواجهة تيار إسلامي مغاير في الطرح والفكرة، ومن ناحية أخرى لحماية أنفسهم من المتابعات الأمنية، أما الأمن فكان يستخدمهم للحد من تأثير الإخوان في الشارع المصري. نعود لحالة الشارع المصري الذي يشهد استقطابات غير مسبوقة حتى في العهود السابقة، بين طرفين “التيار الإسلامي ومعه مؤسسة الرئاسة" والتيار المدني بكل ألوان الطيف السياسي المعارض، كيف ترى هذا الصراع المحتدم؟ الأمر لا يتعلق في تقديري بصراع إيديولوجي، بقدر ما هو انعكاس لحالة التكالب على السلطة التي يجسدها حزب الإخوان وحلفاؤهم السلفيون، فهم بعد سنوات طوال يرون أن حلمهم للوصول إلى السلطة قد تحقق، وبالتالي يسعون إلى ما يسمونه “التمكين" عوض التمهيد لذلك عبر حوار وطني مع القوى الثورية والوطنية سيما تلك التي دعمت ترشح الدكتور مرسي أمام مرشح النظام السابق أحمد شفيق، والدخول في حوار جدي معها حول المسائل الأساسية المتعلقة بالفترة الانتقالية، من قبيل إعداد مسودة دستور توافقي يأتي كتتويج لحوار مجتمعي عام وواسع.. وغيرها من المسائل، وبالتالي فإن ما يجري الآن في الشارع المصري هو انعكاس لهذا الوضع الشاذ. الرئاسة اتخذت موقفا أحاديا وأصدرت إعلاناً دستوريا وصف بأنه “غير دستوري"، منح الرئيس صلاحيات جديدة وحصن قراراته من الطعن، وكذلك حصن مجلسي الشورى والتأسيسية، وهذا ما يعد هدراً لروح القانون مما أدخل البلاد إلى هذه المتاهة؟ هذا صحيح فعلاً.. وما هو أبعد من صراع الشارع، (بين ميدان التحرير، وميدان النهضة أمام جامعة القاهرة) هو الصراع الذي دخل فيه الرئيس كطرف أمام سلطة القضاء، وشهدنا في اليومين الماضيين صراعا محتدما وشديدا، بين السلطتين، وإذا كان السياسيون قادرين على المناورة وإيجاد مخارج لإختلافاتهم، فإن ما هو أصعب هو إيجاد مخرج لصراع السلطتين التنفيذية والقضائية، سيما وأن هذه الأخيرة تتمتع بإستقلالية تامة عن السلطة التنفيذية.. نحن أمام أزمة حقيقية أدخلتنا فيها الرئاسة دون مبرر موضوعي سوى هدف التكالب على السلطة، وقلة الخبرة السياسية .. فضلا عن أن معظم التيارات الإسلامية ترى أنها تحمل مشروعا حضارياً للناس وليس برنامجا سياسياً، وبالتالي تسعى إلى البقاء لأطول مدة ممكنة في السلطة. كيف ترى المخارج لهذه الأزمة في تصورك؟ المخارج تتمثل في الحوار غير المشروط بين كافة القوى الوطنية، قبل فوات الأوان، سيما القوى التي التفت حول بعضها البعض في ميدان التحرير أثناء ال 18 يوما من الثورة، للأسف هذا التحالف لم يعد قائما، حيث قامت تحالفات مصلحية أخرى على أنقاضه.. الإخوان اتجهوا للسلفيين، والقوى الأخرى في الغالب تصالحت مع فلول النظام السابق.. والخاسر الأكبر هي الثورة المصرية المهددة بالفشل نتيجة هذا الصراع القائم.