أكد المجاهد والسفير السابق محمد سعيد حمدادو، في ندوة حول رحلة باخرة أطوس 1956، أن الرحلة فشلت في نقل أزيد من 80 طنا من الأسلحة لصالح الثورة الجزائرية، بسبب خيانة السوداني ابراهيم النيال وتدخل أيدي صهيونية لصالح فرنسا الاستعمارية. المتحدث ذكّر الحضور بالثقة الزائدة التي وضعها الرئيس الراحل بن بلة في النيَال رغم تحذيرات مستشاره تيجاني هدام. قدم المجاهد محمد الصبّاغ المقيم بسيدي بلعباس، وهو رئيس المجموعة الجزائرية، صبيحة أمس السبت، شهادته ب “منتدى الذاكرة" بيومية “المجاهد". وروى للحضور انضمامه إلى جيش التحرير بالقاهرة مضحيا بدراسته، حيث لم يعر اهتماما لما أسماه ب “المثبّطات التي كنا نسمعها من كبار مسؤولي الثورة، مثل أن الجزائر كانت يومئذ محتاجة إلى البندقية أكثر من حاجتها إلى من يحمل البندقية، وأن الطلبة الدارسين بالخارج تحتاجهم الجزائر في معارك أخرى لاحقة"، إلا أنه قرر خوض الكفاح المسلح، ليجد نفسه ضمن المجموعات الطلابية المتدربة على السلاح، تحت إشراف بن بلة ومرافقيه. وكان تخصص صباغ في النهاية هندسة عسكرية، ويقوم رجالها بأصعب المهام في حروب التحرير: نسف الجسور وقطع الطرقات وزرع الألغام أمام العدو في زحفه وانسحابه لإحداث ارتباك في صفوفه وشل حركته. دخل الصباغ في اتصال مع الدكتور التيجاني هدام (نائب بن بلة في المكتب العسكري لجبهة التحرير)، الذي استدعاه ليبلغه بمهمة هامة وخطيرة: الإشراف على باخرة أسلحة في طريقها إلى الجزائر بمساعدة الزملاء محمد الطاهر شرفي، محمد إقروفة، محمد زروق، وبالإسكندرية أضيف إلينا محمد الهادي حمدادو، بمهمة مراقب تقني عامل على جاهز الراديو اليوناني نيكولاس كوكافسيس. وجدت المجموعة نفسها على متن مركب اسمه ‘'أطوس''، التي كان ينتظرها مجاهدو الولاية الخامسة بقيادة عبد الحفيظ بوالصوف لتفريغ حمولته من الأسلحة. وبعد زيارة مكتب العقيد فتحي الديب مسؤول المخابرات المصرية (قسم العالم العربي)، الذي طلب من الصباغ أن يراقب رئيس المركب ومسؤول الرحلة السوداني إبراهيم النيال، مع محاولة كسب ثقته في نفس الوقت، علما أنه مكلف عند الإبحار بتسليحنا بمسدسات أو رشاشات، وهي الضبابية التي لم يفهم الطاقم الجزائري فحواها بوضوح، مع أن النيال يقول محمد سعيد حمدادو، “كان محل ثقة بن بلة وتيجاني هدام، إلا أنه لم يف بوعوده لنا ولم يسلمنا السلاح في الباخرة، كما كان الواشي الرئيسي لمهمتنا السرية". ويذهب حمدادو الى القول: “بن بلة هو الذي فرض النيال علينا" رغم علمه بالشكوك حول مصداقيته وتفانيه. أكد حمدادو في السياق ذاته: “أعتقد بعد مراجعة كل المعلومات، أن الاستخبارات الفرنسية كانت على علم بانطلاق الباخرة بأربعة أشهر، بمساهمة كثيفة من الموساد الذي توصل عن طريق أحد المرافقين لعبد الحميد مهري ببيروت، إلى معلومة استعداد مصر تزويد الجزائر بذخيرة متنوعة من الأسلحة، باتجاه الغرب الجزائري. كما أشار المتحدث إلى وشاية عامل الراديو اليوناني في كشف أمر الباخرة. بعد اكتشاف أمر المجموعة، في المياه الدولية قريبا من المغرب، في 16 أكتوبر 1956، حاول النيال طمأنة المجموعة الجزائرية، يقول حمدادو، حيث تظاهر هذا الإطار المصري بتعرضه للاستنطاق والتعذيب، ليبرر اعترافاته، وبالتالي لم تصل شحنة ‘'أطوس'' إلى بوالصوف ورفاقه. كانت هذه الحادثة مؤشرا قويا على قرب العدوان على مصر، ودليل دامغ على مساهمة جمال عبد الناصر في نصرة القضية الجزائرية. هذه الأخيرة التي أثبت بدورها أن كفاحها تجاوز الحدود التقليدية، علما أن يوم قرصنة الباخرة البريطانية “أطوس" توافق وتأميم قناة السويس، الذي لم تتقبله فرنسا وبريطانيا، ودفعهما إلى الانتقام على طريقتهما. لهذا كان فجر 16 أكتوبر 1956 تاريخا ذا دلالات عدة، وسببا آخر للقرصنة الجوية التي استهدفت طائرة ‘'الزعماء الخمسة'' (في 22 أكتوبر)، فكانت دافعا آخر لتقوية الضجيج الدعائي، وتكثيف الغبار حول ‘'أطوس'' للتغطية على هذه القرصنة الخطيرة.