صدر حديثا عن دار الخلدونية، مؤلف جديد لمدير القناتين الأولى والثانية سابقا الأستاذ عبد القادر نور، تحت عنوان "شاهد على الحركة الطلابية أثناء الثورة الجزائرية (1954-1962) أحداث، أراء، شهادات، تعاليق وذكريات"، والذي يهدف من ورائه إظهار دور جميع الطلبة على اختلاف مشاربهم في الثورة، خاصة ما قام به الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين من جهد في توحيد صفوف الطلبة الذين كانوا موزعين في العالم العربي والغربي دون أي تنظيم، سواء كانوا من طلاب معهد ابن باديس، ومدارس جمعية العلماء أومعاهد الكتانية وطلبة الزوايا وتلاميذ المعاهد والمدارس الغربية والطلبة الأحرار عموما، من الذين سبلوا النفس والنفيس وأمنوا بالكفاح المسلح كوسيلة لنيل الحرية وساهموا في نشر الوعي السياسي والإجتماعي. إستهل الكتاب بتقديم من قبل الأستاذ الصحفي خليفة بن قارة الذي قسم مضمون الكتاب إلى ثلاثة مستويات وهي مستوى الأحداث، الشهادات والذكريات. "أما المستوى الأول ركز فيه على دور الطلاب الجزائريين الذين كانوا يتابعون دروسهم في الدول العربية الشقيقة، يليها مستوى الشهادات الذي خصه بذكر دور رجال الثورة في نقل المصابين ومعطوبي الحرب إلى مختلف دول المشرق العربي للتطبيب والتعليم والتجنيد. وأخيرا مستوى الذكريات الذي أظهر فيه كثيرا من الحنين إلى رفاق الدرب وجدد العهد لهم على مواصلة نفس الطريق الذي عبده رجال الحركة الوطنية". واعتبر "بن قارة" الكتاب بمثابة شهادة عن سيرة جيل عاش في أحلك الظروف ولكنه صنع أحسن بطولاتها، يهديه صاحبه إلى جيل الإستقلال عسى أن يستمد منه العزيمة والثبات والثقة في المستقبل". تناول الكتاب الذي يقع في 208 صفحة من القطع المتوسط، الحديث عن دور الطلبة في الثورة، دون إقصاء لشريحة معينة كما جرت العادة عند الإحتفالات بذكرى التاسع عشر ماي من عام 1956، التاريخ الذي قال بشأنه "عبد القادر نور" أنه يمثل رمزية الوحدة الطلابية، لا عن أول إلتحاق للطلاب الجزائريين بالثورة كما أسيء فهمه من جانب صانعيه أم من غيرهم، مستندا على الوثائق التاريخية الهامة كبيان أول نوفمبر وإعلان الطلبة التاريخي للإلتحاق بالثورة والتعاليق التي أذيعت في الإذاعة السرية، إضافة إلى الشهادات الحية، الصور التذكارية والكلمات التأبينية التي قيلت في حق هؤلاء الثوار والمفكرين، ومصادر أخرى لا تقل أهمية. ويحاول أحد قادة تحرير الإذاعة والتلفزيون من ربقة الاستعمار الفرنسي, في 28 أكتوبر 1962، نفض غبار النسيان عن كثير من الشخصيات التي صنعت التاريخ، من خلال استرداد سيرهم الذاتية تعميما للفائدة، كرئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عبد الرحمن شيبان، وقاسم زدور أول الشهداء من طلبة المشرق العربي، وكذا مساهمات الطلبة في جلب السلاح للثورة عن طريق البحر ومنهم محمد بوخروبة "هواري بومدين" ورفيقه محمد الصالح شيروف، والطالبان محمد الهادي حمدادو ومحمد الصباغ اللذان غادرا مقاعد الدراسة مبكرا وعينا ضمن الطلبة المتنقلين في باخرة أطوس التي كانت تحمل السلاح في أكتوبر من سنة 1956، وأسماء كثيرة من الطلبة كمحمد الأخضر عبد القادر السائحي، عمار بحوش، محمد الصالح بوسلامة، عبد العزيز شكيري، عيسى بن الطاهر بشتة، عبد الحميد محمدي، عبد الرحمان بوراوي، أحمد تمام درواز، لخضر بشان، محمد مهري، لمين دباغين، أحسن بومالي، وطلبة آخرون خصهم المؤلف بفصل موسوم ب"الذكريات" وفيه استعرض سيرتهم ومناقبهم من خلال استرداد اللحظات التي جمعته بهم أمثال المناضل الطبيب والإذاعي ورجل دين وعالم اجتماع، المرحوم أحمد عمروش، وصوت الجزائر المدوي من تونس الشقيقة عيسى مسعودي ورفيقه الإعلامي مسعود برابح، الدكتور الأديب والمؤرخ المحقق أبوالقاسم سعد الله، المفكر الدكتور عبد الله ركيبي, وأحد أعمدة الأدب الجزائري طاهر وطار، دون إغفال لدور بعض تلاميذ المدرسة الفرنسية في نشر الوعي السياسي والقومي من أمثال محمد بوقرة، ديدوش مراد، زيغوت يوسف، بودغن علي، عباس لغرور، عميروش، العربي بن مهيدي، عيسات ايدير، ومصطفى بن بولعيد. وما يمكن القول في الختام، أن كتاب "شاهد على الحركة الطلابية أثناء الثورة الجزائرية (1954-1962) يعد لبنة أساسية تضاف إلى لبنات الكتابات الخاصة بتاريخ الحركة الطلابية في الجزائر أثناء الثورة، وما من شك أن البعد الوطني كان الطاغي على كتابات "نور" لدرايته التامة بالضرورة القصوى في المرحلة الراهنة وضع حوصلة لهذه التركة الفكرية التي تتعلق بالتاريخ الوطني وتصحيح ما أصابها من إدعاءات مضللة ومشوهة. ومن ثم، فالكتاب يستجيب لحاجة الطلبة والقراء للنهل من ماضيهم العبر، حتى المهتمين بتاريخ الجزائر كالباحثين والمؤرخين ليطلقوا العنان لأقلامهم للكتابة عن تاريخ الجزائر بكل موضوعية، وفك الكثير من الأسرار التي تحيط بالشخصيات والأحداث التاريخية بمساعدة صناع الثورة ممن هم على قيد الحياة، وما هذا الكتاب إلا بادرة خير نتمنى أن يخطونحوها الكثير من المجاهدين المخلصين حتى لا نبقى نصنف في دائرة الذين يصنعون التاريخ ولا يجيدون كتابته.