كانتا الشقيقتان ريا وسكينة تعيشان في أحد تلك الأحياء القديمة والفقيرة، الذي كان يدعى بحي اللبان بالاسكندرية. وفي عام 1920، بدأت ترد إلى قسم شرطة اللبان بلاغات من بعض الأهالي حول اختفاء نسوة من أقاربهم بشكل غامض، الطريف في الأمر أن بعض ذوي النساء المفقودات ذكروا اسم سكينة ضمن إفاداتهم على أنها كانت آخر شخص تمت مشاهدته مع بعض المفقودات قبل اختفائهن، والأطرف من ذلك هو أن بعض جرائم القتل حدثت في أماكن لا تبعد عن قسم الشرطة سوى أمتار معدودات. ومع ازدياد عدد ضحاياهن، تزايد أيضا وانتشر الرعب والهلع في المدينة انتشار النار في الهشيم وصارت النساء تتحاشى مغادرة منازلهن إلا عند الاضطرار وذلك بسبب خوفهن من عصابات الخطف. في النهاية، كانت الصدفة وحدها هي التي أوقعت الشقيقتين في يد العدالة، فسكينة كانت تستأجر غرفة من الباطن، أي أنها كانت مستأجرة لدى أحد الأشخاص الذي كان هو أيضا بدوره مستأجرا من صاحب العقار الأصلي، ويبدو أن العلاقة بين المستأجر والمؤجر لم تكن على ما يرام فوصلت خلافاتهما إلى أقسام الشرطة والمحاكم، وحين أمرت المحكمة بإخلاء المنزل لصالح مالك العقار الأصلي، اضطرت سكينة أيضا إلى إخلاء غرفتها، وحاولت بكل وسيلة وحيلة إقناع صاحب الدار بأن يؤجر لها الغرفة مرة أخرى لكنه رفض ذلك بشكل قاطع بسبب سيرتها المشينة وتصرفاتها التي طالما أزعجت الجيران، فسكينة كانت بائعة هوى في شبابها، ثم أصبحت تستأجر عددا من البيوت والغرف لإقامة حفلات السكر والعربدة مستعينة بعدد من بائعات الهوى والنساء سيئات الصيت، وورد في حيثيات الحكم الصادر بحق الشقيقتين من محكمة جنايات الإسكندرية ما يؤكد طبيعة عملهن، حيث ذكر أن: (هذه المحلات جميعها أعدت للدعارة سرا وكانت البغايا من النساء تترددن إليها تارة من تلقاء أنفسهن وطوراً بطلب من ريا وسكينة لتعاطى المسكرات وارتكاب الفحشاء فيها وكانت إدارة المحلات المذكورة مشتركة بين ريا وسكينة وأرباحها تقسم بينهما). وتشاء الصدف أن يقرر مالك العقار الذي أخليت منه سكينة إجراء بعض الترميمات في أرجاء المنزل، ومن ضمنها الغرفة التي كانت مستأجرة من قبل سكينة، حيث شرع في حفر أرضيتها لغرض تبديل بعض أنابيب المياه المتآكلة، لكن الرجل ما يلبث أن يعثر على بعض العظام البشرية مدفونة تحت البلاط فيمضي في الحفر حتى يعثر على جثة كاملة متفسخة لامرأة لم يتبق مما يدل على هويتها سوى بعض خصلات الشعر الطويلة المعلقة بالكاد إلى جمجمتها. يهرع الرجل إلى قسم الشرطة مصطحبا إياهم إلى داره لمعاينة الجثة، فيقرر هؤلاء الاستمرار في حفر أرضية الغرفة على أمل العثور على المزيد من الجثث، وبالفعل يتم العثور على جثة أخرى في الغرفة نفسها، وعلى جثة ثالثة في غرفة مجاورة كانت مستأجرة أيضا من قبل سكينة، ثم تبدأ الشرطة في البحث في المنازل والأماكن التي كانت سكينة تتردد عليها فتعثر على جثة رابعة في منزل آخر كانت سكينة تستأجر إحدى غرفه أيضا. ويؤدي اكتشاف الجثث إلى أن ترتاب الشرطة أيضا في ريا شقيقة سكينة وتبدأ في مراقبتها. وتشاء الأقدار أن يشاهد أحد المخبرين ريا في منزل يقع بالضبط خلف مبنى قسم شرطة اللبان، يشك المخبر في تصرفات ريا لأنها كانت تعطر إحدى غرف المنزل بكمية كبيرة من البخور لا تتناسب مع حجم الغرفة الصغيرة، فتداهم الشرطة المنزل وتبدأ بتفتيش تلك الغرفة التي كانت تنبعث منها رائحة كريهة تزكم الأنوف لم تستطع أبخرة العود والبخور الكثيفة والمتصاعدة في أرجاء المنزل من إخفائها، في تلك الغرفة تعثر الشرطة على 12 جثة تحت البلاط ومخبأة بين أخشاب العلية الملحقة بالغرفة، كما تعثر الشرطة على جثة إضافية في غرفة ملاصقة للغرفة الأولى ليصبح العدد الكلي للجثث المكتشفة 17 جثة. تقوم الشرطة بإلقاء القبض على ريا وسكينة اللائي تحاولن في البداية إنكار أي علاقة لهن بالجثث، لكن حين تحاصرهما الشرطة بالأدلة والشهود تعترفان أخيرا بجرائمهما التي تتمثل في استدراج النساء إلى مجموعة من البيوت والغرف المستأجرة لغرض قتلهن والاستيلاء على مصوغاتهن وحليهن الذهبية، وأغلب الضحايا كن أما من بنات هوى أو من النساء المتبضعات في أحد الأسواق التجارية القريبة من حي اللبان. أما طريقة القتل، فقد قالت الشقيقتان بأنهما كانتا في البداية تغريان وتخدعان الضحية بالكلام المعسول حتى تنالا ثقتها، ثم تسقيانها شرابا فيه خمرة قوية تؤدي بها إلى السكر والثمالة فتفقد القدرة على التركيز والقوة على المقاومة، حينئذ كان أحد أفراد العصابة من الرجال يتسلل بهدوء خلف الضحية ثم يقوم بحركة سريعة ومباغتة بلف منديل من القماش على رقبتها بأحكام ثم يبدأ بخنقها بكل ما أوتي من قوة، وفي هذه الأثناء أيضا يرتمي بقية أفراد العصابة على الضحية كما ترتمي الذئاب على طريدتها المذعورة، فيقوم بعضهم بتكميم فمها لمنعها من الصراخ فيما يمسك الآخرون بيديها ورجليها ويثبتونها حتى تلفظ آخر أنفاسها، وما إن تفارق الضحية الحياة حتى يجردوها من حليها ومصوغاتها الذهبية وملابسها ثم يقومون بدفنها في المكان نفسه الذي قتلت فيه، وكانت الشقيقتان تبيعان الذهب المسروق إلى أحد الصاغة في السوق ثم تقتسمان ثمنه مع بقية أفراد العصابة. المجرمون الرئيسيون في جرائم القتل كانوا كل من: ريا وزوجها حسب الله، وسكينة وزوجها محمد عبد العال، وشخصين أخريين باسم عرابي وعبد الرزاق، وقضت محكمة جنايات الإسكندرية بإعدامهم جميعا وتم تنفيذ الحكم فيهم بتاريخ 21 ديسمبر سنة 1921، كما شمل الحكم سجن الصائغ الذي كان يشتري الذهب المسروق من الشقيقتين لمدة خمس سنوات، في حين برأت المحكمة ثلاثة أشخاص آخرين كانوا على علاقة بالمجرمين وتم إخلاء سبيلهم. مع إعدام الشقيقات السفاحات، تم طي صفحة جرائمهن البشعة إلى الأبد، لكن الرعب والإثارة التي سببتها تلك الجرائم استمرت حتى اليوم، ولازال الناس في حي اللبان في الإسكندرية يتذكرون قصة ريا وسكينة ويحدثون الزائرين عنها كأنها حدثت بالأمس، أما قسم شرطة اللبان نفسه فقد تحول اليوم إلى ما يشبه المتحف حيث يضم بين جدرانه بعض متعلقات القضية كأوراق التحقيق وحكم المحكمة وصور قديمة للشقيقتين مع صور بعض ضحاياهن.