على غير العادة تميزت مناسبة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بتراجع ملفت للانتباه بالنسبة لباعة مختلف المفرقعات التي كانت تغزو الأسواق الفوضوية كل عام، الأمر الذي لم يتمكن معه السواد الأعظم من الأطفال من ممارسة هوايتهم المفضلة في اللعب بالمفرقعات خلال الأيام التي تسبق المولد النبوي ولا يحتاج المرء لعناء كبير لملاحظة الغياب التام لتجار المفرقعات هذه السنة، وخاصة في الأماكن العمومية والأسواق. دفعنا فضولنا الصحفي إلى زيارة بعض هذه الأماكن التي شهدت في المواسم الماضية حركة غير عادية لباعة المفرقعات، حيث وقفنا على ندرتها الكبيرة وقلة مختلف الأنواع المعروضة رفقة الشموع و “النوالات" التي كانت تزين أجواء الاحتفال بالمولد النبوي. جولتنا بدأت من بلكور وبالتحديد من سوق 12، حيث لم نعثر على أثر لباعة المناسبة، إلى حد خُيِّل لنا بأن الناس غير مهتمين تماما بالإحتفال خاصة الأطفال الذين قلت تحركاتهم وتلهفهم لاقتناء مختلف الألعاب النارية. وإذا كان قرار القضاء على الأسواق الفوضوية قد لعب دوره في اختفاء المفرقعات، فإن ذلك لا يعد العامل الوحيد، حيث طالعتنا الأخبار في الأسابيع الأخيرة عن إقدام مصالح الجمارك على حجز أطنان كاملة من مختلف أنواع المفرقعات بالميناء، الأمر الذي زاد في ندرتها. وعلى طول الطريق من ساحة أول ماي إلى غاية ساحة الشهداء لم نلاحظ أي تجارة للمفرقعات. جامع كتشاوة الإستثناء عندما وصلنا إلى ساحة الشهداء قصدنا على التو الأزقة المحيطة بجامع “كتشاوة"، حيث بدت لنا الحركة عادية أعادت إلى أذهاننا الأجواء التي سادت لعشريات كاملة من الزمن قبل أن يتم القضاء على الأسواق الموازية والباعة الفوضويين، لكن دهشتنا كانت كبيرة، عندما فوجئنا بعودة تجارة الأرصفة بشكل لافت وقوي، ومعه عادت الحركة المعهودة، وبدل أن نواصل بحثنا عن باعة المفرقعات الذي مثل جوهر جولتنا، فضلنا تخصيص بعض من مهمتنا إلى مختلف السلع المعروضة على حافة الطرقات والأرصفة وداخل الأزقة الضيقة المحاذية لجامع “كتشاوة"، حيث وقفنا على عودة باعة الخضر والفواكه والألبسة والعطور وسط حركة كثيفة للمواطنين، وهو ما أعطى لنا الإنطباع بأن ما تم تداوله من أخبار حول عودة نشاط التجارة الموازية والفوضوية، تأكد بما لا يدع مجالا للشك. عندما سألنا أحد باعة الجوارب عن ظروف عمله الفوضوي وفيما إذا كان هاجس الخوف من عودة أعوان الأمن الذين سهروا لفترة على اجتثاث الأسواق الفوضوية وباعة الأرصفة، لم يتردد في التأكيد لنا بأن الأمور تسير بشكل عادي “كما ترون الحركة عادت مرة أخرى إلى أزقة جامع “كتشاوة"، وصدقوني بأنني عانيت خلال الفترة التي منعنا فيها من ممارسة تجارتنا على الأرصفة، لأنها ببساطة تعد مصدر رزق عائلتنا". وعلمنا من هذا التاجر الفوضوي المختص في بيع الجوارب بأنه رب عائلة ولديه ثلاثة أطفال وما يجنيه يوميا يمثل رزقه الأساسي، وعندما سألناه هل مارس نشاطا آخر خلال حملة القضاء على الأسواق الفوضوية، لم يتوان في التأكيد لنا بأنه بقي بدون أي نشاط. عرض محتشم للمفرقعات ما شد انتباهنا ونحن ننتقل من زقاق إلى آخر هو تواجد بعض باعة المفرقعات على قلتهم، إذ رغم الندرة وغياب الفضاءات المعروفة لبيعها، إلا أن ممارسيها وجدوا الأجواء مناسبة لعرض وبيع بعض أنواع هذه المفرقعات التي كنا نجهل مصدرها قبل أن يخبرنا أحد الشباب الباعة عن سوق الجملة الذي ما يزال يزاول نشاطه في بيع مختلف أنواع المفرقعات “كل السلع التي ترونها معروضة تم جلبها من سوق الجملة الكائن بجامع “ليهود" ويمكنك زيارته والتأكد من السلع المعروضة"، غير أن هذا البائع الشاب استدرك الأمر وأشار إلى أن الكميات التي عرفتها السنوات الأخيرة كلما حل موعد الإحتفال بالمولد النبوي الشريف إنخفضت هذه السنة، وكم كانت دهشتنا كبيرة عندما أطلعنا هذا التاجر الفوضوي بخلفيات بعض هذه الندرة “لقد تم حجز الكثير من السلع على مستوى الميناء وهو ما يفسر العرض المحتشم لجل أنواع المفرقعات والألعاب النارية، كما أن بيعها بالتجزئة إنكمش كثيرا بعد قرار منع مزاولة التجار الفوضويين لنشاطهم وأعتقد بأنكم على علم بذلك". ارتفاع ملفت لأسعار المفرقعات مقارنة بالأسعار التي بيعت بها المفرقعات خلال الموسم الماضي، فقد عرفت ارتفاعا بأكثر من 30 دج للسلعة الواحدة، وهو ما تأكدنا منه ونحن نحاول رصد أسعارها، وبالنظر إلى الظروف التي عرفتها تجارة المفرقعات هذه السنة، يمكننا ببساطة ربط ذلك بالندرة التي سجلت عشية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وهو ما ذهب إليه جل الباعة الذين تحدثنا إليهم، حيث أكدوا لنا بأن الأسعار ارتفعت في سوق الجملة بجامع “ليهود"، ومن الطبيعي جدا أن ينعكس ذلك على أسعار سوق التجزئة كما أن الزيادة في الأسعار لم تقتصر فقط على مختلف أنواع المفرقعات والألعاب النارية، بل أن مختلف الشموع على اختلاف أحجامها عرفت هي الأخرى بعض الزيادة بنحو 5 دنانير للشمعة الواحدة، غير أن ذلك لم يمنع الكثير من المواطنين من شراء واقتناء ما طاب لهم من الشموع والعنبر. ارتياح لدى الآباء وحسرة لدى الأطفال لا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نقتحم سوق بيع المفرقعات دون أن نحتك بالأطفال والآباء الذين تربطهم علاقة حميمية في هذه المناسبة الدينية، حيث اعتاد الآباء على تلبية رغبات أطفالهم في شراء أنواع المفرقعات والألعاب النارية بأسعار مرتفعة وبكميات كبيرة، وهو الأمر الذي لم يحدث هذا العام على الأقل بالشكل الذي جرى سابقا، والدليل أن معظم الآباء أكدوا لنا بأن سوق المفرقعات هذه السنة كان محتشما وتطلب منهم الأمر الانتقال إلى أزقة جامع كتشاوة لشراء بعض ما وجدوه لأطفالهم كما جاء على لسان سيدة “لقد اضطررت للمجيء إلى ساحة الشهداء لشراء المفرقعات لأبنائي بعد أن ألحوا علي، ورغم أنني على علم بالأخطار والكوارث التي تخلفها الألعاب النارية إلا أنني أريد دائما أن أدخل بعض الفرحة على فلذات كبدي، غير أنني هذا العام اصطدمت بارتفاع الأسعار الأمر الذي حال دون اقتناء كمية كبيرة"، هكذا تعاملت هذه السيدة مع ظروف هذه المولد، والأكيد أن ما قدمته لنا من معطيات، لا يتقبلها الأطفال لأنهم ببساطة ينتظرون هذه المناسبة ببراءة للعب لأيام بالمفرقعات، وهو ما لمسناه، عند أحد هؤلاء الأطفال وهو يحدثنا عن خيبة أمله هذه السنة “على غير العادة لم أبدأ الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف مبكرا لأنني لم أعثر على باعة المفرقعات في حيي، وقد انتقلت اليوم مع والدي إلى جامع “كتشاوة" لشرائها وسوف أقتنع بمختلف الألعاب النارية التي اشتريتها". وبين خيبة أمل الأطفال ورد فعل الأولياء وندرة المفرقعات وباعتها هذا الموسم، الأكيد أن ما تم عرضه في بعض الأسواق الفوضوية التي عادت سيسمع دويها هذه الليلة في انتظار ما ستكون عليه المناسبة الدينية خلال العام القادم.