يستعد المجاهد البارز أرزقي باسطا لإطلاق كتاب جديد حول خلفية الصراع بين المركزيين والمصاليين، وقال في لقاء مع “الجزائر نيوز" إن الإصدار المقبل، سيكشف بالأسماء “الخونة الحقيقيين الذين حرموا أتباع مصالي الحاج من المشاركة في إطلاق ثورة نوفمبر1954". خمسون سنة بعد الاستقلال، يؤكد باسطا أن الجزائريين يجب أن يعلموا أن ثمة مسؤولين عندما ذاقوا حلاوة السلطة في بداية الحركة المسلحة، رفضوا التخلي عنها، وحوّلوا أموال المساهمات لخدمة أغراض شخصية جدا. وعن العمل الجديد، يقول صاحبه: “أصر على إصداره هو الآخر، لأنه سيضع حدا لسنوات من العزلة والرفض تجاه من كانوا السباقين إلى العمل الفدائي والتنظيمي ضمن حزب الشعب الجزائري، ثم حركة الحريات الديموقراطية"، ليردف “المركزيون الذين يظهرون أبطالا، لم يكونوا جميعهم صادقين، وسأكتب عن الخطط المسيئة التي ضربت المصاليين، اسما باسم". لا ينفصل الكتاب المنتظر بحر الأشهر المقبلة، عن الذي نشره المجاهد في شكل مذكرات سنة 2011 بعنوان “حقائق مأساوية لم يتكلم عنها حول الثورة الجزائرية"، عن منشورات “أركان"، (541 صفحة) التي كانت الدار الوحيدة التي رضيت بنشره بعد رفض قاطع لدور معروفة: “قطعت أشواطا طويلة وأنا انتظر الرد من منشورات الشهاب، التي أكدت لي بعد انتظار طويل أن مذكراتي بالغة الأهمية إلا أنهم لن ينشروها، بعدها توجهت إلى دار القصبة المشهورة، التي تجاهلت جهدي بالصمت واللامبالاة، لأُفاجأ فيما بعد بنشرهم لمذكرات الشاذلي بن جديد التي جاءت فارغة الوفاض ومليئة بالتناقضات"، يوضح ضيف “الجزائر نيوز"، علما أن كمية الكتاب نفذت جميعها، بعد أن تم اقتناؤها من قبل مؤسسات رسمية (أمنية) حسب ذات المتحدث. إصرار باسطا على إعادة نشر كتابه عن “الحقائق المأساوية لثورة التحرير الجزائرية"، منبعه قناعته بضرورة قراءة صفحاته، والتمعن فيه لإعادة تشكيل حركية الفعل الثوري، ورسم لوحات جديدة عن الأسماء القيادية التي اشتهرت على حساب كثيرين يقول عنهم باسطا “أنهم مناضلون أوفياء أُعدموا باطلا"، ولأن كتابة تاريخ الثورة الجزائرية أيضا، لم تأخذ بعين الاعتبار بعض الروافد الهامة، على غرار دور مصالح الاستخبارات الفرنسية ضد الجبهة سنوات 55 -57 -59 - 60، في قطع الطريق على الثوار، ولأن مشكل القيادة مازال مطروحا، حسب باسطا، “يجب إلقاء نظرة على الماضي لفهم الحاضر". المركزيون.. حادوا عن مبادئهم يرى أرزقي باسطا أن التحضيرات لاندلاع ثورة التحرير، لم تسلم من الدسائس والوشايات والغموض والتناقضات، وما زال المجاهد يحتفظ بقناعته أن المصاليين لم يخونوا الثورة ولم يكونوا في صف المتماطلين عن الحركة المسلحة، وأن مصالي الحاج كان ملتزما بالخيار المسلح إلى آخر دقيقة. يستند باسطا إلى حسين لحول الذي أخبره بعد الطريق المسدود الذي وصل إليه مصالي واللجنة المركزية لحركة انتصار الحريات الديمقراطية، للقول في الصفحة 94 “أن المركزيين حادوا عن مبادئهم، خاصة بعد أن اشترى جاك شوفالي ذمتهم بشقق في أحياء راقية"، ملحقا عبارته بأخرى “لهذا أصر المركزيون على نعت المصاليين بالخونة"، في إشارة منه إلى استعمال أموال الحزب في أسفار متكررة، علاقات مشبوهة في فرنسا وبلجيكا، بحكم سيطرتهم على الخزينة والإدارة. إلى غاية ماي 54 كان المركزيون يسيطرون على اللجنة الثورية، وهذا ما جعله “يشك" في “حيادية" “CRUA"، ليكتشف لاحقا علاقة محمد بوضياف ورابح بيطاط بالمركزيين. أما المتحولون هم القيادة الجديدة لحركة انتصار الحريات الديمقراطية ممثلة في أحمد مزرنة ومولاي مرباح، اللذين غيرا من بوصلة خيارهما، وبدل الالتزام مع كريم بلقاسم وعمر اوعمران وجماعة القبائل كلها، بالتحرك سريعا نحو العمل المسلح، مباشرة بعد انعقاد مؤتمر الحزب، تكلموا بلهجة جديدة ومفاجئة. مزرنة خيّب آمال مجموعة القبائل في اجتماع اونت 54، علما أن “مصالي كان يثق كثيرا في الإدارة الجديدة للحزب، ومن فرنسا حيث منفاه، لم يتفطن للحقيقة إلا متأخرا"، يكتب باسطا. يتحدث الكتاب أيضا عن لقاء كريم بلقاسم بمولاي مرباح الأمين العام للحزب، والإجابة الغريبة التي أطلقها هذا الأخير لزعيم القبائل: “قل لمناضليك أن يلتحقوا بالحزب لا أكثر ولا أقل"، وبالتالي لم يكن هناك حديث عن العمل المسلح. وتكشف الصفحة 105، لقاء كريم بالمركزيين أيضا، والإجابة المشبوهة لحسين لحول مفادها: “في 1950 كنا 2000 رجل مسلح (المنظمة السرية) وأخفقنا واليوم نرفض المغامرة". يفسر باسطا هذه الردود فيكتب ما يلي: “في الحقيقة لم يكن المسؤولون يتقبلون فكرة وجود مناضلين وإطارات بسطاء، يمكنهم بين عشية وضحاها تنظيم وإطلاق الثورة، وبدونهم أيضا"، واصفا سلوك مسؤولي حزب الحريات ب “النية السيئة" وهي السبب المباشر الذي جعل مجموعة القبائل تلتحق نهائيا باللجنة الثورية، التي ضمت إليها هذه القوى بقرار حكيم من مصطفى بن بولعيد، الذي لم يصغِ إلى طلب أحد المناضلين في اللجنة بإطلاق الثورة بدون منطقة القبائل. يخصص الكاتب مساحة وافرة للحديث عن تجربته في القاهرة، وماذا كشف له ذلك السفر المتعب، من حقائق عن جبهة التحرير الوطني في الخارج، وعن الأموال الضخمة التي كان يجمعها القادة هناك، جراء مساهمات عمال المناجم والمصانع البسطاء في أوروبا، لتصرف لصالح الثورة، إلا أنها كانت تحول لأغراض شخصية، بعيدا عن ساحة المعركة، ويسرد حادثة اكتشاف 600 ألف فرنك بلجيكي في غرفة أحمد مزرنة، كان سيستعملها ضد الجبهة، بدل توصيلها إلى أصحابها. وعبر المؤلف عن خيبته، حينما أعاد بن بلة هذا المبلغ لمزرنة، رغم تأكيد باسطا على مصيرها المشبوه؟ جون موهوب عمروش.. جزائري حتى النخاع يدافع باسطا عن “جزائرية" الشاعر والكاتب جون موهوب عمروش، سليل قرية إغيل علي قريبا من وادي الصومام الشهير، ويقول عنه: “لم يكن فرنسيا كما يريد البعض التعامل معه دائما، بل ظل بربريا جزائريا حتى النخاع"، في إشارة منه إلى العلاقة التي ربطت جون عمروش بالثوار، واتصاله الدائم بهم. ويستند المجاهد في رأيه إلى مواقف الشاعر والكاتب الصحفي، الذي قرر تغيير لهجته بعد أحداث الثامن ماي 45، وخيبة أمله في فرنسا المساواة والأخوة، التي بدل أن تحرر الجزائريين من قبضتها الاستعمارية، راحت تنجز فيهم أبشع المجازر. وقد ظهر التغيير في مقالات جون عمروش، وحصصه الإذاعية، في فرنساوتونس، إلى أن طفح الكيل وطرد منها سنة 1958. رحل إثرها جون موهوب إلى سويسرا، حيث انطلق في سلسلة من الوساطات بين تونس والرباط وفرنسا، ينقل أفكار وقرارات مسؤولي جبهة التحرير إلى السلطة الفرنسية في باريس، وتحديدا إلى ديغول. وعن هذا الأخير يقول باسطا: “كان جون من المقربين للرئيس ديغول، الذي كان يحترمه كثيرا لثقافته وعلمه، وقد اعترف لنا عمروش أن ديغول كان كلما يكلف شخصا بالتفاوض مع قادة الثورة، يعودون إليه بمعلومات مغلوطة، إلا أنه وجد في جون عمروش الوسيط المنفتح والشفاف"، ويضيف: “عندما التقى جون مع كريم بلقاسم في 21 سبتمبر 61، روى له حواره مع ديغول الذي أراد معرفة رأي الوسيط في الوضع بالجزائر (أوت 58)، فكان رد جون أنه بعد أحداث 45 وسنوات الحرب الطويلة، لم يعد لفرنسا نفس الظروف التي تمتعت بها لتفعل ما تريد في الجزائريين"، حيث ظل جون عمروش، يعتقد أنه لو كان حال الجزائر غير الذي كانت عليه تحت نير الاستعمار، لما تيتم وربي مسيحيا، حسب أرزقي باسطا.