قيل ليس هناك أخطر على دولة ما سوى الخلط بين المكر والحكمة ونحن والحمد لله نملك المكر كله ولا نملك حتى ذرة حكمة وبهذا لا يمكن أبدا أن نكون في خطر ما دام الاثنان لن يلتقيا أبدا. نملك مكر السلطة ومكر النظام ومكر الحكومة ومكر وزرائها وحتى مكر الشعب الذي “يتمنكر" في نفسه لأنه يرضى بكل المناكير التي يعيش فيها. ويمكنك عندما تبحث عن أي شيء وسط كل هذا التمنكير، أن تجد الفساد والشكارة والرشوة والاستبداد ولن تجد أبدا حكيما واحدا يمكن أن يشير بأصبعه إلى هذا المنكر ويقول كفى، خاصة للمناكير السياسية التي استفحلت في الدولة برعاية ناكر ونكير وحولت الممارسة الحزبية إلى شبه عبودية للتماثيل الصماء التي يُنفخ فيها الروح من حين لحين حتى أصبحت “كبانيات" ترعى المنكر بأشكاله المتعددة والكثيرة. وحتى السلطة المنكورة يعجبها هذا التعواج الذي أصاب البلاد بالهزال ولا يمكنها أبدا أن تقبل “بحكيم" على شاكلة بلخادم الذي تمنكر بحزبه حتى كره ثم أصابته الحكمة فجأة وقرر أن يتخلى عن الجمل بما حمل ويعود إلى بيته سامعا طائعا كما تمليه عليه المنكرات السياسية التي أصبحت أسسا للنضال الحزبي عنده وعند مناضليه الذين بدؤوا يتحركون في كل اتجاه حتى يجدوا حكيما آخر لن يتمنكر بهم كما فعل هو بهم من قبل. اسمحوا لي إن قلت إن كلامي على مكر بلخادم لم يكن سوى على سبيل المثال وليس الحصر لأن القائمة طويلة ولا يتسع المكان لها ولكن بإمكانكم جميعا أن تنظروا إلى يمينكم ويساركم وسوف تروا المنكرات السبع التي تتحكم في شعب قدره أن يُمنكر فيه بلا مزيتو.