يرى الزبير عروس أستاذ علم الاجتماع أن عدم استقرار الأمور بعد في دول “الربيع العربي" التي يحكمها الإسلاميون يعود لعدة أسباب أولها تصورهم “الخاطئ" بأنه يمكن قيادة المجتمع وفق رؤية أحادية التصور والمشروع. وقال الزبير عروس، الذي هو أيضا مدير مخبر علم الاجتماع الديني، في هذا الحوار المطول عن الإسلاميين الذين اعتلوا سدة الحكم في هذه البلدان، إن هؤلاء الذين يقودون المرحلة الانتقالية في هذه البلدان، لم يتحرروا من منطق جماعتهم الأم على اعتبار أن قياداتهم تربت على منطق “السمع و الطاعة"، مشيرا إلى أنهم تحولوا من حالة أمل إلى حالة مجردة أثبتت في كثير من الأحيان أنها تتعاكس مع طموحات الشعوب العربية. وأضاف المتحدث ذاته، بخصوص هؤلاء الإسلاميين، أنه إذا أرادوا “النجاح" فعليهم ، كما قال، الخروج من “منطق الحكم بالأحكام الفقهية إلى الحكم بمنطق الضرورات السياسية و الاجتماعية". أولا سؤالك حول الربيع العربي يطرح جملة من القضايا الأساسية أولها المصطلح المتداول “الربيع العربي"، أعتقد أنه لا من الناحية المنهجية أو الوصف الحقيقي ينطبق على أحداث المنطقة العربية عموما. فلا بد من التريث في إسقاط بعض المصطلحات ذات الدلالة العكسية على الواقع الفعلي، لأن ما يحدث في تونس ومصر، والآن سوريا، ودون نسيان ليبيا، ليس بالربيع ولكنه صيف حار بكل المقاييس. وفيما يخص الشق المتعلق بصعود الإسلاميين إلى الحكم، فليس عجبا صعودهم وأن يظهروا في المقدمة أثناء هذه الأحداث رغم أنهم لم يكونوا المحرك الفعلي أو موجها للأحداث ولكن لا بد من استثناء الحالة المصرية ههنا وذلك من حيث مساهمة الإسلاميين وحركة الإخوان في التهيئة لتفجير الأحداث. صعودهم إلى الحكم يفسر بعدة أوجه .. الأول أن القوى الاجتماعية التي ساهمت في ثوران الشعوب لم تكن قوى مؤدلجة - من الإيديولوجيا - أو لديها رؤية سياسية واضحة، كذلك فإنها لم تكن قوى منظمة من الناحية الحزبية أو الجمعوية، لذا اقتصر فعلها على عملية التحضير والإثارة أو تحريك قوى الشارع للتخلص من رموز الأنظمة وليس التخلص من الأنظمة، فهذه القوى غير المنظمة وغير المؤدلجة سياسيا جعلها ذلك غير قادرة لقيادة المرحلة الانتقالية ما بعد عزل رموز الأنظمة، فكان للقوى الأكثر تنظيما من ناحية الانضباط والصقل الإيديولوجي .. كانت الإسلاميين وعلى رأسهم الإخوان المسلمون في كل من تونس ومصر .. فكانت لهم الفرصة لقيادة المرجلة الانتقالية والبعض يقول إنهم “سرقوا" تضحيات الفئات الشابة التي قامت بالثوران في البلدين المذكورين. وفيما يخض صعودهم إلى الحكم بواسطة الانتخابات، أقول إن ذلك أمر طبيعي لأن الشعوب العربية كانت تبحث عن وجوه جديدة للقيام بعملية التغيير الجذري المنشود، والإسلاميون هم الذين كانوا يمثلون هذا الشعار، ولذا كان لهم الصوت ولا ننسى أنهم أصحاب تجربة من حيث الشحذ والتجنيد إعلاميا أو من ناحية مراقبة الانتخابات وتوجيهها على نحو يخدمهم. إذن كان انتصارا لقوة منظمة على حساب قوة تدعي الحداثة و التقدم، ولكن ينقصها التنظيم والشحذ بين الجماهير التي آمنت بأن الأمل أتى مع التيار الإسلامي، ولكن مجريات الأحداث بدأت تعطي مؤشرات ورسائل عكس ما كانت تتوقعه الجماهير في المناطق التي شهدت الثوران، والحالة مخصصة هنا في الحالة المصرية والتونسية والليبية. لا ننسى أن صعود الإسلاميين في الحالة المغربية كان مبرمجا اتقاء لإمكانية الثوران إزاء الحالة الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها الشعب المغربي. الأمور لم تستقر لعدة أسباب، أولا نتيجة اعتقاد الإسلاميين الخاطئ أنه يمكن قيادة المجتمع وفق رؤية أحادية التصور والمشروع، ورغبتهم في القيادة بمعزل عن القوى السياسية والاجتماعية المخالفة لهم في الرأي والتصور والتوجه. ثانيا أن الإسلاميين لا زالوا يقودون عملية التغيير وفق منطق الجماعة وليس منطق الدولة وهذا أدى إلى نفور جانب كبير من الجماهير التي كانت تنظر إليهم بنظرة أمل. أولا لا ننسى أن الإسلاميين لا خبرة لهم بتسيير الشأن العام، إنهم اعتادوا على تسيير الأمور بمنطق ووسائل النضال وليس بمنطق الدولة. ثانيا أنهم أصبحوا يسيرون الشأن العام ومؤسسات الدولة بمنطق الانتماء إلى الجماعة وليس بمنطق الكفاءة والخبرة، وهذا أدى إلى بروز مجموعة من الإشكاليات قد تتماهى - أي تتداخل - مع نفس الممارسات الخاطئة و غير المسؤولة التي كانت في الأنظمة السابقة، بل إن الإسلاميين أصبحوا يمثلون بالنسبة للجماهير الثائرة، قوة تعويض، وليسوا قوة تغيير وخاصة في المجال الإقتصادي، أي أنهم عوضوا الفئات التي كانت تهيمن على ثروات البلد، وأذكر مصر تحديدا، حيث انتقلت السلطة الاقتصادية من رموز النظام القديم إلى رموز جماعة الإخوان المسلمين، وقد تكون الحالة مشابهة في تونس لكن ليس بنفس المقياس، ولكن من حيث المطالب، إذ أصبحت تنادي بنفس الامتيازات التي كانت لدى رموز النظام السابق الفاسدة. من المتوقع أن ينفر هذا منهم الصوت الانتخابي، وقد يذهب إلى جهات معاكسة لهم تماما من حيث الرؤية والتصور لمشروع المجتمع. أولا الإخوان في مصر وتونس هم قوة منظمة منذ مدة وخاصة في الحالة المصرية، لا ننسى أن الإخوان في مصر ليست أول مرة يدخلون فيها الانتخابات، بل دخلوا الانتخابات البرلمانية وكان لهم تمثيل لا بأس به في فترة حكم الرئيس السابق حسني مبارك، إذن هم متعودون على العملية الانتخابية من حيث التنظيم والتجنيد على مختلف المستويات، فيما الحركة السلفية في مصر هي حركة مختلفة تمام الاختلاف، فهي كانت ترفض العملية الانتخابية وتعتبرها غير شرعية عقائديا، بل إن بعض التوجهات في الحركة السلفية كانت ترى أنه لا تغيير إلا ب “حد السيف"، وأذكر منها “حركة الجهاد" التي تحولت إلى حزب سياسي تمت تسميته “حزب البناء" وتدعو إلى التغيير السلمي بالانتخابات إلى جانب تيارات على شاكلة “حزب النور"، الآن هناك عدد من الأحزاب السياسية السلفية في مصر ولم يكن متوقعا على الإطلاق هذا التفريخ السريع للأحزاب التي خرجت من المنطق العقائدي للحركة السلفية والتي لم تكن مهيأة تنظيميا للانتخابات، مثلما هو عليه الحال في مصر، حاليا أصبحت قوة سياسية انتخابية قد تنافس حركة الإخوان المسلمين وتنظيمها الحزبي “العدالة و التنمية". إذن لا يمكن قياس ما تحصلت عليه السلفية في الانتخابات الماضية ولكن لابد من التريث لمعرفة حقيقة حجم هذا التيار بكل تنظيماته الحزبية والجمعوية في الاستحقاقات المقبلة. إن الحالة في تونس مختلفة تماما، لقد وقع تحالف ضمني وغير معلن بين الحركة السلفية والإخوان الممثلين في النهضة، لكن التيار السلفي الآن في حالة تصادم ومواجهة مع التيار الإخواني نتيجة الاختلاف في الرؤية، ومناهج التغيير، والمشروع الذي يقوم بالنسبة للإخوان المسلمين على المزاوجة، والصفاء العقائدي بالنسبة للتيار السلفي . إذن الحالتان مختلفتان، أما الحالة الليبية فهي خاصة والتيار الإخواني هناك يمزج بين دين القبيلة والرؤية الإخوانية، عكس التيار السلفي الذي لا يختلف عن مثيله في تونس من حيث الصفاء العقائدي وفي بعض الأحيان من حيث وسائل التغيير، وهنا نتكلم تحديدا عن جماعة “النصرة" في المنطقة الشرقية لليبيا. فوز الإسلاميين في الانتخابات .. قلت إنه أمر طبيعي في مرحلة تاريخية معينة، الأمور تغيرت الآن، والإسلاميون كانوا يمثلون حالة أمل، والآن هم حالة مجردة أثبتت في كثير من الأحيان أنها تتعاكس وطموحات الشعوب العربية من حيث التقدم وتحقيق العدالة الاجتماعية، والتنمية، ومشروع المجتمع، إذن مشاركة الإسلاميين إما في الحكم مثلما حدث في الجزائر أو قيادتهم للمرحلة الانتقالية على نحو ما يحدث بمصر، أعطت نتائج عكسية بالنسبة لبقائهم في الحكم أو لإعادة انتخابهم بنفس القوة والحجم، وبهذا نقول إن الإسلاميين أصبحوا يمثلون فصيلا سياسيا مثل الفصائل الأخرى. ليبيا هي حالة استثنائية، دائما عندما ننظر إليها، لا ينبغي أن يكون ذلك من منطلق التوجهات الإيديولوجية ولكن من منطق القيم ومعايير القبيلة التي تتحكم في العملية السياسية في ليبيا عموما. لا ننسى أن القيادات الإسلامية التي تقود العملية الانتقالية في الدول العربية المذكورة، تربت على منطق “السمع و الطاعة"، فكل القيادات التي لا زالت تقول بهذا المنطق أو خاضعة له لا يمكن أن تتجرد من تأثيرات وتوجيهات الحركة الأم، مثلما هو عليه الحال بالنسبة لحركة النهضة وكذلك حزب “العدالة والتنمية “ في مصر، أما الرموز التي أرادت التخلص من منطق “السمع و الطاعة" فقد انفصلت نهائيا عن الحركة الأم وأتحدث هنا عن السيد"أبو الفتوح"، بمصر، الذي كون حزبا سياسيا جديدا لا يخضع لمنطق الإخوان، هو حزب “مصر القوية “الذي خرج عن “السمع والطاعة"، بل خرج عن منطق حكم المرشد. أولا لا يمكن القول بالتمسك بالأحكام الفقهية السابقة، على فترة الممارسة الحالية، وعلى الإسلاميين الخروج من منطق الحكم بالأحكام الفقهية إلى منطق الحكم بالضرورات السياسية والاجتماعية .. إذا أرادوا النجاح. هي الموقف من الآخر المخالف وخاصة فيما يتعلق بالحريات الاجتماعية بمنطقها الشامل وغير المجزأ وغير الخاضع للأحكام الفقهية ذات الطابع الاجتهادي. أولا، تاريخيا، لم تطبق الشريعة أبدا وفق ما يتحدثون عنها، والشريعة أحكام، وما كان صالحا للأمة في فترة تاريخية لا يمكن أن يكون صالحا لها الآن، ونحن في فترة ذوبان الجزء في منطق الكل، وحتى وعي الشعوب العربية تجاوز منطق الأحكام وانتقل إلى منطق التوافق. بالفعل ما يحدث الآن من تفاعلات في المنطقة العربية ما هو إلا انفجار جملة من التناقضات التي يعرفها المجتمع، فهي أمر طبيعي نتيجة انكسار الكوابح التي كانت تمنع هذه التناقضات من الظهور إلى السطح.