يرى المتتبعون أن رياح التغيير التي أتت بها "ثورة 25 جانفي" في مصر قد بلغت أعتاب التيار الإسلامي الذي استفادت قواه من تغيير الموازين بعد سقوط حكم الرئيس السابق حسني مبارك في الوقت الذي تدعو فيه قوى سياسية إلى تشكيل ائتلاف لمواجهة "تديين السياسة". وكانت أولى هذه القوى "جماعة الإخوان المسلمين" التي سقط عنها لقب المحظورة وخرجت للعمل علنا وأعلن مكتب الإرشاد عن تأسيس حزب "الحرية والعدالة" وأسند محمد بديع مرشد الجماعة قيادته إلى سعد الكتاتني عضو مكتب الارشاد. وان كانت جماعة الإخوان المسلمين محظورة قانونا في الفترة السابقة إلا أن ذلك لم يمنعها من النشاط والدخول في تحالفات مع الأحزاب الشرعية مثل حزب الوفد الليبرالي في انتخابات 1987 وحزب العمل في التسعينات وحصلت في 2005 على 88 مقعدا وأخيرا في انتخابات 2010 لم تفز بأي مقعد بعد انسحابها في الجولة الثانية من الانتخابات التي طالتها اتهامات تتعلق بالتزوير. وتعاني هذه الجماعة حاليا من حالة "احتقان داخلي شديد" كما كشف بذلك قيادي إخواني للصحافة المصرية. وقال أن هذه الحالة فجرها القرار الخاص بمنع أعضاء الجماعة من الانضمام الى أحزاب أخرى غير حزب"العدالة والحرية". وقال إبراهيم الزعفراني الذى يعد أحد أشهر قيادات الجماعة والذي استقال رسميا من الاخوان أن الجماعة تعانى من "غياب المحاسبة بداخلها إضافة إلى أن القواعد التي كانت تحكمها قبل ثورة 25 جانفي لم تعد تصلح حاليا". كما تتعرض الجماعة إلى انتقادات حادة من شباب "الإخوان" الذين أسهموا في "ثورة 25 جانفي" ضمن ما يسمى بائتلاف الشباب. وقد ظهر ذلك جليا عندما نظم شباب الإخوان المسلمين مؤتمرهم مؤخرا في القاهرة الذي لم ترض عنه قيادات الجماعة. وأكد المتدخلون في المؤتمر على أهمية "إطلاق الحريات العامة داخل الجماعة والمشاركة في صناع القرار وقبول الفكر النقدي" وطرح شعار "الفهم والطاعة" كبديل عن مبدأ "السمع والطاعة" التى اعتمدته الجماعة على مدى نحو ثمانية عقود. وقد أثار "تمرد" الشباب "قلقا" لدى قيادات الجماعة بالرغم من محاولة تقليلها من هذا الأمر حيث أكد عضو مكتب إرشاد الجماعة عصام العريان أن "الاخوان لم تضع يوما حواجز على حرية الفكر أو التواصل مع الشباب الإخوان". وشدد على ان الجماعة أمام واقع جديد يفرض على الجميع التعامل وفق مقتضياته. ويرى المحللون ان "ثورة 25 جانفي" أفرزت أيضا صعودا لافتا للجماعات السلفية على الساحة السياسية في مصر التى طالما ابتعدت عن السياسة لقناعة بعضها بعدم جدوى الانشغال بها. وقد تسارعت فى الأيام الأخيرة وتيرة الحوادث التى نشرتها الصحافة المحلية ونسبتها لسلفيين كهدم الكنسية في قرية صول باطفيح بمحافظة حلوان وحادثة قطع اذن مواطن قبطي الى جانب هدم بعض الأضرحة التاريخية ومنع حلقات الذكر و طرد خطباء المساجد التابعين لوزارة الأوقاف وغيرها من الأعمال التى لقيت استنكار كافة شرائح المجتمع المصري وخاصة شيوخ الصوفية الذين حذروا من فتنة كبرى وطالبوا بتدخل المجلس العسكري. وذكرت تقارير صحفية ان أكثر من 90 ندوة ومؤتمرا نظمتها "الدعوة السلفية" بمساجد ومراكز الشباب بمحافظات مصر منذ "ثورة 25 جانفي" في محاولة للرد على الاتهام بشأن استخدام العنف. واتهمت قيادات سلفية الاعلام "المظلل" الذي "أخذ يرمي الدعوة بالباطل دون التحقيق ودون التأكد من الحقيقة". غير أن بعض المحللين ومنهم الكاتب الصحفي وائل لطفي يعتبر أنه مما يزيد من مساحات الغموض المسيطر على المشهد هو تعدد الفصائل السلفية حيث إلى جانب الدعوة السلفية بالاسكندرية هناك سلفيو أنصار السنة والجمعية الشرعية والمتحلقون حول نجوم الدعوة السلفيةK فضلا عن العناصر السلفية الجهادية من المفرج عنهم مؤخرا. وقد تصاعدت ردود الفعل الغاضبة من أعمال الحركات السلفية حيث شدد أمين المشيخة العامة للطرق الصوفية احمد خليل على استحالة قبوله أي حوار مع جماعات متشددة ترفض قبول الآخر ومعتقداته. وهدد الشيخ عبد الخالق الشبراوي شيخ الطريقة الشبراوية بالرد بالقوة على التجاوزات السلفية. وحذر من جهته مفتي الجمهورية علي جمعة من ما وصفه "باحتكار" التحدث باسم الاسلام مشددا على انه ينبغي على الجميع احترام التنوع والتعددية. وقال ان "الدين لن يكون وسلية قمع واقصاء". وفي هذا السياق، حذر عدد من المحللين من ان الخطر الكبير الذي ينتظر الشارع السياسي المصري هو دخول لاعبين جدد من شأنه ان يحول المنافسات السياسية الى مجابهات طائفية. وفي ظل هذا التخوف من الآتي قام نحو 19 حزبا وحركة سياسية في الإسكندرية مؤخرا بتأسيس "الائتلاف المدني الديمقراطي" بهدف تجميع كل القوى المدنية فى الشارع الاسكندري و مواجهة ما سموه "تزايد مظاهر المد الديني وخلطه بالسياسة". وطالب البيان التأسيسي للائتلاف بإقامة دولة القانون والمؤسسات ووضع دستور جديد لدولة مدنية تقوم على مبادئ المواطنة والديمقراطية. كما أعلنت "الجمعية الوطنية للتغيير" التي يتزعمها المرشح لرئاسة الجمهورية المعارض محمد البرادعي عن سعيها لبناء "ائتلاف مدني ديمقراطي" واسع يضم كل المصريينمن الأحزاب والشخصيات العامة وكل الفئات الاجتماعية الرافضين لتديين السياسة والخلط بين الدين والسياسة وبين العملين الدعوي والسياسي. ومن اجل تبديد هذه المخاوف اكد المجلس الاعلى للقوات المسلحة القائم بادارة الامور في مصر منذ فيفري الماضي انه لن يسمح لتيارات متطرفة بالسيطرة على مصر. وقال ان السلطات قد اتخذت كل الاجراءات اللازمة وأشار في نفس الوقت الى إن " مواجهة الفكر يجب أن تكون بالفكر" مشددا على أهمية دور الازهر الشريف فى مواجهة الافكار المتطرفة.وأكد على أهمية الحوار الوطنى بعد تعديله بالصورة المطلوبة بما يضمن تعبير كافة الوان الطيف المصرى عن ارائها وبما يفيد مستقبل البلاد.