لا شك في أن الولاياتالمتحدةوروسيا ترغبان في أن تكون لهما الكلمة الفصل في إدارة الأزمة السورية وإيجاد تسوية سياسية لها تضمن مصالحهما فيها خصوصا وفي دول الإقليم عموما. لكن الرغبة شيء والقدرة على تحقيق هذه الرغبة شيء آخر. فلو كانت أيدي واشنطنوموسكو مطلقة في هذا المجال لانتفت الحاجة إلى المؤتمر الدولي الذي توافقتا عليه أخيرا. كان يكفيهما تفاهم ثنائي لفرض التسوية التي تريدان. الواقع يوحي بخلاف ما تريده موسكووواشنطن تماماً. فقبل الحديث عن الدور الأساس للقوى السورية المتصارعة والدور المتعاظم للقوى الإقليمية، يكفي النظر إلى تخبط كل من الأميركيين والروس في مواقفهم غداة الاتفاق على المؤتمر الدولي من حيث رؤيتهم للحكومة الانتقالية، ودور الرئيس الأسد في المرحلة الانتقالية، ولائحة الدول والقوى التي ستدعى إلى “جنيف 2"، ودور الجيش والمؤسسات الأمنية ومستقبلها...الرغبة شيء والواقع على الأرض شيء آخر. موسكو، على رغم الصخب الكبير الناتج من دورها في الأزمة السورية، لم تخرج بعد سنتين من عمر هذه الأزمة إلا ب«انتصارين": فرض وزير خارجيتها سيرغي لافروف نفسه لاعبا دوليا رئيسيا على الساحة الديبلوماسية الدولية بعد غياب طويل عنها، واستخدام بوتين سوريا لتعزيز سلطته داخل روسيا. يمزح من يعتقد أن الروس يمسكون بكل أوراق النظام أو أنهم قادرون على إقناع الرئيس الأسد والحلقة المحيطة به بالبقاء بعيدا من الحكومة الانتقالية، وخصوصاً بعد “الانتصارات" في ريف حمص وفي “حرب الاوتوسترادات" والشريط الحدودي مع الأردن. في المقابل، واهم من يعتقد أن لدى الأميركيين قدرة على دفع المعارضة إلى الحوار مع النظام. الأرجح أن قلة فقط من المعارضين السوريين باتت تثق بواشنطن بعدما صنفت فصيلهم الأقوى والأفعل على الأرض “جبهة النصرة" منظمة إرهابية، وحرمت “الجيش السوري الحر" حاجته الماسة إلى سلاح دفاعي يحمي به أفراده ومناطقه “المحررة"، وعمدت إلى تقليص سطوة “الإخوان" على ائتلاف “الثورة" ومجالسها. المعارضة مشتتة والنظام لا يسمع لأحد. والحضور الإقليمي على الساحة السورية يبدو أفعل من الحضور الدولي. للكل حساباته. من إيران إلى إسرائيل، ومن العراق إلى تركيا ولبنان والأردن، والسعودية وقطر ومصر. باتت هذه الدول مكونا أساسيا من مكونات الخريطة السورية الجديدة. لكل منها أجندتها ومصالحها الاستراتيجية. هذه الدول تعلمت من الدروس الإيرانية في العراق بعد الغزو الأميركي أن الجغرافيا أقوى من السياسة والعسكر أحيانا، وأن في إمكان الدول الصغرى أن تصنع سياساتها الخاصة بمعزل عن مصالح الدول الكبرى وبالتعارض معها أحيانا. والحال هذه، قد يولد المؤتمر الدولي ميتاً بينما الدوامة السورية تستمر. *نقلاً عن “النهار" اللبنانية