يقدر المهنيون والمتعاملون الجزائريون في القطاع السياحي وجود حوالي المليون ونصف المليون سائح جزائري يذهبون سنويا إلى الخارج، ولا سيما دول الجوار، من أجل الاستجمام وتلبية رغباتهم في مجال السياحة، وفي ظل التعقيدات التي أصبحت تعيشها دول الجوار ولا سيما تونس التي كان يذهب إليها الجزائريون بكثرة قبل الإطاحة بنظام بن علي، فضلا عن اقتصار تنقل السياح إلى المغرب عن طريق الرحلات الجوية، تتنامى التساؤلات حول قدرة السياحة الداخلية على تلبية طلبات الجزائريين في هذا المجال في ظل نقص الهياكل السياحية، ولا سيما الفنادق، وبالتالي بقاء أسعار الإقامة في سقف مرتفع تزامنا مع قلة العرض قياسا إلى الطلب وعدم الوصول إلى مرحلة الإشباع وبالتالي المنافسة بين المتعاملين. خلال سنوات الثمانينيات كانت هناك بعض الحركية في مجال السياحة الداخلية ببلادنا، لكنها سرعان ما انحسرت خلال تسعينات القرن الماضي بفعل تدهور الأوضاع الأمنية، وحسب نجاح بوجلوة الأمين العام للفيدرالية الوطنية لجمعيات وكالات السياحة والأسفار، فإنه مع حلول سنة 2007 تحركت الأمور في مجال السياحة الداخلية في بلادنا، حيث “كنا طرفا في وضع خارطة طريق مع الوزارة الوصية لا سيما وأن السياحة هي مسؤولية عدة أطرف" ولكون “تطوير السياحة يتطلب تطوير الأقطاب السياحية" وفق التعبير الذي استعمله ذات المصدر. وأكد نجاح بوجلوة أن دور الفيدرالية هو بذل مجهود من أجل وضع منتوج خاص بالعائلات الجزائرية، حيث تحدث ذات المصدر عن اجتماع تجاري “يسمح لنا بتحضير عرض يناسب عائلات الجنوب" في اتجاه السياحة الداخلية صوب الشمال ولا سيما، كما قال، في شهر رمضان، حيث “نحاول اقتراح إقامات في الفنادق خاصة وأن نسبة شغل الفنادق في رمضان متدنية، وهذا ما يمكننا من تحضير الموسم الصحراوي الذي يبدأ أواخر أكتوبر وعرض منتوج سياحي للعائلات في الشمال داخل الجنوب الجزائري". وحسب ذات المتحدث، فإن هذه الديناميكية هي “التي تسمح لنا بحلحلة الأمور وعلى نحو يفضي إلى أثار مباشرة في السياحة والنقل وغيرها، فضلا عن كون هذه الحركية تجتذب السياح الأجانب". ولا يخفي ذات المتحدث أن المشكل الذي كان مطروحا “من قبل هو مشكل الأسعار ولكن منذ نشوء الفيدرالية الوطنية للفندقة الجزائرية وكذا نشوء الفيدرالية الجزائرية للدواوين المحلية “تحسنت الأمور في هذا الاتجاه مع الإشارة إلى أن ما يعرف بالديوان المحلي للسياحة هو جمعية محلية تطوعية تعمل على تنمية السياحة في المنطقة التي تنشط فيها، كما أن هذه الدواوين تعمل على ما يعرف بالسكن عند المواطن في إطار السياحة". وأكد بوجلوة نجاح أنه في مجال السياحة الداخلية “نحتاج إلى فندقة متوسطة ونحن نطلب أن تكون المشاريع المستقبلية في القطاع تلبي حاجات العائلة الجزائرية وليس فقط من خلال توفير نموذج الغرفة أو الغرفة المزدوجة، والفندقة الحالية تلبي رغبة رجال الأعمال الأجانب وليس العائلة الجزائرية كما أن الفندقة الحالية تشكل منتوجا تصديريا فقط". وطلب ذات المصدر، الذي هو في نفس الوقت المكلف بالإعلام والناطق الرسمي للفيدرالية المشار إليها، من السلطات العمومية بأن “تكون الهياكل المستقبلية في القطاع السياحي تستجيب لمتطلبات السوق الداخلية والتي هي بالأساس عائلية" فضلا عن كون الشباب يشكل عنصرا أساسيا آخر في هذه السوق وفق ذات المتحدث دائما الذي يضيف بأنه في السياحة الداخلية ليس هناك الفنادق فقط ولكن هناك أيضا الهياكل والمرافق الساحلية والترفيهية والتخييم. وقدر نجاح بوجلوة عدد السياح الجزائريين الذين يستهلكون منتوجا سياحيا أجنبيا بحوالي مليون و600 ألف سائح لا سيما كما قال في الدول المجاورة، مضيفا بقوله “إذا استطعنا استقطاب 50 بالمائة منهم، فإن ذلك سيكون ربحا حقيقيا للاقتصاد الوطني"، حيث يقدر ذات المصدر أن المبلغ الذي ينفقه السائح الجزائري البالغ خلال مدة إقامة معلومة يصل إلى حدود 600 أورو وهذا دون احتساب نفقات خاصة أخرى حسبه دائما. ويؤكد بن شعبان محمد العربي وهو مستثمر في مجال السياحة بولاية عين تموشنت على قيمة هذا المبلغ الذي ينفقه السياح الجزائريون، مضيفا بأنه كان دائما يفكر في كيفية اجتذاب مليون و600 ألف سائح جزائري يتدفقون خصوصا على دول الجوار من أجل طلب الراحة والاستجمام ومنح إقامة لعائلة جزائرية متواضعة بسعر معقول.. الأمر الذي جعله في نهاية المطاف، ومن خلال طبيعة مشاريعه في الجزائر، مؤسس ما يعرف ب “الفندق الشققي" الخاص بالعائلات. ويؤكد ذات المصدر أن هناك عراقيل يجدها المستثمرون في القطاع السياحي في الميدان، حيث يشير إلى صعوبة حصول المستثمر على العقار السياحي فضلا عن وجود مشاكل في التمويل على مستوى البنوك نابعة، كما قال، من سيطرة هاجس تجريم التسيير على مسؤوليها لا سيما وأن المخاطر “موجودة حتى في الدول المتقدمة". ويعطي ذات المتحدث نظرة عملية، من خلال تجربته، حتى يمكن جذب هؤلاء السياح الجزائريين ومنحهم إقامة جيدة، مشيرا إلى أن الأمن متوفر عموما لكن لابد من العمل في اتجاه تكريس الطمأنينة وعدم إزعاج السياح في الشاطئ مع اعتماد جودة في الخدمات وبأسعار متكافئة مع النوعية من خلال التحكم في معادلة النوعية - أسعار، ولأجل ذلك فإن المستثمرين عليهم العمل في اتجاه أن يكون العرض أكبر من الطلب وهو ما يوفر المنافسة في نهاية المطاف. وحتى نصل إلى هذا المستوى، لا بد، وفقا لهذا المستثمر، أن تكون هناك مرافقة من جانب السلطات العمومية من ناحية المرونة الإدارية والجانب المالي وكذا من خلال مسائل العقار السياحي، حيث يتم ذلك كله، وفقه دائما، من خلال “شباك واحد حقيقي" وليس كما هو معمول به حاليا، حيث “يعتبر الشباك الوحيد الموجود حاليا غير فعال ويقوم بمنح لائحة أفضليات فقط". ويملك هذا المستثمر مركبا سياحيا عائليا في “ترقة شاطئ" في عين تموشنت فضلا عن مشروعين آخرين يتعلق أحدهما بفندق تالاسو أشغاله متوقفة حاليا بسبب نقص التمويل، فضلا عن مشروع آخر خاص بالفندقة الشققية، الأشغال متوقفة به أيضا لكون المعني لم يتحصل على الموافقة المبدئية من جانب الوزارة الوصية، وفق ما تنص عليه القوانين السارية المفعول التي تشير إلى ذلك عندما يكون المشروع قيد الإنجاز ضمن منطقة توسع سياحي، حيث ينبغي أن يكون مدرجا ضمن مخطط للتهيئة السياحية، غير أن هذا الأخير لم ينجز بعد على مستوى عين تموشنت، وفق ذات المتحدث دائما. من جانب آخر، أكد الطيب خطاط، مدير الأسواق العربية بالمكتب الوطني المغربي للسياحة، أن ما يتم الحديث عنه من أن النقص الموجود في السياحة الداخلية بالجزائر هو الذي يدفع السياح الجزائريين إلى التدفق على دول الجوار هو أمر صحيح نسبيا من ناحية أن الجزء المهم من هؤلاء السياح، كما قال، يذهب إلى تونس بالنظر، وفقه دائما، إلى أن السياحة نحو المغرب تتم عبر رحلات جوية فقط تبعا لغلق الحدود البرية بين البلدين. وأكد المدير بهذا المكتب التابع لوزارة السياحة المغربية، أن هناك عوامل تشجع على السياحة، حيث ذكر منها مسألة عدم وجود قيود على الصرف، مضيفا بأن السياحة الداخلية في المغرب قوية باحتساب عدد ليالي المبيت للسياح الداخليين وهي تمثل، كما قال، ما بين 20 و25 بالمائة من مجموع ليالي المبيت في المغرب. كما أكد ذات المصدر أن هذه النسبة في مجال السياحة الداخلية في المغرب تختلف حسب المدن المغربية، غير أنها “مهمة" وتعتبر، حسبه، من المقاييس التي تجعل البلاد سياحية بامتياز، مشيرا بقوله “نحن نتعامل معها كسوق من الأسواق الخارجية من حيث الأهمية، حيث لا بد أيضا من إقناع المواطن المغربي عن طريق التسويق". وتحدث ذات المسؤول في المكتب الوطني المغربي للسياحة، وهي هيئة تتكفل بترقية صورة السياحة المغربية في الخارج، عن عدد من العوامل التي عملت على إنجاح السياحة الداخلية المغربية، مشيرا إلى أنها تتمثل، في جانب منها، في اختيار السياحة كتوجه اقتصادي في المغرب منذ الستينيات، حيث أصبحت - كما قال - ركيزة في الاقتصاد المغربي ومن ثم إنشاء البنية التحتية والاستجابة لحاجات العائلات. وذكر ذات المتحدث عوامل أخرى تتمثل في توفير المنتجعات السياحية المتكاملة من حيث مستلزمات الترفيه على اعتبار أن العائلات تكون - كما قال - مع الأطفال، فضلا عن “افتتاح مراكز تجارية كبرى على نحو يتيح التسوق في ظل التقاليد"، كما تحدث ذات المصدر عن الأهمية القصوى للتكوين في هذا المجال.