تجاوزات على الهداف    نسعى إلى حماية المال العام    منصوري تستقبل شينغينجي    الجزائر تؤكد التزامها بدعم دول إفريقيا    معالجة أزيد من 31 مليون طن من البضائع    قطاع النسيج يتعزّز    الجزائر تتعرّض لمؤامرة كبرى    استشهاد 600 طفل في غزّة خلال شهر    غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 51305 شهيدا و117096 جريحا    المؤرّخ الفرنسي لافاي يستعرض أبحاثه    بطولة الرابطة الأولى: رئيس الاتحادية يدعو الأندية إلى ضمان السير الحسن للمقابلات في إطار التنافس النزيه    مولوجي تبرز جهود حماية ذوي الاحتياجات السمعية    قسنطينة: إعادة تشغيل المصعد الهوائي للمدينة    أكدنا تطلع الطرفين لتجسيد خارطة الطريق المتفق عليها    تراجع أسعار النفط بأكثر من 2 بالمئة    الاعلان عن نتائج الدورة الثالثة أفريل 2025 للالتحاق بمهنة مترجم    وفاة 39 شخصا وإصابة 1526 آخرين بجروح    مجمّع "ليون" الماليزي يريد الاستثمار في بالجزائر    حياة النشطاء مهدّدة والاحتلال المغربي يصعّد من القمع    التدخّل الدولي الإنساني العاجل في غزة ضرورة قانونية وأخلاقية    توقيف أشخاص حرّضوا على المضاربة في منتوج البطاطس    تواصل جلسات إثراء القانون الأساسي والنظام التعويضي لأسلاك التربية    الجزائر بحاجة إلى جبهة إعلامية موحّدة    الإعلان عن تشكيل جمعية للجزائريين المقيمين بهولندا    تفكيك شبكتين وضبط 4 قناطير من الكيف مصدرها المغرب    تقييم العمليات الخاصة بإعادة تأهيل السد الأخضر    مسابقة وطنية لأفضل فيديو توعوي لمكافحة المخدرات    وفد روسي بالوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار للتعرف على المنظومة الاستثمارية الوطنية    تمنراست : بتكليف من رئيس الجمهورية وزير الثقافة والفنون يقدم واجب العزاء إلى أسرة الراحلة بادي لالة    "الخضر" يواجهون رواندا بقسنطينة وهذه خطة بيتكوفيتش    الذكاء الاصطناعي.. هل يزيد البشر غباءً؟    التدخلات الجراحية ليست ضرورة لعلاج انسداد شريان الرقبة    انتخاب كمال سعيدي عضوا في المكتب التنفيذي    المنتخب الوطني يقص شريط المنافسة أمام غانا    العدوان الصهيوني على غزة: التدخل الدولي الإنساني العاجل في القطاع ضرورة قانونية وأخلاقية    تقاطع المسارات الفكرية بجامعة "جيلالي اليابس"    الحقل التكويني رهين بقدرة التفكير الجماعي واتخاذ القرارات الجريئة    هدّاف بالفطرة..أمين شياخة يخطف الأنظار ويريح بيتكوفيتش    البطولة السعودية : محرز يتوج بجائزة أفضل هدف في الأسبوع    كرة القدم :"الخضر" يواجهون منتخب رواندا وديا يوم 5 يونيو المقبل بقسنطينة    دراسة آليات بيع الأضاحي المستوردة    رقمنة القطاع ستضمن وفرة الأدوية    تنظيم مسابقة وطنية للطلبة لأفضل فيديو توعوي لمكافحة المخدرات    كرة القدم: وليد صادي يجتمع بحكام النخبة في لقاء للتوعية حول الجولات المتبقية من البطولة    تمنراست: الكتابة والنشر ضمن أولويات برنامج المحافظة السامية للأمازيغية    حوادث الطرقات: وفاة 39 شخصا وإصابة 1526 آخرين بجروح في ظرف أسبوع    فرصة للشركات الجزائرية للتغلغل أكثر في السوق الإفريقية    تحدي "البراسيتامول" خطر قاتل    صناعة صيدلانية: رقمنة القطاع ستضمن وفرة الأدوية و ضبط تسويقها    قسنطينة : اختتام الطبعة 14 للمهرجان الثقافي الوطني للشعر النسوي    موضوع ندوة علميّة : إبراز جهود جمعيّة العلماء المسلمين في النّهوض بالمرأة والأمّة    هذه مقاصد سورة النازعات ..    سايحي: "تطوير مصالح الاستعجالات " أولوية قصوى"    تسهيل وتبسيط الإجراءات أمام الحجّاج الميامين    هذه وصايا النبي الكريم للمرأة المسلمة..    ما هو العذاب الهون؟    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مؤسسة "فارتالج" تحضر لأول دعوى قضائية ضده وضد البنك.. شكيب خليل حطّم استثمارا جزائريا ب 120 مليون دولار بمعية ال BNA
نشر في الجزائر نيوز يوم 26 - 06 - 2013

يعتزم الرئيس المدير العام لمؤسسة «فارتالج» المنتجة للأسمدة، بمعية فريقه، إيداع شكوى لدى العدالة الجزائرية ضد وزير الطاقة السابق شكيب خليل والبنك الوطني الجزائري، لتسببهما المباشر -حسب أصحاب القضية في تحطيم استثمار جزائري ضخم تقدر قيمته ب 120 مليون دولار يتمثل في مصنع لأسمدة اليوريا نيترات الأمونيوم، دشنه الرئيس عبد العزيز
بوتفليقة شخصيا في ماي 2002 على أساس أن هذا الاستثمار سيوفر للجزائر إنتاجا يقدر ب 425 ألف طن سنويا، ويُجنبها استيراد 100 ألف طن من هذا النوع الهام للأسمدة في عالم الزراعة، ليتوجه فائض الانتاج عن السوق الوطنية إلى فرنسا وألمانيا وبلجيكا والولايات المتحدة الأمريكية، في شكل تصدير مضمون البيع، لحاجة السوق الدولية المستمرة لهذا النوع من الأسمدة، إلا أن الذي حدث كان مرعبا ومخيفا، يؤكد وجود أعداء للجزائر في أعلى هرم السلطة يعملون على تكسير عمدي للاقتصاد الوطني لمصالح خفية، إذ أوقف البنك الوطني الجزائري التزامه بتمويل المصنع الذي وصل إلى 95 بالمائة، مباشرة بعد أن أبلغ شكيب خليل الرئيس المدير العام للمصنع بأن استثماره سيختفي قائلا له: "مكانك ومكان المصنع ليس هنا".. بالمقابل سمح خليل بعد فترة قصيرة للأجانب بالدخول للاستثمار في المجال ذاته، بتمويل من البنوك العمومية وبقيم مالية خيالية وتنازلات اقتصادية خادشة للسيادة الوطنية، في حين كان المصنع الجزائري قاب قوسين أو أدنى للشروع في الإنتاج.."الجزائر نيوز" تملك الملف الكامل وتروي قصة سرية ومفزعة، قرّر ضحاياها كشف الكيفية التي يُحطم بها الأجانب أضخم الاستثمارات الوطنية لصالحهم بتواطؤ مباشر لمسؤولين جزائريين على رأس هيئات سيادية.
محمد عمير هو الرئيس المدير العام لمصنع "فارتالج"، المعنية بهذا الموضوع، قرر اللجوء إلى "الجزائر نيوز" بعد قرابة ثماني سنوات من المراسلات والمتاعب القضائية من أجل إنقاذ استثمار جزائري مائة بالمائة كان سيحتل المرتبة الأولى في مجال إنتاج الأسمدة الفلاحية بعد المؤسسات العمومية والوطنية في إفريقيا والمتوسط.
هذا ليس مجرد كلام لأن أحد فروع المصنع (UAN) كما تبيّنه بيانات رقم الأعمال الذي حققه في مجال التصدير نقول التصدير وليس الاستيراد ما بين 2000 و2005 هو 118.090.975.274 مليون دولار، أما رقم الأعمال المحقق منذ إنشاء المصنع في 1996 الذي لم يكن مدعما بعد بفرع إنتاج اليوريا، فقد وصل إلى 137.199.389.36 مليون دولار أي بتصدير ما يعادل 1.465.924.82 طن من يوريا نيترات الأمونيوم، بالرغم من أن اليوريا كانت تستورد ولا تُصنع بالجزائر. ولأن المصنع كان يتربع على مساحة هامة داخل المنطقة الصناعية لأرزيو وتحيط به منشآت وملحقات سوناطراك المنتجة لأنواع المواد الطاقوية، من كل النواحي، بحيث تمكنه من التموين غير المكلف ب «الغاز» «الأمونياك»، نضجت لدى مسؤولي «فارتالج» فكرة تصنيع اليوريا بالجزائر بدل الاستمرار في استيرادها، ما دامت الظروف المنشآتية والهيكلية القاعدية متوفرة بالمنطقة الصناعية ولا ينقصها سوى اقتناع بنك ما بتمويل المشروع، لتجنيب الجزائر استيراد ما قيمته 9 أو 10 ملايين دولار سنويا من أسمدة اليوريا (أي ما يعادل 100 ألف طن سنويا) التي تساهم في مضاعفة الإنتاج الزراعي بتكثيف نسبة الخصوبة مع تميزه بانعدام نسب الضياع في إنتاجه لكونه مادة سائلة وليس مسحوقا تقليديا، وتناسب اليوريا منتوج كل أنواع الحبوب والأشجار.
انطلاق المفاوضات مع البنك الوطني الجزائري
يقول الرئيس المدير العام ل «فارتالج» إن إقناع البنك الوطني الجزائري لم يكن بالأمر الهيّن، إذ كان ينبغي أن يقتنع المسؤولون بجدوى الاستثمار سواء على مستوى البنك أو على مستوى السلطات العمومية التي لها علاقة بالموضوع. وبعد مفاوضات عسيرة، استقرت قيمة تمويل مشروع إنتاج اليوريا الجزائرية الخالصة عند عتبة 60 مليون دولار من طرف البنك الوطني الجزائري. في نهاية المطاف اختير المشروع ليوضع على طبق للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ضمن أجندته لإحدى دورياته نحو وهران. لقد أشرف الرئيس شخصيا على إعطاء إشارة انطلاق الاستثمار في هذا المصنع الذي سطر هدف تلبية حاجة السوق الوطنية من مادة اليوريا، وضمان مدخول مستقر من العملة الصعبة للجزائر بالموازاة مع حاجة أكبر الاقتصادات في العالم لهذه المادة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبلجيكا وفرنسا وألمانيا، لكن الأهم في المشروع كان استقلالية الجزائر على مستوى إنتاج هذه المادة الحيوية للزراعة في البلاد، وتطوير الاقتصاد الوطني عبر إنشاء مصانع متخصصة جزائرية مائة بالمائة، للمساهمة في الخروج من عهد اقتصاد تابع للمحروقات.
لقد بدأ تمويل البنك فعليا وانطلقت أشغال إنجاز مصنع اليوريا على قدم وساق وفق أحدث المقاييس والتكنولوجيات الحديثة، بالموازاة مع دراسة جدوى للسوق الدولية التي أظهرت بيانات تلك الفترة، أن إنتاج 1200 طن يوميا من اليوريا كان ببيع مضمون في الداخل والخارج، خاصة وأن المركب كان الوحيد على النطاق القاري في إنتاج الأسمدة الكيميائية وبالتالي المتعامل الاقتصادي الخاص الوحيد في قطاع المحروقات الذي يقوم بتصدير منتجاته للخارج وبحقوق جزائرية خالصة لا رائحة للأجانب في حركة رؤوس أموالها.
ولقد أوصل تمويل البنك الوطني الجزائري المشروع الاستثماري إلى ما نسبته 95 بالمائة، فكان يرى أصحاب المشروع مع شريكهم البنكي بأن أحد أحلام جزائر الاستقلال بدأ يتحقق وهو مصنع في مجال الكيمياء يزود أرباب الاقتصاد في العالم بمنتوج جزائري خالص، إذ وصل تمويل البنك إلى 6.483.258.955.06 (مليار دينار)، ليتم التقدم بطلب قرض تمويل نهائي يقدر ب 2.4 مليار دينار فحسب، لإدخال المشروع قيد الاستغلال الفعلي وبالتالي الإنتاج.
يقول الرئيس المدير العام عمير محمد إن هذا القرض كان موجها أساسا إلى «مخطط تمويل عام للمشروع، منها المناولين المحليين في مجال تركيب آخر التجهيزات الخاصة بمياه البحر المحلاة وقنوات النقل، ثم وُجّه أيضا لتكوين المستخدمين الجزائريين ولتمويل عقد المرافقة التقنية للمشروع لضمان المستخدمين المتخصصين في مختلف فروع المصنع وأقسامه استعدادا للانطلاق الفعلي، وضمان رأس المال العامل لمدة ثلاثة أشهر».
كان المشروع سينطلق على أقصى تقدير بعد نيل آخر قرض في الثلاثي الثالث من عام 2006، على أن تتم إعادة استثمار مداخيل المصنع في غضون ثلاث سنوات من انطلاق المصنع في الإنتاج.
شكيب خليل يدخل على الخط لتهديم
كل ما تم تشييده
لم يكن أمام البنك الوطني الجزائري أي مانع لتمويل الجزء الأخير من المشروع، خاصة وأنه لم يكن لديه ما يخسره لأنه جعل المشروع مرهونا لديه بالكامل، وضامنا لمداخيل مستقرة من العملة الصعبة، يتمنى أي بنك آخر أن يكون مكانه لمردودية المشروع الكبيرة، حسب بيانات سوق اليوريا دوليا. لكن في نهاية 2004 وبينما كان المشروع على بعد إنهاء 5 بالمائة من الأشغال، لتدخل الجزائر عهدا جديدا بإنشائها مصنعا جزائريا خالصا وبيد عاملة محلية ووطنية خالصة أيضا، نزل وزير الطاقة إلى المنطقة الصناعية لأرزيو، حيث التقى بالرئيس المدير العام محمد عمير.. يقول هذا الأخير ل «الجزائر نيوز» إنه صُدم لسماعه عبارة غريبة على لسان الوزير «أنت بلاصتك ماشي هنا.. لو كان الأمر بيدي في الأول هاذ لوزين ما يكونش».. لماذا يا ترى قال وزير الطاقة هذا الكلام؟؟ ولماذا قالها الآن بعد أن وصلت نسبة إنجاز المصنع إلى 95 بالمائة، وليس من قبل؟ هل كان في المشروع خطأ ما كسوء تقدير أو تشكيله خطرا صناعيا على المنطقة الصناعية أو تهديده للأمن العام للبلد؟! هل كان المشروع الضامن لدخل مستقر من العملة الصعبة للخزينة العمومية خيانة؟!
يقول محمد عمير إنه لم يفهم للوهلة الأولى مقصد شكيب خليل من كلامه، الذي ترك في نفسيته أثرا بالغا، لكونه لم يكن مفسرا ولا مفهوما. الرجل من مدينة متليلي بغرداية لم يكن مسيسا ولا محسوبا على عصبة سياسية أو عسكرية في الجزائر، كان صاحب ثروة عائلية نمت مداخيلها من التجارة، كما يعرفه الجميع عن أهل ميزاب بالجزائر. لقد أدى عدم فهم عمير لكلام شكيب خليل إلى كارثة حقيقية عليه وعلى اقتصاد البلد.. كان على عمير أن يفهم أنه مع شكيب خليل لا مجال للصغار أن يكونوا على أجندته، فشكيب خليل يتعامل مع العلامات الكبرى الأجنبية فقط، أما الجزائريين النكرة الذين يعملون لصالح البلد في صمت والذين لا يستندون إلى الجماعات الضاغطة، فليس مرحبا بهم.
بالرغم من أن رسالة خليل لعمير كانت واضحة، إلا أن الرئيس المدير العام واصل إنشاء المصنع الجزائري، مطمئنّا إلى كونه مشروعا تضمنته أجندة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.. الرجل الذي قال يوما «لن أكون في هذا البلد بصلاحيات ثلاثة أرباع رئيس جمهورية». فبوتفليقة في نظر عمير محمد، ليس الرئيس الذي يشرف على إنشاء مصنع بقيمة 120 مليون دولار ليدعه ينهار في النهاية بسبب مؤامرات شخصية هدفها الانتفاع على حساب الخزينة العمومية مع الأجانب.. فهذه لن تفوت على بوتفليقة الرجل السياسي المحنك والمغوار كما يراه ولا يشك فيه، كثير من الجزائريين.
لكن بالرغم من الضمانات النفسية والوضوح القانوني والشرعي للصفقة بين «فارتالج» صاحبة المشروع والبنك الوطني الجزائري، إلا أن توقعات مدير عام المصنع جاءت مخالفة تماما للشعور الزائد بالاطمئنان على ما قاله خليل. فمباشرة بعد تلقيه عبارات وزير الطاقة آنذاك، بدأ البنك يشترط شروطا غريبة بعد تلقيه طلب «فارتالج» التمويل الأخير للمشروع الذي قلنا بأنه في حدود 2.4 مليار دينار فقط.
يقول الرئيس المدير العام إن البنك بدأ يطلب مثلا رفع رأسمال المصنع، كما بدأت على غير العادة تتباطأ بشكل مريب في دراسة ملف القرض لتمويل الشطر الأخير من المشروع الذي يُفترض أن تضغط على صاحبه لإتمامه، لكنها في الواقع بدأت تطالب صاحب المشروع بأقساطها الناتجة عن التمويل الأول للمشروع، مما وضع المركب بأكمله في ضائقة مالية كونه كان يعمل على صرف تكاليف المشروع وباقي الأعباء من وحدة نيترات الأمونيوم في انتظار الشطر الأخير لإنهاء المصنع كي يعود التوازن للميزان المالي للمركب.
يقول محمد عمير ل «الجزائر نيوز»، «إنني تلقيت رسائل شفوية عن طريق أشخاص في البنك، أن التمويل معطل لإنهاء المشروع بأمر من شكيب خليل».. هل يُعقل هذا؟! هل يُعقل أن يأتمر بنك بأوامر وزير طاقة؟! هل يُعقل أن يتم توقيف مشروع على بعد خطوة من المردودية وقيمته 120 مليون دولار ولفائدة البلد، هل فقد خليل عقله؟ وفقد كافة مسؤولي البنك الوطني الجزائري عقولهم معه؟!.. أمر لا يصدق!
بعد أن وصلت الإشارات لمدير عام «فارتالج» بأن تمويله موقف بأوامر من شكيب خليل للبنك الوطني الجزائري، بدأت المراسلات الداعية للانقاذ تنطلق من المركب صوب المسؤولين في وقت تعاني فيه الأجهزة والآلات الضخمة من عدم الصيانة وعدم الاستغلال والتآكل بفعل العوامل الطبيعية، لتدوم المراسلات لثماني سنوات كاملة دون رد، لم يسأل فيها الرئيس عن مشروع تضمنه برنامجه الشخصي ولم يتحرك لها وزير المالية الذي موّل المشروع من خزينته العمومية، ولم يتحرك أي مسؤول في قطاع الطاقة منددا بما يحيكه شكيب خليل ضد المصلحة العليا الاقتصادية للبلد.. لم يتحرك أحد لإنقاذ مشروع يتآكل وخسر عليه صاحبه بمعية البنك الوطني الجزائري 120 مليون دولار..
الخطة تنكشف ومعالم هدف شكيب خليل تظهر
لقد شرع البنك الوطني بعد ذلك في تنفيذ خطة محكمة من أجل إيجاد مخرج قانوني يتوقف به المصنع الذي أزعج شكيب خليل، فقد تم إصدار تعليمة بنكية تقضي بتوقيف التمويل لكل مستثمر لديه نزاع قضائي، وهي التعليمة التي جاءت على مقاس صاحب المشروع لأن البنك الوطني الجزائري سارع لرفع شكوى بتهمة تحويل أملاك عمومية، مما يوحي بأنه المدعى عليه الرئيس المدير العام ل «فارتالج» صاحب جرم أو جناية، بينما القضية لا تعدو أن تكون مجرد تأخر عن دفع مستحقات فترة من فترات التقسيط الخاصة بالقرض.
ويقول الرئيس المدير العام إن «القضية كانت تخص عملية تجارية واحدة من مجموع عمليات القرض الإجمالي وكان كفيلا بالقسم التجاري أن يعالجها وليس الجنائي». ويضيف صاحب المشروع محمد عمير أنه بالرغم من القضية المرفوعة بسبب مستحقات فترة جد قصيرة، «فإننا تحمّلنا عبء الدفع رغم المشاكل المالية التي مر بها المركب مما جعلني أرهن فيلتين بالعاصمة وبيع عقار في البليدة وأملاك أخرى في فرنسا».
الغريب في كل هذا أن البنك خلال المواجهة القضائية لم يطلب من العدالة سوى الدينار الرمزي كتعويض مقابل تهمة خطيرة بحجم تحويل أملاك الدولة.
يقول مدير عام «فارتالج» «لقد فهمنا جميعا بأن الغرض من رفع الدعوى ضد المؤسسة لم يكن سوى لبحث تبرير تطبيق التعليمة الخاصة بمنع التمويل عن كل مستثمر له نزاع قضائي، وبالتالي التخلص قانونا من ملكيتي للمشروع وتحويل كل ما رهنته وشيدته في أرزيو للمزاد العلني».
والأدهى والأمّر من كل ذلك، فبعد آخر مراسلة من المصنع للبنك الوطني الجزائري بخصوص تمويل آخر شطر من المشروع، يقوم البنك بتبليغ شريكه «فارتالج» عبر رئيسها ومديرها العام بأن طلب آخر قرض مرفوض بحجة أن المشروع بلا جدوى، وأنه يوجد دعوى قضائية ضده في العدالة ما يجعل القرض ممنوعا أمام التعليمة التي سبق وذكرناها.
ورغم الحبكة المحكمة التي وضعها البنك لتوقيف المشروع الجزائري الاستثماري، نزولا عند رغبة شكيب خليل، إلا أنه وقع في خطأ فادح عندما طبقها على «فارتالج» لأن التعليمة تخص الأحكام النهائية، بينما القضية التي رفعها البنك لا تزال غير نهائية لكون المحكمة العليا لم تفصل فيها بعد، عقب استئناف المدعى عليه، حسب رسالة موجهة إلى السلطات العليا، لتنكشف الخطة برمتها، بعد ذلك.
فبالموازاة مع توقيف المشروع الجزائري لإنتاج اليوريا، قام شكيب خليل بتمهيد الطريق لمتعاملين اقتصاديين أجانب من مصر وسلطنة عمان للاستثمار في مشروع لليوريا بملايير الدولارات، أحدهما (SORFERT) لا تتجاوز طاقة انتاجه 3400 طن يوميا، بالرغم من أن المشروع بقيمة 3.6 مليار دولار، إذ بعملية بسيطة يمكن الكشف عن العيب القائم في الشراكة بين سوناطراك والأجانب.
فمصنع «فارتالج» قيمته 120 مليون دولار ويُنتج 1200 طن يوميا، ينبغي أن يقابله إنتاج الأجانب 3600 طن ما دامت قيمة المشروع 3.6 مليار دولار، فأين تذهب 200 طن يوميا؟ ثم لماذا يستفيد الأجانب من امتياز تقليص سعر الغاز الممول لمشاريعهم، بينما لا يستفيد المستثمر الجزائري من ذلك؟، يقول المدير العام عمير محمد.
يضيف المتحدث أنه يعكف حاليا على تدارس ومناقشة وجمع الملف الكامل لرفع دعوى قضائية ضد خليل والبنك الوطني الجزائري لتحطيمهم مشروعا جزائريا ذا مردودية عالية، يقول إن الذين فكروا في «تحطيمنا بهذا الشكل يجهلون حقيقة السوق الدولية، فقد كان بالإمكان ترك مشروعنا ينضج ويبدأ العمل لأن الخزينة العمومية صرفت عليه ملايين الدولارات، وفسح المجال أمام الأجانب دون حرج لأن السوق الدولية لليوريا في حاجة أكبر لكل مستثمر جديد، فالربح مضمون للجميع حتى في وجود منافسة». لكن يبدو أن طريقة التفكير لدى خليل والبنك الوطني الجزائري كان وراءها جشع كبير هدفه إقصاء مشروع بقيمة 120 مليون دولار مقابل مشاريع أخرى أحدها بقيمة 3.6 مليار دولار.
وتظهر الصور المخيبة لهذا الجشع أكثر عندما أكدت لنا شركة «فارتالج» أن البنك الوطني الجزائري يلهث وراء بيع الفيلتين المرهونتين في المزاد العلني.
لكن الوقع الأكثر تأثيرا على النفوس في هذه القضية أن البنك الوطني الجزائري الذي سعى لتوقيف المشروع قبل استغلاله، وموّلته من ملايير الخزينة العمومية، وحكمت عليه بعدم الجدوى قبل دخوله السوق الدولية، فإن ال «BNA» تظهر في كل هذا كأنها مجرد وكالة عقارية وليس بنكا، فهي تلهث لاسترجاع فتات من خلال بيع فيلا، بينما لديها مصنع يتآكل حديده يوميا، صرفت عليه ملايين الدولارات وقيمته الحالية 650 مليار سنتيم، لم تصل قيمته في المزاد الذي أدخلته إليه لأكثر من 19 مليار سنتيم، ولا أحد يرغب في شرائه إلى حد الآن.
يقول محمد عمير الرئيس المدير العام صاحب المشروع، إن الأجدر كان ترك المشروع يكتمل دون الانصياع والخضوع لأوامر شكيب خليل، لتجنب الخسارة التي يتكبدها حاليا البنك الوطني الجزائري بفعل هذه الأرقام الواقعية، مضيفا «على الأقل كان البنك سيربح مصداقية توقعاته الخاصة بعدم مردودية المشروع على أساس تجريبه في السوق الدولية وليس على أساس أحكام مسبقة ونظرية، خاصة وأن ال BNA رفضت حتى إنقاذ المشروع الذي وجدنا له تمويلا إضافيا للشطر الأخير المرفوض من طرفها وقبلته سوسييتي جينيرال بتمويل أعلى، يُقدّر بقيمة 15 مليون يورو كان سيربح فيه البنك الوطني الجزائري 2 مليون أورو خالصة». أمام هذا الوضع يبقى الأمل الوحيد أمام عودة المصنع، تنفيذ تصريحات الوزير الأول عبد المالك سلال الذي يراهن على إنشاء قاعدة صناعية جديدة مثلما قاله للجزائريين في خرجاته الأخيرة عبر الولايات، على أمل تجسيدها في الثلاثية المقبلة التي قال إنها ستخصص لتسهيل الاستثمار الجزائري للمؤسسات الجزائرية الخاصة والعمومية.
ال BNA لا تجيب
تنقلنا إلى شارع إرنستو شيغيفارا بوسط العاصمة أين يقع المقر العام للبنك الوطني الجزائري، وحاولنا مقابلة السيد داود مدير المنازعات الذي يعرف التفاصيل المملة لهذا الملف، إلا أنه كان غائبا، دون أن نحصل على معلومة تخص احتمال عودته أم لا. فقد أبلغنا موظفو الاستقبال أنه كثير التنقل بين البنك والمحاكم، فلا نحن تمكنا من مقابلته شخصيا ولا نجحنا في أخذ موعد عبر الهاتف بعد تجريب كل الخطوط، التي كانت لا ترد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.