إذا كانت هناك نقطة إيجابية يمكن الحديث عنها على ضوء المشاركة الجزائرية في ألعاب البحر الأبيض المتوسط التي ستختتم، غدا، بمدينة مرسين التركية، فهي بدون شك التألق اللافت الذي سجلته رياضة الملاكمة بعد حصدها لخمس ميداليات ذهبية مكنت الجزائر من تسجيل حضورها بقوة في هذه التظاهرة الإقليمية، بعد البداية المتعثرة التي ميزت مشاركة رياضيينا في مختلف الاختصاصات الرياضية، بالإضافة كذلك إلى الذهبية المستحقة التي نالتها العداءة الجزائرية كنزة دحماني في سباق ال 10000م، ليصبح رصيد الجزائر من الذهب ست ميداليات تحققت بفضل رياضيتين كانتا دائما في الموعد خلال التظاهرات الرياضية الماضية وهي الملاكمة وألعاب القوى. ويمكن القول إن الذهب الذي فازت به الجزائر جاء في وقته لينقذ ماء وجه المشاركة التي اكتفت فقط بحصد الميداليات البرونزية دون الذهبية قبل أن ينتفض ملاكمونا الخمسة الذين تأهلوا إلى النهائيات واستطاعوا التتويج بالذهب عن جدارة واستحقاق، ويتعلق الأمر بمحمد فليسي في وزن 49 كلغ بعد تغلبه على التركي فرحات نهليقان بنتيجة 3 - 0 محرزا أول ذهبية للجزائر. كما تمكن الملاكم رضا بن بعزيز من احراز الميدالية الذهبية الثانية في وزن 64 كلغ إثر تغلبه على المصري هشام عبد العالي بنفس النتيجة (3 - 0) ليأتي الدور على الملاكم الجزائري الآخر عبد القادر شادي الذي أحرز الميدالية الذهبية على حساب منافسه التركي فتيح كيكسي ب (3 - 0)، وتكفل الملاكم إلياس عيادي (69 كلغ) بإضافة الميدالية الذهبية الرابعة بعد التفوق الواضح الذي سجله على حساب منافسه الإسباني ياكوبا سيسوكو قبل أن يختم عبد الحفيظ بن شبلة (81 كلغ) مهرجان الميداليات الذهبية بعد تفوقه أمام منافسه الفرنسي عبد القادر بوهنية بنتيجة (3 - 0). وبهذا تكون الملاكمة الجزائرية قد عادت من بعيد، وفي هذا الصدد، صرح الملاكم الجزائري السابق صاحب الميدالية الذهبية في الألعاب الأولمبية بلوس أنجلس 1984 مصطفى موسى قائلا: "لقد شرّف ملاكمونا الجزائر وعائلة الملاكمة بصفة خاصة، حيث أسعدتنا الميداليات الخمس كثيرا، وبالتالي ستعطينا أملا كبيرا لعودة الفن النبيل الجزائري بقوة إلى الساحة القارية والدولية". وهكذا كان على الرياضة الجزائرية الحاضرة في مرسين التركية أن تنتظر أسبوعا كاملا لتتألق، حيث جاءت النتائج في مختلف الرياضات الأخرى مخيبة للآمال، وهو ما أشار إليه رئيس اللجنة الأولمبية الجزائرية الذي دعى إلى ضرورة إجراء وقفة تقييمية موضوعية لحالة الرياضة الجزائرية من أجل الشروع في معالجة النقائص وإعادة القاطرة الرياضية إلى سكتها الصحيحة، وذهب وزير القطاع محمد تهمي في نفس السياق عندما أكد على أن: "الرياضة الجزائرية سجلت تراجعا مقلقا سواء على مستوى النتائج أو التكوين والممارسة القاعدية". وإذا كانت التصريحات التي أدلى بها كل من مصطفى بيراف ومحمد تهمي قد جاءت قبل تتويج ملاكمينا بالذهب، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يمكن التعامل مع بقية الرياضات الأخرى التي سجلت إخفاقات متتالية ولم تتمكن من إحراز سوى الميداليات البرونزية في صورة رياضة الجيدو التي نالت ثلاث برونزيات والمصارعة التي اكتفت بواحدة، وهو ما جعل العديد من التقنيين والمتتبعين لتطور الرياضة الجزائرية يجمعون على أن هذه الأخيرة لا توجد في المكان الذي يليق بها، إذ في الوقت الذي يتحدث فيه بعض المختصين في الاتحاديات عن تشبيب المنتخبات، نجد البعض الآخر يتحدث عن الاهتزازات التي تعرضت لها الهيئات الرياضية كما هو الشأن بالنسبة لرياضة الجيدو التي سجلت تراجعا مقلقا من حيث النتائج، وهو ما ذهب إليه المدير الفني سليم بوطبشة: "يجب علينا الاعتراف أن المشاكل التي عرفتها الاتحادية انعكست سلبيا على المردود الجماعي للنخبة، وسنحاول تكثيف العمل مع العناصر الموهوبة التي تتمتع بإمكانات كبيرة من أجل إعادة الجيدو إلى الموقع الذي يليق به على الساحة الدولية". بعيدا عن الملاكمة التي استطاعت حفظ ماء وجه المشاركة الجزائرية في مرسين التركية، استطاعت رياضة ألعاب القوى أن تحرز ميدالية ذهبية مستحقة في اختصاص 10000م بفضل تألق العداءة كنزة دحماني التي فتحت الشهية لبقية ممثلينا في هذه الرياضة لتسجيل المزيد من الميداليات، وفي هذا الصدد حرّي بنا التذكير كذلك بالميدالية البرونزية التي حققتها العداءة سعاد أيت سالم في نفس الاختصاص بعدما جاءت في الرتبة الثالثة خلال السباق الذي سيطرت عليه كنزة. وهكذا لم تخرج الرياضة الجزائرية عن تقاليدها السابقة، حيث كانت مرة أخرى رياضة الملاكمة وبدرجة أقل ألعاب القوى المنقذ الحقيقي للمشاركة الجزائرية على منوال ما حدث خلال الألعاب الأولمبية الماضية بلندن عندما تمكن مخلوفي من احراز الذهبية الوحيدة بالجزائر منقذا بذلك ماء وجه رياضتنا.