أطلّت "الفتنة" مجددا بين العرب والطوارق في مدينة برج باجي مختار بولاية أدرار، والأخبار الواردة من هناك، خلال اليومين الأخيرين، تشير إلى تجدد المواجهات بين قبيلتي "إيدنان" الترقية و«البرابيش" العربية ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص. وتضاف هذه الحصيلة المروعة إلى حصيلة أخرى، أكثر ثقلا، تشير إلى مقتل 16 شخصا وجرح 57 آخرين منذ اندلاع أولى المواجهات بين الطرفين في المدينة منذ حوالي أسبوع وإلى حد الآن، ولئن كانت الحصيلة الرسمية التي أعلنت عنها وكالة الأنباء الجزائرية تشير، بخصوص أحداث الأسبوع الماضي، إلى 8 قتلى و41 جريحا، على نحو يكشف وجود تضارب في الأرقام، إلا أن هذا التضارب لم يظهر، على الأقل، في الرواية الخاصة بسبب تفجر هذه المواجهات، التي تخللتها أعمال تخريب وحرق للممتلكات في المدينة، وهي الرواية التي تشير إلى أن الخلاف اندلع بعد محاولة شاب ترقي سرقة متجر لشخص من قبيلة "البرابيش" العربية ما أدى إلى عنف متبادل بين الطرفين، بعد تدخل الأهل والأقارب، حصد أرواحا وخلّف جرحى وأدى أيضا إلى إتلاف وحرق ممتلكات، ما جعل قوات الأمن والجيش الجزائري يتدخل سريعا من أجل احتواء الوضع، وإلقاء القبض على 40 شخصا متورطا، وفق حصيلة رسمية نشرتها وكالة الأنباء الجزائرية. وفي وقت لاحق من اندلاع الأحداث، خلال المرة الأولى، تمكن ممثلو القبيلتين، وبرعاية من السلطات المحلية والأعيان في المنطقة، من التوصل إلى اتفاق "نهائي لحل المشاكل المسببة لهذه الأحداث الأليمة التي تعد غريبة عن روح التسامح والتعايش المعهودة" لدى سكان المنطقة، وفق البيان الذي صدر عقب اجتماع ضم ممثلي الطرفين، منتصف ليلة الجمعة الماضية، وفي وقت لاحق من ذلك أيضا، وجه الشيخ مولاي توهامي غيتاوي، عضو المجلس الإسلامي الأعلى ورئيس اللجنة الوطنية للأعيان والعقلاء، نداء إلى المواطنين بخصوص أحداث الأسبوع الماضي ببرج باجي مختار من أجل "التسامح والتوافق والتآلف" قبل أن تتجدد الأحداث مرة أخرى في هذه المنطقة الحدودية مع دولة مالي. كما أن الاتفاق لم يمنع تجدد المواجهات، خلال اليومين الأخيرين، فإنه لم يكشف عن طبيعة وجذور الأسباب التي أدت إلى مثل هذه الأحداث الغريبة عن تقاليد المنطقة وعن هدوء طباع الناس في الصحراء الجزائرية، غير أن بعض التحليلات التي برزت، من هنا وهناك، ربطت تفجر الأحداث، في هذا الوقت بالذات، بتداعيات الوضع في شمال مالي وتزايد أعداد النازحين جراء الأحداث الأخيرة في هذا البلد، حيث ظهرت "تباينات في الموقف مما حدث في مالي" بين الطرفين زيادة على تعاظم الضوائق الاقتصادية، ربما، بفعل وفود النازحين. وفي الواقع أيضا، فإن هذه الأحداث تأتي أصلا في ظل وضع متوتر يلف منطقة الساحل والصحراء بأكملها، وهو الوضع الموسوم بتهديدات إرهابية وأخرى ذات صلة بالإجرام المنظم في منطقة معروفة أصلا بهشاشتها الاقتصادية وتنوعها العرقي، وهو ما يفسر ربما التدخل السريع لقوات الأمن والجيش الجزائري من أجل احتواء الوضع الذي يبقى في حاجة إلى حسن تسيير الوضع، لا سيما من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية، من جانب السلطات المحلية أولا وقبل كل شيء.