ما هي الخلاصة التي نتوصل إليها بعد هذا الخراب، خراب الأوطان وخراب العقول؟، ومع أن الكتاب يقرأ من عنوانه كما يقال، والعنوان الكبير الذي يختصر الوضع في وطننا الكبير هو الاستبداد والطغيان، فالاستبداد هو مخرب الأوطان، وقاتل الإنسان، لذلك فلا تتعجب من المآل الذي وصلنا إليه، حيث أصبح الواحد منا يستنجد بالأجنبي من أجل أن ينقذه من الأخ والصديق، لأن هذا الأخير تجبر وتكبر، وأصبح لا يجيد إلا لغة القتل والدمار. ذلك لأن الاستبداد يحط من قيمة الإنسان، ويهين كرامته، ويهدر حق انتمائه، حيث يصادر حقه البديهي بالمواطنة، فيصبح الإنسان كما يرى الدكتور مصطفى حجازي (عالم نفس لبناني) في كتابه "الإنسان المهدور": "غريبا في وطنه فاقداً للسيطرة على مجاله الحيوي، وبهذا تتحول المواطنة من حق أساس إلى مِنة أو هبة يمكن أن تُسحب في أي وقت، وبالتالي يسحب من الإنسان الحق في أن يكون ويصير من خلال ممارسة الإرادة والخيار وحق تقرير المصير. إنها كارثة وجودية أخرى تجعل من أي مشاريع تنمية أو إنماء وعمران حديث خرافة، ذلك أن الإنسان المستلب في وطنه ومجاله الحيوي لا يمكن أن يعطي، وبالتالي أن يبني"، بل يصبح دوره في بعض الأحيان هدامًا يطلب العون والمساعدة من الآخر، حتى ولو كان هذا الآخر عدواً. بعد غزو العراق في مارس 2003، وسقوط عاصمة الرشيد - بغداد - دون مقاومة تُذكر بعد أيام معدودات من دخول القوات الغازية في أفريل 2003، ثم إلقاء القبض على الرئيس صدام حسين ومحاكمته ثم إعدامه، كنا نظن أن حكام العرب سوف يتعظون ويعتبرون مما حدث لصدام، حيث اكتشفوا أن حماية الأوطان ليس في مقدار القبضة الحديدية التي ترفعها في وجه شعبك، حيث تتعامل معه وكأنه عبد لا يستحق إلا العصا، ولا فيما تكتنز من أسلحة وصواريخ، ولكن فيما تحقق من عدالة ومساواة، ولنا في ذلك الأثر الذي قرره الخليفة عمر بن عبد العزيز خير مرشد، حيث طلب من أحد ولاته بأن يسيج ولايته بالعدل إن أراد أن يوفر لنفسه الآمان والسلام. للأسف بعد هذه الفاجعة، لم يختلف يوم العرب عن الأمس القريب، فالسلوكيات هي هي، وكأن من شَابَ على شيء مات عليه، فالحاكم ما زال يتصرف بأنه إله، بيده كل شيء فهو الذي يحيي ويميت، فلا يسمح بالاختلاف ولا بوجود رأي مخالف، ومن عارضه سيرميه في السجن أو ينفيه من الأرض، وهو الحاكم في حياته، وبعد مماته سيرث حكمه الأقربون، حيث لا يعترف بوجود شعب، ولا حقه في اختيار حكامه، ولا في الحياة الكريمة، كان هذا هو المشهد منذ استقلال الدول العربية عن المحتل الأجنبي منتصف القرن الماضي إلى أواخر عام 2010، حيث بزغ بصيص من الأمل عندما أحرق محمد البوعزيزي جسده، وقدمه قربانا، من أجل أن يبدد عتمة الاستبداد وظلمة الطغيان، حيث أصبح للشعوب صوت مسموع، وانتقل الرعب من ميدان الشعوب إلى ميدان السلطة، ففر رئيس وتنحى آخر، وسقط حاكم ومات آخر. ومن امتنع منهم أن يساير سنة الله في الحياة التي تأبى الثبات على حال، حيث لا بد من التغيير والتبديل، فقد أدخل بلده إلى عالم الخراب والدمار، كحال حاكم دمشق الذي خرب الوطن ومزقه، وقتل مئات الألوف من شعبه بمختلف الأسلحة وشرد الملايين، وطيلة العامين ونصف العام وشعبه يستنجد بالعرب والمسلمين لحمايته من آلة القتل الأسدية، ولكن لا حياة لمن تنادي، ولما طلب بالتدخل الدولي ثار البعض ممن نصبوا أنفسهم أوصياء على الشعوب، وقالوا كيف يستقيم من يطلب الحرية والديمقراطية أن يستنجد بالأجنبي، يا لها من مفارقة عجيبة، إما أن تترك نفسك وأهلك عرضة للقتل والتشريد، وإما فإنك عميل لذلك الذي تطلب مساعدته. ليس حاكم دمشق الوحيد في هذا التفكير، فالقاعدة التي يسير عليها الحاكم العربي من المحيط إلى الخليج هي إما أنا وإما الخراب والدمار، فما حدث في مصر من انقلاب عسكري مفضوح بدعوى إنقاذ الوطن من الأخونة والظلامية وإعادة المسار الديمقراطي المجهض، ينبئ بأن من اعتاد كرسي الحكم لن يتنازل عنه بسهولة حتى ولو كلفه ذلك تدمير الوطن وقتل نصف الشعب، ومع أن هؤلاء الانقلابيين على علم بالمخططات التي تستهدف تقسيم الوطن إلى كيانات حسب الدين واللغة والعرق، وتدمير الجيش المصري باعتباره الأقوى عربياً، إلا أنهم يسايرون المخطط، ومن ثم يثيرون الشكوك حولهم، وكأنهم أداة وظيفية وُجدت حتى تنفذ هذا المشروع أو المخطط. وإذا أجلت بنظرك قليلا، لتنتقل إلى ليبيا تجد مشهدا غاية في الغرابة والسخرية، حاكم يقول عن نفسه بأنه ليس حاكما، ويصف دولته بالجماهيرية حيث لا صوت يعلو فيرية والكرامة والعيش الكريم، وصفه بأحط الأوصاف وأقذرها، ولم يفاها فوق صوت الشعب، إلا أنه عندما طالبه هذا الشعب بالقليل من الحرق الحياة إلا بعد أن جلب المحتل وشرد شعبه ودمر بلده، وإذا انتقلت قليلا تجد السودان الذي قُسم إلى شطرين الشمالي والجنوبي، ورغم هذه المأساة تجد رئيسه ما زال متمسكاً بالحكم، ومتمتعا بكرسيه الوثير، وكأن شيئا لم يكن. إن هؤلاء الحكام رؤساء وملوكا للأسف الشديد خيروا شعوبهم بين الطاعون والكوليرا، أو بين نارين، أي بين أن يحكموا هم، أو بين الاحتلال الأجنبي. الخلاصة من ذلك كله أن الاستبداد هو مخرب الأوطان وقاتل الإنسان وجالب الاستعمار، فلوموا أيها السادة الحكام، وارفعوا أقلامكم وكفوا ألسنتكم عن الشعوب المغبونة والمقهورة. ملاحظة: لقد طال ليل الاستبداد، وعمت ظلمته في كافة الأقطار العربية، لذلك تجد العنف والقتل والدمار يجتاح الوطن العربي الكبير، فهذه النتيجة الوحيدة التي يحققها الاستبداد، فمتى يدرك أهل الحكم هذه الحقيقة، ويعملون على بناء أوطان، يعيش فيها الإنسان كإنسان، وليس كقطيع أغنام.