رجل ضخم، عملاق، قامة طويلة ولافتة، يرتدي سترة جلدية سوداء، وسروال قطيفة أسود، مفتول العضلات وصاحب نظرات قاسية، ويضع خاتمين في يديه اليمنى. وقف أمام الباب، كان ينظر يمنة ويسرة، ويحدق بقوة في وجوهنا، نظر إلى الشاب صاحب الوجه الأنثوي الذي كان برفقتنا. إنه في هيئة غير لائقة بسبب الباسكيت الذي كان يرتديه، لكن الشاب صاحب الوجه الأنثوي قال لنا إنها ليست المرة الأولى الذي يزتي إلى لافياي مارميت بالباسكيت، لكن الرجل الضخم أصر على الدخول إلى المهلى، ممنوع بالباسكيت فعليه استبداله بحذاء، ونظرنا إلى بعضنا البعض وحاولنا عبثا ثني الرجل العملاق ذي النظرات القاسية عن قراره، استولت علينا الحيرة ورحنا نفكر في طريقة لإقناع الرجل الضخم، وفجأة وردت فكرة إلى رأس صاحب الوجه الأنثوي فأخرج البورتابل من الجيب وهاتف صديقا له بداخل الملهى وتبادل معه كلمات تفيد أن العملاق يقف حجرة عثرة بيننا وبين الدخول إلى الملهى، وابتسم صاحب الوجه الأنثوي ونظر إلينا بعينين زاهيتين توحيان أنه حقق انتصاره على الرجل العملاق العنيد، وماهي إلا لحظات وجيزة حتى خرج من الملهى شاب ذو بنيان مرصوص وعينين جاحظتين ويعلق على صدره سلسلة ذهبية وبأذنه اليسرى قرط يلمع، وبدا أنه من رجال صاحبة لا فياي مارميت، فاحتضنا بعضهما بعضا وأشار إلى الرجل العملاق أن يخلي لنا الطريق، وفعل العملاق ما أمره به ذو العينين الجاحظتين دون أن يظهر أي امتعاض أو ينم عنه أي سلوك أو إشارة تدل على الحنق والغضب المكتوم، ونظرنا كلنا إلى العملاق لكن دون أن نتباهى بتلك النظرة على أنها نظرة انتصار وتشفي. وما إن تجاوزنا باب المدخل حتى لاحظت أن لافياي مارميت لم يعد كما كان في السابق مجرد ملهى متواضع وحقير إلى حد ما، بل أصبح له لوك جديد من طراز عصري جديد وباهر، ممر شبه مظلم تضيئه مصابيح خافتة يربط بين صالتين متقابلتين وعلى يمين الممر درج لولبي يقود إلى صالة في الأعلى كانت تندلق منها الأصوات الصاخبة للموسيقى الغربية، وعلمت فيما بعد أن هذه الصالة كانت مفتوحة خصيصا للشباب الذي لا يتجاوز العشرينيات، وفي الأسفل كان ثمة درج آلي يقود إلى مطعم هادىء يرتاده الكهول والمتقدمون في السن من أصحاب الأعمال الحرة، ومن المسؤولين المتقاعدين من أصحاب النفوذ رفقة فتيات ضحوكات، ضاجات ونزقات لا يتجاوزن سن العشرين. اتجهنا نحو الصالة الرئيسية حيث البار وحلبة الرقص وسدة الغناء، حيث تبدأ المغنية صاحبة الملهى دورتها الغنائية، بدءا من الرابعة صباحا.. عندما دخلنا إلى البار تقدم منا شاب رقيق وباسم، يرتدي الأسود والابيض وهو يحاول أن يقودنا إلى مكان في البار.. وأشار إلينا بالجسول على طاولة لا يفصل بينها وبين حلبة الرقص إلا أمتار قليلة، إلا أن صاحب الوجه الأنثوي اعترض على هذا الاقتراح، مشيرا إلى الشاب الباسم ذي الملامح الوسيمة أن الطاولة التي تتوسط البار والممر المؤدي إلى القاعة السفلية تكون لائقة لنا، لكن الشاب نظر إلينا وعلى شفتيه ذات الابتسامة أنها محجوزة، لكن سرعان ما غير رأيه عندما دس محمد أمير ورقة من خمسمائة دينار في يده.. كانت الموسيقى تملأ المكان بشدة وغزارة وهيجان.. وكنا ونحن نتحدث إلى بعضنا بعضنا نقوم بجهد جهيد لالتقاط كلمات بعضنا، ونرفع أصواتنا بكل ما أوتينا من قوة.. على السدة، كانت تبدو الشابة نجمة وهي مرفقة بفريقها الموسيقي تبدو مثل أميرة الجنيات.. تصدح بصوتها الهادر الرنان، وتنتقل تحت شلال البروجيكتور من مكان إلى آخر، وهي تلهب العيون الزائغة والشهوانية التي راحت تتابعها وتتعلق بكل حركة من حركاتها المثيرة.. تغني أغنية من الراي القديم، راي الڤصبة والڤلال بوجور يا غزالي صابغ الأشفار وأنا معك باغي نعمل سهرة جوفو بيان جيتك بطلع الفجر واحنا مڤصرين بشرب الخمرة أفوطر سانتي ياخي الغرار يا صفة النمر وراكي ضراره أماندا، كوات ڤلبي بالنار كحلا العيون جرحك لا يبرى جام فوار مثلك في ذي البرار يا صيغة الذهب راكي غداره جوسوي لوان في بالغثار في تاجموت ما لقيت لي صبره توت لا نوي يا غزالي بالكلام قصار زهو النفوس زادت قلبي جمره جوشانط على الظريفة زينة لبصار الزايدة هبالي كحلا الضفره شنطيت يا احبابي ونظمت الشعر على مالكة قلبي هذه الضارة جني أشغال كيس ما هو كيدار في ساعتين نوصل قصر العاطرة على الكطرور سرنا وقت الحذار قصر يا غزالي نوصل ليه بكره.. ورغم بدانتها فقد كانت نجمة تتحرك وكأنها شابة عذراء لا تتجاوز العشرين.. وجهها المتلألىء تحت الأضواء المتحركة ذات الألوان المتعددة، صدرها العامر والمكشوف وصوتها الهادر كان طاغيا، معربدا ومثيرا لكل تلك الأجساد التي تدافعت نحو حلبة الرقص، الأجساد العارية، المصقولة، المكشوفة والملتهبة. رجل يتجاوز الستين، أشيب، يرتدي بدلة رمادية، وربطة عنق فراشة حمراء، تقوده فتاة لا تتجاوز الثامنة عشرة، تجره من يده وهو يتحرك كطفل ضائع، تجذبه إليها، تضمه إلى صدرها.. يقبلها ويرمي يده المرتعشة إلى جيبه ليضع الأوراق النقدية بين نهديها المدببين، النافرين كوجه حصان أحرن..