"القردة حرمتنا من ممارسة الفلاحة الجبلية.. تأكل محاصيلنا وتكسر أشجارنا المثمرة.. تهاجمنا وتقتحم منازلنا.. زرعت الرعب والخوف وسط النساء والأطفال.. نضطر إلى مرافقة أبنائنا إلى المدارس خوفا من هجومها.. الدولة وضعت قوانين لحماية القردة وتركت السكان بلا حماية.. الوضع مقلق جدا"... كانت هذه بعض العبارات التي رددها سكان منطقتي إبودرارن بأعالي جبال جرجرة وإيعكوران، بأقصى شرق ولاية تيزي وزو، تعبيرا عن معاناتهم والمشاكل اليومية التي يعيشونها مع قردة "الماغو"، هذه الأخيرة التي هجرت أعالي الجبال والغابات وأصبحت تقتحم القرى والتجمعات السكانية والطرقات في رحلة بحثها عن الغذاء، مثيرة بذلك مشاكل عديدة نغصت حياة السكان... وقصد الوقوف عن قرب على هذه الظاهرة المقلقة، قامت "الجزائرنيوز" بزيارة ميدانية إلى بعض المناطق المتضررة، لنقل حقيقة الوضع. تعتبر سلالة قردة "الماغو" من فصيلة القردة المهددة بالانقراض، بمنطقة القبائل، لاسيما منذ سنة 2004، حيث بدأ عددها في تناقص مستمر، وأرجع الختصون السبب الرئيسي لذلك إلى "الحرائق" التي تشهدها الغابات التي تتواجد بها القردة بمنطقة القبائل، على غرار حظيرة جرجرة وغابات إبودرارن وإيعكوران وآث واعبان وأقبيل وعين الحمام وعزازقة وكذا حظيرة تيكجدة، التابعة إلى ولاية البويرة، وما خلفته هذه الحرائق من سلبيات على الطبيعة، حيث تسببت في موت عدد كبير من القردة والأشجار، إلى جانب الجفاف الذي حل بالأراضي. في ظل هذا الوضع، وجدت القردة التي نجت من ألسنة النيران، مجبرة على الزحف نحو القرى والتجمعات السكانية هربا من شدة الجوع وبحثا عن مصادر غذائية، وشكل ذلك تهديدا مباشرا على حياة سكان المنطقة وفلاحتهم الجبلية، التي تعد مصدر رزقهم الأساسي، خصوصا وأنه خلال الفترة الأخيرة تعرف ظاهرة اقتحام القردة للقرى استفحالا ملفتا، بل مقلقا، إذ أصبح قاطنو القرى المتضررة يعيشون تحت رحمة قردة "الماغو"، ويصفون حياتهم ب "الجحيم الحقيقي"... كانت وجهتنا الأولى في هذه الزيارة نحو قرية آيث عيسي، بمنطقة إعكوران، أقصى شرق ولاية تيزي وزو، ولم يكن اختيارنا لهذه القرية صدفة، وإنما بتوجيه من سكان المنطقة، بحكم المعاناة الحادة التي يعيشها القرويون مع القردة، لأن هذه القرية تقع وسط غابات كثيفة تمتد إلى غاية غابات آث غبري وغابات عزوزة وغابات ثمقوث، وهي المنطقة التي تعد مكانا ملائما للعيش والتكاثر لهذا الصنف من الحيوانات.. استقبلنا سكان القرية بكل حفاوة، وكانت سعادتهم كبيرة بعد إطلاعهم على هويتنا وهدف زيارتنا "لايمكن الحديث عن الموضوع إلا بعد أن ترتاحوا وتأكلوا"، حسب تعبير عقلاء القرية. من الوهلة الأولى يمكن للزائر أن يلاحظ مدى الضرر والإزعاج الذي يعانيه سكان القرية من اقتحام القردة لهم، حيث سارعوا للالتفاف حولنا وانتظروا بشغف الشروع في الحديث عن الموضوع للتنفيس عن مشاكلهم، ومنذ البداية، أجمع السكان على أن صراعهم مع القردة "دائم ومستمر"، خاصة في ظل تفاقم سلوكها العدواني، في الآونة الأخيرة، "أصبحت تقتحم القرية والمنازل وتسرق الأكل"، حسب قولهم. أكد السكان أن التهديد الكبير الذي يولده القردة، يزداد حدة على الفلاحة الجبلية "القردة تفرض منطقها وتأكل كل المحاصيل الزراعية وثمار الأشجار"، مؤكدين أن القردة لم تعد تشعر بالخوف مثل السابق، بل "أصبحت تستهدف المحاصيل الفلاحية وثمار الأشجار المتواجدة بمحاذاة المنازل"، مشيرين إلى أن ذلك يحدث رغم محاولاتهم طردها عن طريق رشقها بالحجارة أو القرع على الصفائح الحديدية، "في الماضي كان يكفي أن تصرخ أو ترشقها بالحجارة كي تهرب، لكن حاليا لا يبالون بشيء". وفسر السكان ذلك بالجوع الشديد الذي يعيشه القردة في الغابات، الأمر الذي دفعها لاقتحام القرى والمنازل والمزارع الفلاحية، بحثا عن الأكل. وقفنا عن قرب على حجم بعض الخسائر التي تكبدها القرويون في الفلاحة الجبلية، على غرار الوضعية الكارثية التي آلت إليها أشجار التين، التي أتلفت ثمارها ورميت على الأرض وكسرت أغصانها، والأمر نفسه بالنسبة إلى فاكهة العنب والإجاص والتفاح واللوز... وأكثر من ذلك، أكد السكان أن القردة تستهدف كل المحاصيل الزراعية، بأكلها أو إتلافها قبل نضجها على غرار الطماطم، البطاطا، السلطة، الخرشوف، البطيخ، البصل... وغيرها من المحاصيل الزراعية. وصرح السكان أن الظاهرة تعتبر جديدة بالنسبة إلى قريتهم، مؤكدين أنها ظهرت خلال ال 10 سنوات الأخيرة، لتزداد حدتها في الآونة الأخيرة "هذه المدة كانت كافية لتفقدنا السيطرة على الوضع وتتحول فيها القردة إلى هاجس حقيقي". ولم يخف السكان أن مختلف السبل التي انتهجوها لجعل القردة تتراجع عن إقليم تمركزهم، لم تجد نفعا، مضيفين أن أغلبهم اضطر لاستعمال بنادق الصيد رغم أن ذلك يعد خرقا للقانون الذي يحمي هذا النوع الحيواني، وفي هذا الصدد يعترف أحد السكان بقوله "أنا شخصيا قمت بقتل أكثر من 30 قردا، ولم أعد أبالي أو أكترث بالقوانين التي تحمي القردة، لأن من وضع هذه القوانين لم يفكر في فلاحتنا ومشاكلنا العويصة معهم"، مضيفا "أفكر في حماية فلاحتي التي هي مصدر رزقي". وفي السياق نفسه يقول مواطن آخر، وبنبرة غضب شديدة، "أين هي السلطات التي تتغنى بالقوانين؟ هل فكرت في مصيرنا ومصير فلاحتنا؟ هل فكرت في الخطر والتهديد اليومي والدائم الذي تولده القردة على السكان وخصوصا الأطفال والنساء؟ طبعا لا". كشف السكان أنهم تعبوا من رفع المراسلات والشكاوى للجهات المعنية، بما فيهم مسؤولي محافظة الغابات، "لا أحد بحث عن إيجاد حل، ووجدنا أنفسنا أمام واقع مر دفعنا لاستخدام الأسلحة"، وأضافوا أن الأمر الذي يقلقهم أكثر هو ردة الفعل العنيفة للقردة خلال محاولة السكان طردهم "القردة حين تشعر بالجوع لا يوقفها أي شيء عن مهاجمة القرية والمنازل والمزارع..."، في هذا الصدد، يقول مواطن "تعرضت إلى هجوم من طرف مجموعة من القردة الجائعة التي لاحظت الخبز في يدي، وحاولت أن تسرقه مني بقوة وعنف، ولحسن حظي مرت بقربي مركبة وفتح لي السائق الباب وصعدت فارا منها"، وبحسرة كبيرة وقلق شديد تساءل سكان القرية، لو كان الأمر يتعلق بطفل ماذا كان يمكن أن يحدث؟ خصوصا أنهم أكدوا أن مثل هذه الحالات تحدث بصفة متكررة. قبل أن نغادر معقل الكرم وحسن الضيافة، آث عيسي، أطلق السكان نداء استغاثة للمسؤولين، وناشدوهم التدخل لإيجاد حل عاجل لظاهرة اقتحام القردة للمنازل، والعمل على إيجاد سبل حماية الفلاحة الجبلية. تركنا قرية آث عيسي بإيعكوران، وتوجهنا نحو منطقة إبودرارن بأعالي جبال جرجرة، التي تتواجد شرق ولاية تيزي وزو بحوالي 70 كلم جنوبا، التي يعاني سكانها بشكل أكبر مع القردة وأخطر بكثير، حيث أجمع سكانها على أن العيش بهذه المنطقة التابعة لحظيرة جرجرة، أمر لا يطاق إطلاقا، ومنذ البداية أكد السكان أن الكثير من العائلات هجرت المنطقة هروبا من تهديدات وتجاوزات القردة. وفضل أول مواطن إطلاق العنان لحنجرته تعبيرا عن الغضب، متهما المسؤولين بالإهمال واللامبالاة "هنا لا توجد سلطات، نحن نعاني في صمت، ونواجه الأمر الواقع بوسائل شخصية"، ويضيف آخر "الظاهرة خطيرة جدا، وتعرف استفحالا وتزايدا مقلقا، خصوصا أمام غياب آليات محاربة الظاهرة، حيث أصبحت القردة تتوغل وسط التجمعات السكانية بكل حرية". أما الأمر الذي جعل سكان إبودرارن، على غرار سكان قرية آيث بوعدنان وثالة نتازارث وآث داود وإيغيل نسدة ودارنة، في هذه الحال، هو الحماية التي يوفرها ويضمنها أعوان محافظة الغابات التابعين لحظيرة جرجرة للقردة، باعتبار أن المنطقة محمية طبيعية، "لا نجد أية فرصة لوضع حد لهذه الظاهرة"، حيث أكد السكان أنهم محرومون من استغلال حقولهم وممارسة فلاحتهم الجبلية، وصرحوا أن القردة أضحت تعبث، كما تريد، بمحاصيلهم الزراعية، ولم تترك لهم أي سبيل لقطف الثمار "نلجأ إلى اقتناء بعض الفواكه الموسمية من الأسواق رغم توفرها بمزارعنا"، حسب تعبير عمي جيلالي، الذي حدثنا بحسرة شديدة، ويضيف شيخ في السبعين من عمره، قائلا: "يؤلمني أن أرى حقولي مملوءة بأشجار الكرز والبرتقال واللوز والعنب لكني محروم من استغلالها لأن القردة تلتهم كل شيء". وقفنا على بعض الحكايات والقصص الغريبة بمنطقة إبودرارن، التي يكون أبطالها قردة من سلالة "الماغو"، حيث أجمع السكان على أن القردة "تجعلك تعتقد أنها تملك عقولا وتفكر بالطريقة التي يفكر بها البشر"، مضيفين "نحن بصدد مواجهة حيوانات ذات عقول" بحكم استعمالها الحيلة لدفعهم إلى التخلي عن محاصيلهم الزراعية قبل نضجها، حيث تتعمد تلويثها بقاذوراتها لمنع المواطنين من استهلاكها وجعلها غذاء لها دون عناء. كما أنها تتفادى أكل الثمار التي يتم دس السم فيها للقضاء عليها، كأنها على علم بالعملية مسبقا، "ما يذهلني أكثر، أن القردة لا يقترب إطلاقا من بعض الثمار التي نضع فيها السم لقتلها". وكشف السكان أن القردة لا تكتفي فقط بإفساد ثمار الأشجار، وإنما تتسبب أيضا في كسر أغصانها، وهو السبب الذي أدى -حسب السكان- إلى موت العديد من الأشجار، لاسيما أشجار التين والكرز والزيتون، ناهيك عن أنها تستهلك الثمار قبل نضجها. ومن الأمور -غير العادية- التي اكتشفناها من الشهادات التي قدمها السكان عن معاناتهم المستمرة مع القردة، هي أن هذا الصنف من الحيوانات يمتاز بسلوكات خاصة تجعله مختلفا عن بقية الحيوانات الأخرى، كخصوصية الثأر من البشر، وأكد السكان أنهم كلما وقفوا في وجه القردة واستخدموا القوة لطردها أو قتلها، تقابلهم برد فعل قوي وعنيف، كمهاجمتهم، "أحيانا عندما نرى القردة فوق الأسقف المصنوعة من القرميد نرشقها بالحجارة لطردها، فتقوم بنزع القرميد والرد بقذفه نحونا"، واعترفوا أنهم في الكثير من الأحيان يجدون أنفسهم مضطرين لمنع استخدام القوة معها لتفادي حدوث كارثة، لاسيما عندما يتيقن السكان من أن القردة تعاني من جوع شديد. كما أضافوا أن الوضع دفع بالكثير من السكان إلى تغيير أسقف منازلهم من القرميد إلى أسقف إسمنتية، للتقليل من حدة المعاناة والخسائر. يستيقظ سكان قرى بلدية إبودرارن، كل صبيحة، على وقع خسائر عدة تتسبب فيها القردة، فبعدما كانت تتلف المحاصيل الفلاحية وثمار الأشجار، مؤخرا، أضحت تقوم بكسر الهوائيات المقعرة الموضوعة فوق أسطح المنازل واقتلاعها "اضطررنا أكثر من مرة إلى الصعود ليلا إلى سطوح منازلنا لطرد القردة ومنعها من تخريب الهوائيات المقعرة". وأضاف سكان إبودرارن، أن القردة إذا شعرت بالجوع الشديد تقوم باقتحام أسقف المنازل بحثا عن منفذ إلى داخل المنازل لسرقة الأكل، وفي حال فشلت في التوغل إلى الداخل، تقوم بتخريب كل ما تعثر عليه فوق الأسقف. وصرح السكان أن حتى الملابس المنشورة على الشرفات والأسقف تقوم القردة بسرقتها، ناهيك عن تزايد معاناة السكان مع الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي الذي تتسبب فيه القردة، حيث تتأرجح على الأسلاك الكهربائية وتتسبب في تقطيعها. حكايات سكان منطقة إبودرارن مع القردة لا تنتهي عند حد السيطرة على المحاصيل الزراعية، بل أكد السكان أن حياة أبنائهم أصبحت في خطر حقيقي بسب العنف والهجوم المتكرر للقردة، وهذا الأمر دفع بالعائلات إلى منع أطفالها من الخروج، ومنعهم من اللعب أو التجوال لوحدهم بالقرب من مقر سكناتهم، بسبب الخطر الذي قد ينجم عن عملية مهاجمة القردة لهم، حيث يتمركزون بنقاط غير بعيدة عن المنازل، بل تتواجد تلك القردة، بقرية ثالة نتازارث، فوق أسقف المنازل وتتوغل إلى فنائها، دون خوف من تواجد السكان بالداخل، "لمسنا تغيرا كبيرا في سلوكات القردة خلال الفترة الأخيرة، حيث أصبحت لا تشعر بالخوف، وتقتحم المنازل وتحتل أسقف السكنات بكل حرية". وأكثر من ذلك، أكد السكان أنه في فترات الدراسة، يضطر الأولياء إلى مرافقة أبنائهم إلى المدارس، صباحا، وإرجاعهم مساء. وأغرب من ذلك، كشف السكان أنهم لا يتركون أبواب ونوافذ منازلهم مفتوحة خوفا من دخول القردة، وفي هذا الصدد أكد أحد السكان أن القردة اقتحمت مطبخه واستولت على الغذاء وكسرت بعض الأواني. ونحن نتواجد بقرية ثالة نتازارث، رصدنا تواجد القردة عن بعد وأخبرنا السكان أن هذه القردة تقترب من المنازل وتقتحمها ابتداء من الساعة السادسة مساء، وحملنا الفضول الكبير إلى الانتظار إلى غاية هذه الساعة لمشاهدة الأمر، وطبعا، في حدود السادسة إلا عشر دقائق بدأت القردة تتوغل إلى القرية وتقترب أكثر فأكثر من السكنات، والقاطنون صرحوا أنهم ملوا من طردها "لا نفعل ذلك إلا في حالات الضرورة أو الخطورة أو تواجدها فوق السكنات مباشرة". خلال لقائنا سكان إيعكوران وإبودرارن، لمسنا أن من أهم الأسباب التي دفعت بالقردة إلى اقتحام القرى هو البحث عن الغذاء، وربط السكان الظاهرة بالحرائق التي تلتهم الغابات التي تنتشر فيها قردة "الماغو"، فإلى جانب تسبب النيران في موت العديد منها، ساهمت أيضا في موت الأشجار وجفاف الأرض، إذ لم تعد القردة تجد ما تأكله في أعالي الجبال والغابات، ودفعها الأمر إلى الاقتراب من القرى بحثا عن الأكل. وكشف السكان أن الثلوج التي تكسو المناطق المرتفعة في فصل الشتاء والتي يتراوح سمكها في كل سنة، بأعالي منطقة إبودرارن، بين المتر والمترين ونصف، وبمنطقة بإيعكوران بين 50 سنتيمترا ومتر ونصف، في بعض الأحيان، حرمت القردة من العثور على الأكل. وفي هذا الصدد أكد سكان إيعكوران أنهم يضطرون في فصل الشتاء إلى إطعام القردة من "الخبز" الذي يضعونه في مناطق بعيدة عن القرى وذلك لمنعها من الاقتراب، وهي عادة ساهمت في تغيير النمط الغذائي للقردة. وأكد السكان أن الظروف الأمنية المتردية التي تشهدها منطقة إيعكوران، التي تعتبر غاباتها من أقدم وأبرز معاقل الإرهاب، وما تبعه من حملات تمشيط متكررة وتلغيم للحقول والغابات والمسالك الغابية بألغام وقنابل تقليدية، دفع بالسكان إلى هجر حقولهم، الأمر الذي جعل القردة -حسبهم- تقترب أكثر من المنازل "انعدام حركة القرويين والفلاحين والأغنام بالغابات، سمح للقردة بالاقتراب أكثر من القرى". وهو الأمر الذي لاحظناه ونحن متواجدين بالطريق الوطني رقم 12، وبالضبط بالمكان المسمى "لافونتان"، بإيعكوران، الذي يحتضن فضاء لبيع الأواني الفخارية، حيث لاحظنا تواجد أعداد هائلة من المواطنين الذين قدموا من مختلف ربوع ولاية تيزي وزو، وكذا من عدة ولايات مجاورة، قاصدين المنطقة للسياحة والاستجمام باعتبارها منطقة خلابة، حيث تخرج القردة إلى حافات ووسط الطريق، ويقوم الزوار، سيما فئة الأطفال، بإطعامها بمختلف المأكولات، على غرار البسكويت، الموز، الفول السوداني... والاقتراب إليها لالتقاط الصور بجوارها. وكانت سلوكات القردة توحي بأنها حيوانات أليفة تجردت من طبيعتها الوحشية، حيث صرح تاجر بالمنطقة، أن علاقته عادية مع القردة "أقدم لها الأكل بيدي وعندما أطلب منها مغادرة المكان تفعل ذلك". هذا وأكد سكان قرية آيث عيسي، أن القردة التي تخرج إلى الطريق الوطني رقم 12 لا تشكل أي خطر على السكان والمارة، إلا أن القردة التي تحيط بقريتهم والتي تتواجد في قلب الغابات الكثيفة، أكثر خطورة، كونها لم تتعود على التعامل مع الناس "نحن في القرية نعاملها بخشونة وعنف لطردها". قصد رصد رأي الجهات المسؤولة حول هذه الظاهرة، قابلنا مدير محافظة الغابات بولاية تيزي وزو، السيد "تابتي موسى"، حيث أكد أن المواطن يعد المسؤول الأول عن اقتحام القردة للتجمعات السكانية "خاصة بعدما ساهم إلى حد بعيد في تغيير نمط غذائه، وتجريده من طبيعته، وتقديم الطعام له، ما جعل هذا الحيوان يتخلى عن عملية البحث عما يأكله بنفسه وسط الغابات"، مضيفا أن هذه العادة أكسبت القردة ميزة الكسل "لأنه اعتاد على إطعامه من طرف الإنسان، وفي حالة غياب الأكل تلجأ القردة إلى التنقل إلى التجمعات السكانية لبلوغ هدفها، بحثا عن الأكل". ومن جهة مقابلة، صرح محدثنا أن المفارغ العشوائية المنتشرة في المناطق التي تتواجد القردة بها تسبب فيها الإنسان "جعلت القردة تتخذها كمصدر تقتات منه"، مضيفا "هذا فضلا عن التجاوزات العديدة التي يرتكبها الإنسان في حق الطبيعة كالحرائق واستغلال مصادر المياه الطبيعية، التي تعد من الأسباب الهامة التي دفعت بالقردة للبحث عن بديل لهذه النقائص بالقرب من القرى". هذا وفي شأن الإجراءات المسطرة من طرف المديرية للتقليل من الظاهرة والاستجابة لمطالب السكان، كشف تابتي موسى، عن وجود إجراء إداري يتمثل في توظيف 72 شابا في إطار عقود الإدماج بمنطقة إيعكوران، مهمتهم طرد القردة من القرى ومنعها من الاقتراب منها. كاشفا أن مصالحه تعتمد على الحملات التحسيسية لتوعية الناس بخطورة إطعام القردة، واقتراح بعض الطرق للسكان للتعامل معها وتفادي المساهمة في انقراض هذه السلالة. وهدد مدير محافظة الغابات المواطنين الذين يصطادون القردة بالأسلحة، مشيرا إلى أنه في حال القبض على أي شخص متلبس أو ثبوت أدلة تورطه، سيتابع قضائيا وتكون العقوبة صارمة ضده. روبورتاج: سمير لكريب