تؤكد الإحصائيات التي تطلعنا عليها المصالح المختصة في تقييم السداسيات المتتالية، في السنوات الأخيرة، حول حوادث المرور، الفشل الذريع الذي باءت به كل المشاريع والحلول التي قدمتها الحكومات المتعاقبة للحد من هذه الظاهرة التي تحصد أرواح الجزائريين يوميا بشكل مرعب. قدمت المديرية العامة للحماية المدنية، أول أمس، حصيلة ملفتة لحوادث المرور خلال الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر الفارط، حيث بلغ عدد الوفيات في 6 أيام (بين 22 إلى 28 سبتمبر 2013) 44 شخصا، فيما جرح 1642 آخرون، خلال 2275 تدخل، وهذه الحصيلة الثقيلة يؤكد أحد الخبراء أنها ليست مفاجئة، بالنظر إلى أن الواقع يثبت مفارقة في الأرقام التي نطلع عليها بشكل دوري، فحسب الخبير في أمن الطرقات "محمد العزوني"، نحن نطلع على حصيلة كل مصلحة من المصالح المعنية بشكل مستقل، بحيث تقدم معطياتها منفردة عن الأخرى، وهذا ما يخفف من وقع الأرقام على السمع، لكن إذا ما جمعت تدخلات الدرك الوطني، الشرطة والحماية المدنية، فإن الحصيلة الأسبوعية قد تقترب من 85 قتيلا، لأن المعدل اليومي للوفيات التي تخلفها حوادث الطرقات يقدر فعليا ب 12 قتيلا يوميا. هذه المعطيات ليست جديدة، ولا ثابتة، لأن هذا الوضع مستمر بوتيرة تصاعدية منذ سنوات، والجزائر تحتل الصدارة في العالم العربي في الحوادث المرورية المميتة، لكن مع هذا فإن كل الإجراءات التي تتخذها الدولة لم تستطع الحد أو على الأقل التأثير في هذه الظاهرة، ولا أحد يفهم إن كان ذلك بسبب أن الإجراءات المتخذة غير مدروسة بشكل جيد، أم أن هناك خللا في تطبيقها؟ فكل الإجراءات القمعية التي اتخذت في هذا المجال لم تجدِ نفعا، مثل إجراء سحب الرخصة المتبع مع بعض المخالفات بشكل مكثف دون أن يغير من واقع ارتفاع عدد الحوادث باستمرار، ولا تقنية الرادار (التي يبدو أنها غير مطابقة للتقنيات الحديثة)، ناهيك على أن هذه الإجراءات تسببت في خلق نوع جديد من المحسوبية والبيروقراطية التي لا يدفع ثمنها إلا المواطن البسيط.. وعلى العموم يعتقد الكثير من الخبراء في عالم السياقة وأمن الطرقات أن كل هذه الإجراءات تمس النتائج وليس الأسباب، وهذا ما يجعل العودة إلى الحلول التي اقترحت في ثمانينيات القرن الماضي، تبدو أنجع، كاستحداث مادة التربية المرورية في المناهج المدرسية، التي ربما من شأنها، على الأقل، التأثير في الحد من الأسباب البشرية للظاهرة.