قبل نصف قرن من الزمان لم يكن يخطر على بال أي لاعب أسترالي أن ينجح في الانطلاق من المسابقات المحلية المتواضعة إلى قمة المنافسات حامية الوطيس في إنجلترا، ولكن هذا بالتحديد هو ما حدث للاعب جو مارستون. وعلى مدى العقدين الأخيرين وجد عدد كبير من اللاعبين الأستراليين طريقهم إلى عالم الاحتراف في مختلف أنحاء أوروبا وغيرها، ولكن هذا الرجل كان هو أول من قطع هذه الرحلة الطويلة التي لم يكن أحد من بني وطنه في السابق يحسبها ممكنة.ولد مارستون عام 1926، وجمح خياله في شبابه مع قصاصات الجرائد التي عرَّفه من خلالها جاره الاسكتلندي على تفاصيل كرة القدم في "البلد القديم". ولكن هذا الصبي الصغير من أبناء الطبقة العاملة في سيدني لم يكن يعرف ما يخبئه له القدر في عالم كرة القدم. إذ لم يكن حلمه في صغره يتعدى اللعب في فريق ناديه المحلي، ليشهاردت-أنانديل. وكان له ما أراد عندما بلغ ربيعه الثامن عشر، بينما كان يتدرب لدى أحد مصنعي فرش الدهان المحليين أثناء أيام العمل الرسمية. وكان للعب ضمن صفوف فريق ينافس دائما على الجوائز أثره الكبير في انضمام مارستون للمنتخب، حيث لعب أولى مبارياته الدولية مع فريق أستراليا الوطني بعد الحرب في عام 1947 وهو في سن الحادية والعشرين. ولكن سير حياة مارستون لم يتغير كليا إلا عندما تلقى تلك المكالمة الهاتفية في أحد أيام جانفي الحارة في عام 1950. عندما أخبروه بوصول رسالة من بريستون"، فقرر جو وزوجته إيديث اقتحام المغامرة والسفر إلى إنجلترا. وفي أول حصة تدريبية، كانت مفاجأة عظيمة بانتظار هذا الوافد الجديد الصغير، الذي كان منذ أسابيع قليلة يحرس شاطئا تغمره أشعة الشمس الدافئة. إذ كان ملعب ديبديل محفوفا بالثلوج وكانت أرضيته متجمدة موحلة، وهو ما كان يعني أن أول ما كان ينبغي عمله هو التأقلم سريعا على هذا الطقس الجديد. وبعد أن قضى نصف موسمه الأول مع احتياطيي النادي، نال فرصته ليرتقي إلى الفريق الأول، فلعب حوالي 200 مباراة متتالية بلا انقطاع، أولا كمدافع أيمن، ثم في مركز قلب الدفاع، وكان ذلك في الوقت الذي لا يُسمح فيه بإجراء تغييرات. "كان يجب اللعب حتى مع الإصابة في ذلك الوقت". وبعد الفوز بدوري الدرجة الثانية والصعود إلى الدرجة الأولى في عام 1951، أثبت مارستون وزملاؤه، الذين كان من بينهم الأسطورة توم فيني، وجودهم بين صفوة الأندية، وأفلت منهم لقب الدوري بصعوبة في اليوم الأخير من موسم 1953، حيث تفوق عليهم آرسنال بفارق هدف وحيد. وبعد مرور اثني عشر شهرا حدث ما كان يعتبر حلما بعيد المنال، ولكن نهاية الحلم الجميل كانت مخيبة للآمال. إذ خطف ويست برومويتش ألبيون هدفا متأخرا فاز به (3 - 2) ليظفر بالجائزة، وما زال مارستون يندم أشد الندم على إخفاقه في الحيلولة دون دخول هذا الهدف القاتل. وحمل الأسترالي شارة القيادة بدلا من فيني في الموسم التالي، الذي اختير فيه أيضا ضمن فريق الدوري الإنجليزي في مباراته ضد نظيره الاسكتلندي في هامبدن بارك. وكان ذلك تقديرا نادرا للاعب أجنبي، وكان مارستون هو اللاعب غير الإنجليزي الوحيد في تشكيل الفريق ذلك اليوم. رغم أن مارستون لم يكن يدرك حقيقة الأمر في وقته، إلا أنه في الواقع نجح في تسلق جبل شاهق وكان سببا في رفع مستوى طموحات الأجيال التالية من اللاعبين الأستراليين. صحيح أنه لم يلق استقبالا حافلا من الجماهير عندما عاد إلى أرض الوطن، ولكنه استدعي فورا ليلعب مع المنتخب الأسترالي في سلسلة مباريات أخرى ضد جنوب إفريقيا. وكانت بطولة كرة القدم الأوليمبية عام 1956 هي أول منافسة عالمية تشارك فيها أستراليا، ولكن مارستون لم يكن مسموحا له المشاركة نظرا للتمسك بقواعد لعب الهواة في ذلك الوقت. ورغم بقائه في إنجلترا خمس سنوات، نال مارستون شرف تمثيل بلاده مع المنتخب في 35 مباراة، وهو عدد كبير من المباريات في ذلك الوقت الذي كانت تندر فيه فرص خوض منتخب بلد بعيد مثل أستراليا مباريات دولية. وواصل مارستون اللعب على مستوى الأندية حتى بلغ الثامنة والثلاثين من العمر، ثم دخل عالم التدريب فتولى قيادة العديد من الفرق، كان من بينها فريق بلاده الوطني في عام 1966، فكان بذلك أول مدرب نشأ في أستراليا يدرب منتخبها. توالت بعد ذلك مناسبات التكريم والتقدير بعد الاعتزال، فكان واحدا من اثنين فقط من لاعبي أستراليا (الآخر هو جوني وارين) حصلا على رتبة عضو في الإمبراطورية البريطانية. ولكن لعل أعظم تقدير ناله هو ميدالية مارستون، وهي جائزة تحمل اسمه وتُمنح كل سنة لأفضل لاعب في النهائي الكبير للدوري الأسترالي.