أنا لم ألتق في حياتي مع عمارة بن يونس إلا مرتين، مرة عندما كان وزيرا ومرة عندما لم يعد وزيرا، والحق، الحق كنت معجبا بهذا الشاب الواعد لشجاعته ومواقفه الصلبة من المتشددين الإسلاميين ومن الإرهابيين ومن الحرس القديم الذي قاد البلاد إلى المأزق والعباد إلى الوضع البائس الحزين.. لكن هذا الشاب الواعد سرعان ما أصبح يثير حيرتي وشكوكي منذ وقت قصير، خاصة بعد عودته إلى الطاقم الحكومي بسبب تصريحاته الغريبة والعجيبة عندما راح يدخل حلبة المزايدين مناديا بعهدة رابعة للرئيس بوتفليقة قبل أن يتخذ هذا الأخير قراره وينطق ببنت شفة ولقد وجدت الكثيرين ممن يشاطرونني هذه الحيرة والقلق والحزن كذلك على ما آل إليه هذا الشاب الذي طالما أعجبت بشجاعته.. وحتى تطمئن قلوب قارئاتي وقرائي من أنصار أولاد البياعين فأنا لا أنتمي إلى حزب ولا إلى فئة سياسية تحمل الضغينة لبوتفليقة أو لأنصار عهدة رابعة لكن قلبي يقول إن الرجل لم يعد نفس الرجل الذي عرفناه في السنوات الفائتة، ولا هو من أولئك الذين يريدون أن يخلدوا في الكرسي، أظن والله أعلم أن الرجل كان صادقا عندما صرح ذات يوم أن جيله جنانه طاب.. قال ذلك بعظمة لسانه وهو في كامل قوته البدنية والسياسية ويومها فرحت وافتخرت به أيما فخر.. وقلت بيني وبين نفسي ها هو رجل من جيل نوفمبر عرف حدوده وقدره وجعل الجزائر فوق كل شيء وفوق كل رغبة أنانية في التشبث بالحكم، وما على السياسيين من أمثال عمارة بن يونس إلا أن يساندوه في هذا الطريق المثالي الذي اختاره، فلماذا إذن يدفعونه دفعا نحو الطريق السيئ وهو الخلود في الحكم ولا خلود إلا لله؟! لماذا يخادعونه وهم يعرفون المعرفة كلها أن الرجل قد استنفد كل قواه وطاقته ويزينون له الخيار الخطأ؟! إن الجزائر في حاجة إلى رجل شاب يحكمها، رجل مليئ بالآمال وعامر بالإرادة، فمن قال إن الجزائر أصبحت عاقرا فهو كاذب أو مخادع.. إذن يا عمارة، يا سعداني، يا خليدة، يا غول كفوا عن الرئيس ألسنتكم ودعوا الجزائر الأصيلة تختار قدرها الحقيقي لا قدرها المصطنع والزائف...