هل أخطأنا قراءة خطاب الرئيس بوتفليقة الشهير في سطيف، شهر ماي الماضي، عندما قال ''جيلي طاب جنانو''، في ظلّ دعوات البعض له كي يترشّح لعهدة رابعة؟ لغويا، بوتفليقة قال ''جيلي طاب جنانو، وعاش من عرف قدره''، وكلمة ''جيلي'' تعني أن بوتفليقة لا يتحدّث عن نفسه فقط، وإنما عن أشخاص آخرين من جيله يوجدون في الحكم، وهنا تقودنا ''فلسفة'' التحليل إلى أن بوتفليقة ربما كان يقصد مسؤولين في هرم الدولة، يعرفهم ويعرفونه، وكان يدعوهم للرحيل جميعا، وأنه لن يرحل وحده. أما سياسيا، فإن دعوة النائب عن جبهة التحرير الوطني الرئيس بوتفليقة للترشّح لعهدة رابعة، يستحيل أن تكون جاءت بمبادرة شخصية، وقد رأينا ماذا حدث لزعيم حزب سياسي مغمور عندما خرج، علينا في صحيفة وطنية، وكشف خلالها عن انتهاء التحضيرات لإنشاء حزب السعيد بوتفليقة، لكن بمجرّد طلوع صباح اليوم التالي حتى قرأنا، في الصحيفة نفسها، تكذيبا من زعيم الحزب المغمور، ليقول إن كل ما قاله ''افتراء'' على شقيق الرئيس !!؟وبلغنا لاحقا أن صاحبنا تعرّض ل''مأساة''. لا علينا.. نعود إلى مربط الفرس في قضية ترشّح بوتفليقة لعهدة رابعة: في رأيي المتواضع، فإن بوتفليقة، الذي خرج من الجزائر بداية الثمانينيات مطاردا من قبل ''البعض''، كما قال هو عن نفسه في ركن سيرته الذاتية على موقعه الإلكتروني لرئاسيات ,2009 لا يريد أن يتكرّر معه هذا السيناريو الآن. لا يريد بوتفليقة أن يرحل من الكرسي ثم يقرأ، بأم عينيه كلاما في الصحف، وربما في الفضائيات الجديدة، أو حتى المذكّرات، من يتّهمه بكذا وكذا. بوتفليقة ورجال بوتفليقة اشتكوا مرات من عرقلة برنامجه الرئاسي، وبوتفليقة نفسه اشتكى من ''خيانة'' وزراء له، ولهذا فهو يريد المرور إلى عهدة رابعة، حتى يمنع معارضيه من الشماتة فيه حيّا. وفي النهاية فبوتفليقة ينتمي إلى جيل الثورة التحريرية، مثله مثل بن بلة وبومدين وبوضياف والشاذلي، لديهم حساسيات تاريخية بينهم لن تزول إلا بزوالهم، وبزوال جيل كامل ''طاب جنانو''. أما بالنسبة لجيل الاستقلال، الذي ينتظر تسليم المشعل، فلابد أن يعترف لجيل الثورة بأنهم، فعلا، أدّوا ما عليهم، ولهم علينا حقّ الاحترام، وبالمقابل، على جيل الثورة أن يفهم بأن جيل الاستقلال ''طاب جنانو'' من الانتظار..