قال المخرج الفرنسي ستيفان كازاس، صبيحة أمس الجمعة، في ندوة بقاعة الموقار، إنه بعد انجاز فيلمه "أومبلين"، خلص إلى نتيجة مفادها أن السجون الفرنسية "تكسر المساجين ولا تساعدهم على الاندماج فعليا في المجتمع". وأكد المخرج الشاب، أن تجربته الميدانية لتحصيل المادة الأولية لإخراج الفيلم الخيالي المطول، فضحت الممارسات اللاانسانية حيال النساء وأطفالهن ما وراء القضبان، واعترف أن القضاء الفرنسي ما يزال يرفض تصوير حقيقة ما يجري خلف القضبان. إعترف كازاس، أنه وقف "على واقع مؤلم" في السجون الفرنسية، وأكد أنه رغم الإدعاءات بأن العاملين بها مهمتهم مزدوجة هي معاقبة الجاني ومساعدته على تحسين سلوكه وبالتالي الاندماج في الحياة الاجتماعية فيما بعد: "إلا أن الواقع غير ذلك، فكل العاملين هناك لا يساعدون على الاندماج، بل النظام الداخلي وطريقة التعامل تكسر السجين، وتدخله في دائرة مفرغة، هي تقتل الفرد بعد سنوات من الحبس"، ويكشف: "فرص العمل داخل السجن قليلة جدا، السجين بعد إطلاق سراحه، يخرج بلا فلس، وفي الداخل سجينات لا يهمهن الاندماج بقدر ما يركضن وراء موعد من طبيب الأسنان الذي تأخر ستة أشهر كاملة". وفي السنوات السبع التي استغرقها الاشتغال على سيناريو الفيلم، أكد المخرج قائلا: "خلال تلك الفترة لم ألتقي بسجينة أو سجين أنهت دراستها ما بعد البكالوريا، فالمستوى الدراسي عموما منخفض جدا في سجون فرنسا، علما أن أغلب المساجين جاؤوا من أوساط اجتماعية متواضعة". لم يكن سهلا على ستيفان كازاس، تحويل حياة الأمهات السجينات إلى شريط تسجيلي: "كان ذلك صعبا لأن الحقيقة مؤلمة فعلا، وإنسانيا لم أكن قادرا على نقل الحالات التي تصل أحيانا إلى حد الانهيار والجنون وفقدان الأمل، الأمهات في السجون موضوع حساس، والكاميرا أمام وضعهن عاجزة على مرافقة يومياتهن، لأن إدارة السجون لا تسمح لنا بوقت كافٍ لنعيش معهن"، ويضيف: "الأمهات المحبوسات لهن حظ مرافقة أطفالهن في جناح مخصص بالأمومة، ويخرجن إلى ما يشبه الروضة من السادسة إلى الثامنة صباحا فقط، أما باقي الوقت فتظل هي ورضيعها وراء جدران الزنزانة، ولكم أن تتصوروا الحياة في هذه الظروف.. لهذا لم يكن سهلا أن ندخل إلى حياة تلك النسوة". وقد تفطن كازاس إلى "حيلة" سينمائية جميلة، تتمثل في رواية ما يحدث وما شاهده خلال نزوله إلى الميدان واشتغاله كمتطوع في السجون للتقرب من الموضوع، مستعينا بالخيال أو ما يعرف بالفيلم الروائي الخيالي: "سحر الفن السابع أعطاني حرية أكبر لتناول الموضوع"، ويردف: "الوثائقي رغم أنه ينقل إليك مادة واقعية إلا أنه لا يعني أنه لا يخادع، بل ثمة هامش من الخديعة يمكن للمخرج أن يمارسها في مرحلة التركيب ولا ينقل إلينا كل الحقيقة المرجوة منه". الفيلم الروائي الملتزم الذي عرض في السهرة الأولى لمهرجان الجزائر للسينما والفيلم الملتزم في طبعته الرابعة (19-26 ديسمبر 2013)، الذي انطلق بقاعة الموقار أول أمس الخميس، أثار إعجاب الجمهور، وشدّ انتباههم خاصة بوجود الممثلة البارعة ميلاني تيري، التي جسدت شخصية "أومبلين" فنقلت إلى المشاهد المشاعر الكثيفة التي تنتاب أم وهي تضع مولودها داخل السجن، وتراه يكبر وراء جدران، بينما تحلم بمستقبل واعد له، وتأمل في التغيير الإيجابي لتكون جديرة بأمومته. ميلاني الممثلة الفرنسية المشهورة، قال عنها المخرج، إنها خضعت كغيرها إلى الكاستينغ، وتفوقت على باقي المرشحات للدور، وقد ساعدها كونها أم منذ سنة لتحسن التعامل مع الرضع السبع الذين صوروا الفيلم. يحكي الفيلم إذن، قصة "أومبلين" فتاة في العشرين من العمر، لها ميولات نحو العنف، وهو سبب حبها ثلاث سنوات. فقدت الأمل في كل شيء، إلا أنها استعادت الرغبة في العيش للغد، بعد أن أعلمت بحملها، وبدأت تفكر في الغد، وفي "لوكا" رضيعها الجميل، الذي أجبرها لتتغير حتى تقنع الإدارة بحق الاحتفاظ به بعد سنة 18 شهرا. استخدم ستيفان كازاس، في عمله الروائي الأول، لقطات مقربة، أظهرت أومبلين في كل حالاتها السعيدة والتعيسة، في ساعة التمرد والجنوح إلى العنف، وساعة الصفو والهدوء وهي تلاعب أيدي صغيرها "لوكا". وعن خياره يقول: "من شدة جودة أداء الممثلة ميلاني فكرت في تصويرها عن قرب، أصلا لم أحتج إلى إعادة التصوير إلا مرتين فهي محترفة للغاية".