إشتهر أبوالقاسم سعد الله، كمؤرخ بل هو عميد الدراسات التاريخية في الجزائر، ولكن بعض مؤلفاته مثل "دراسات في الأدب الجزائري الحديث"، و«تجارب في الأدب والرحلة"، و«منطلقات فكرية"، وشعره في دواوين "النصر للجزائر"، و«ثائر وحب"، ومقالاته الصحفية تجعله مثقفا موسوعيا بل مفكرا ناقدا لتناقضات الوجود بأوسع معانيه، فقد أقر بأنه كان "شاديا في النقد الأدبي"، فكتب "مع حمار الحكيم" للمرحوم رضا حوحو ومجموعة ألحان الفتوة للأستاذ محمد صالح رمضان"، ويعود بعضها إلى الستينيات مثل رأيه ‘' في مسرحية التراب وبحيرة الزيتون للدكتور أبوالعيد دودو ومصرع الطغاة والقصة القصيرة للدكتور عبدالله الركيبي، وآخر ما قدمت من كتب في السبعينيات هو ما كتبته عن ديوان ألم وثورة للشاعر الأستاذ مصطفى الغماري". ومثل هذه الروح الفكرية لا تتذوق الأجناس الأدبية بل تساهم في ترقياتها ب«مسار قلم" يعبر به عن تجاربه الخاصة ومواقفه وتأملاته إلى درجة أنه أمسى هو التاريخ ذاته بعدما كان باحثا في التاريخ. لقد اهتم مؤرخنا بتاريخ الأدب عندما أعد "جدولا تفصيليا بالكتب والمقالات والقصص التي كانت نشرتها مجلة الآداب البيروتية عن الجزائر منذ نشأتها سنة 1953 إلى صيف 1962 تاريخ استقلال الجزائر"، فهذه المجلة كانت في نظره "تمثل تيارا جديدا تقدميا قوميا لا يؤمن به أساتذة الزيتونة ولا طلابها المتزمتون. وكان من يقرأ الآداب كما أن يقرأ موسوعة ديدرو في القرن الثامن عشر". وفي هذا السياق، نشر عثمان سعدي ترجمته لقطعة ألبير كامو كامي بالنطق الفرنسي بعنوان ‘'رجوع إلى تيبازة''، واختارت المجلة لها عنوانا آخر بارزا هو ‘'صفحات من الأدب الجزائري الحديث"، فاعترض "الدكتور علي سعد لأن كامي في نظره ليس عربيا، ومن ثمة فإن أدبه ليس أدبا عربيا وجزائريا بل هو أدب فرنسي لحما ودما. ورغم أن سعدي انتصر لكامي الجزائري وهاجم الموقف العربي في المشرق من ثورة الجزائر، فإن تعليق الدكتور علي سعد كان درسا للآداب التي لا نجدها تذكر كامي مستقبلا على أنه جزائري، باستثناء الموطن طبعا"، وهذا الجدل ما زال من القضايا الراهنة في صفحات الجرائد الوطنية منذ أفريل 2010 ومحاولة الاحتفال بقافلة كامي، ولقد وضح ذلك المؤرخ أرزقي فراد في مقالة "هل يتكرر تمجيد الاستعمار عبر جبة البير كامي؟ قائلا: "أفضل أن أتهم بسوء فهم إبداعات ألبير كامي على أن أسيء لذاكرة الشهداء"، ودعا إلى تكريم أصدقاء الجزائر من أمثال "فرانسيس جانسون، وجان سيناك، وموريس أودان، وجان بول سارتر، وفرانسوا ماسبيرو، وأندري ماندوز، وروبير دافيزي، وفرانز فانون وغيرهم"، بينما الكاتب حميد عبد القادر في مقاله "ألبير كامي خيبة مثقف" أعلن بأنه يفضله "على جان بول سارتر، رغم اعترافه بمساندة هذا الأخير للثورة الجزائرية بشكل مباشر، و قوله بوجود "جبن في شخصية كامي". وعليه سنركز على بعض النقاشات الفلسفية والأدبية الذي احتوته المجلة كما نقلها المؤرخ، التي كثيرا ما يتغافل عنها أو يتجاهلها الباحثون والدارسون للفكر المعاصر، لقد ترجمت ‘'الآداب'' في عددها الثالث تعليقا على رواية "نجمة" لكاتب ياسين كتبه الفرنسي موريس نادو، وجعلت للترجمة عنوانا يناسب أحداث ذلك الوقت، "نجمة رواية الجزائر المناضلة"، كما وضعت صورة كاتب ياسين وعرفت بحياته.. وقدمت ‘'الآداب'' لقرائها العرب عرضا لكتاب فرنسي هام عن الجزائر في ذلك الوقت وهو "الجزائر الخارجة عن القانون" لكوليت وفرانسيس جونسون.. وانتهى عرضها له بقول المترجم "فالكتاب جدير أن يطلع عليه كل عربي، وجدير أن يحمل الشكر لكاتبيه، شكر كل مؤمن بالانسانية وبالتحرر القومي"، وأوردت المجلة في أخبارها الثقافية بيانات الكتاب الفرنسيين من ثورة الجزائر ومهاجمة الكتاب الجزائريين الذين يكتبون بالفرنسية للاستعمار الفرنسي مثل محمد ديب. وفي عددها الخامس نشرت قصيدة مؤرخنا الشاعر "المروحة" التي ترمز لاحتلال فرنسا للجزائر، وكذلك بيان كتاب وشعراء العراق "انقذوا الجزائر العربية" وقعه السياب والشواف والحلي وجواد والنيازي وغيرهم. وفي العدد السادس، ترجم سهيل ادريس رئيس تحرير المجلة مقالة جان بول سارتر عن "النظام الاستعماري في الجزائر" التي نشرت في مجلته "الأزمنة الحديثة"، وفي العدد السابع نشرت المجلة قصائد تناصر الوجود الجزائري وترجمت "رسالة إلى فتى فرنسي في الجزائر" كتبها جان سيناك. لقد واصلت المجلة هذا النضال الفكري في أعداد 1957، فنشرت "أسس فعالية اقتصاد إفريقي- آسيوي" للمفكر مالك بن نبي، واعتبرته بحث الشهر الاقتصادي، ونقلت إلينا أيضا مناقشة جان مورياك وجان عمروش، فالأول كان ينادي بالتفاوض مع فرنسا والثاني يدعو إلى قومية جزائرية مستقلة، بل نشرت أيضا بيان 350 شخصية فرنسية طالبوا بوقف الإرهاب في الجزائر، وموقف مورياك لاحقا بأنه "لن يكتب الرواية بعد اليوم لأن فظاعة الواقع تطرده من التأليف الخيالي". وقامت أيضا بترجمة مقالة سارتر "مجندون يشهدون" التي حلل فيها نفسية الانسان الفرنسي تجاه قضية الجزائر، وعادت إلى "مآساة الجزائر" للكاتب اليميني ريمون أرون، الذي تحرك ضميره إزاء القضية الجزائرية، ونشرت عدة أعمال أدبية نذكر من بينها مسرحية "عذابات" لأبي العيد دودو وقصة "اثنان وثلاثون طلقة" لعثمان سعدي. وفي أعداد 1958 نقف عند قصائد نزار قباني وشفيق كمالي ونجيب سرور ومحمد المصري وعيسى الناعوري وسليمان عيسى وحسن البياتي وعلي الحلي ومحمد الفيتوري وفارس قويدر، التي قدمت لجميلة بوحيرد وهنا نفهم معاني تكريمها في "ميادين" بيروت وترجمت عائدة مطرجي إدريس أخطر مقال عن التعذيب "الجلادون" لجان بول سارتر، وهو عبارة عن تعليق على كتاب "الاستجواب" لهنري علاق. وساهم جلال كمال الدين ببحث عن "الجزائر في الفن العراقي".. وصورة غلاف العدد الرابع من المجلة كانت رسما لجميلة بوعزة مكتوبا تحتها بقلم الفنان ناظم ايراني "إلى المناضلة الباسلة جميلة مع اكباري العميق"، ونقلت الإعلانات الخاصة بالجزائر مثل صدور كتاب سارتر "عارنا في الجزائر". ونشر مؤرخنا الأستاذ سعد الله دراستين هما "البطولة في الأدب الجزائري" و«رسالة الجمعيات والنوادي في الجزائر". وفي أعداد 1960 عاد الاهتمام بالفيلسوف كامي من خلال مقالات "كامي والتمزق" و«كامي والبحث عن السعادة" و«كامي ونظرية التمرد" لأن هذا الكاتب ارتبط بدرجة أو أخرى بقضية الجزائر، كما نشر مؤرخنا الأستاذ سعد الله دراسة "محاولاتنا في النقد الأدبي". وتحدث الأستاذ سهيل إدريس عن بيان 120 أي المثقفين الفرنسيين الذي دافعوا عن منظمة "جانسون" المؤيدة للثورة الجزائرية، وترجم محمد برادة مقالة مولود معمري عن "الأدب الروائي المغاربي المكتوب باللغة الفرنسية". وفي 1962 ترجم سهيل إدريس مقدمة سارتر لكتاب "معذبو الأرض" لفرانز فانون، واحتوت المجلة أيضا على أفكار أساسية عن حياة مالك حداد ومولود فرعون، ونقد كتاب "الشقاء في خطر" لمالك حداد، وقراءة في حياة ومؤلفات مولود فرعون بعد اغتياله. وبعد استدعاء رئيس تحريرها تقديرا لموقفه واعترافا بفضل مجلته على الثورة في احتفالات نوفمبر كتب يقول: "تلمس قدماي أرض الجزائر فيتحقق الحلم الأثير، وتغيم عيناي بغشاوة من دموع حين يرف فيهما علم الجزائر.."، والأمر نفسه يصدق علينا حينما نودع أحد أعلامها الأوفياء، فتلك دموع الأفراح وهذه دموع الأحزان، ولكن رايتهما تظل عالية كشموخ نخيل الوادي. على العموم حاولنا نقل صورة من هواجس المؤرخ الأدبية والفلسفية، التي تظل ضرورة معرفية لتاريخنا الثقافي لعلنا نشتغل بتكامل العلوم والمعارف كمعيار للتمييز بين الواقع والأسطورة عندما نسجل حقائق الذاكرة الوطنية، ونعمل على استثمار مبدأ التعددية في المناهج كأسلوب في فهم المكون والمتكون في كل ذات تنتصر لثقافة الغد والمستقبل. جامعة وهران