أوروبا.. دائما ظل الالتباس الحذر، الشك والارتياب يخترق المخيال، مخيالنا كشرقيين / مغاربة عرب / مسلمين والمخيلة الغربية، يتزاحم التاريخ مع الحاضر وتتواشج عبرهما ومن خلال جسديهما كل تلك الأطياف المعبأة بتلك الذكريات الدفينة المتجذرة في ثقافات الحروب الدينية أو الحروب الاستعمارية.. وأوروبا كذلك، هي ذلك الملجأ الذي يفجر فينا تلك الحميمية اللدودة، وذلك الحب المشوب بالكراهية العصية.. ظلت العلاقة قائمة كذلك في جذور المخيال على لعبة القوة والسيطرة، ثم تلك العلاقة المتوترة بين الغنى الشمالي والفقر الجنوبي، لكن ألا يمكن أن تكون أوروبا هي غير هذه الأشياء والصور والمخاييل والمشاعر في زمننا هذا؟! هل يمكن التحدث والتعاطي مع أوروبا كآخر، أليست هي فينا ونحن فيها ضمن هذه البوتقة المعقدة من الاختراقات والتبادلات والتموقعات دائمة الحراك والتجدد والتمظهر؟! دائما بقينا محكومين بذلك الاهتمام الذي تتصورنا ضمنه وبالتالي تصفنا ونصفها من خلال نظرتها لنا، (أوروبا)، ألم يتغير العالم، وبالتالي تغيرت في ظل هذه الثورة الاتصالية في زمن ما بعد الحداثات المتغايرة منظومة النظر وأساليب بناء التصورات..؟! إن أيام الفيلم الأوروبي في الجزائر تتيح لنا مثل هذه اللحظة المختلفة وهي اللحظة الخلاقة لنظرة جديدة من تواجدنا المواقعي كجنوبيين إلى أوروبا، وكذلك كأصحاب ثقافة مغايرة ضمن هذه الضيافة على أرضنا باعتبارها فضاء متوسطيا.. إن مثل هذه اللحظة ستكون خارج تلك الثقافة السائدة التي طالما سكنتنا وفي وقت ذاته سكنت الأوروبيين كتبعيتها لإرث فكر السيطرة والهيمنة.. فعبر السينما سنتقرب من أوروبا الأخرى.. أوروبا الخيالية والحقيقية، في ذات الوقت من خلال أسئلتها اليومية التي تؤرقها وترفع الستائر عن جراحاتها ومقاومتها في سبيل استعادة إنسانية الفرد المستباحة من قبل البرباريات الجديدة، بربارية سلطة رأس المال ونزعة الهيمنة الامبراطورية.. تنتقل أوروبا وهي في لحظة حرة عبر هذه الأفلام لتقترح علينا لغة جديدة، وواقعا جديدا من المهم التعرف عليهما وبالتالي إعادة صياغة أسئلتنا وتساؤلاتنا عن تنامي الهويات الجديدة لأوروبا الآن..