تزكية بن صالح على رأس الأرندي بقدر ما تشير إلى إمكانية خروج حزب التجمع من أزمته، فما هي الدلالات السياسية التي يكتسيها نصر بن صالح؟ منذ ولادته ارتبط الأرندي بإرادة الدوائر صاحبة النفوذ في الحكم، لذا كان عبارة عن جهاز أكثر منه كحزب سياسي تقليدي وتجلى ذلك في اللحظات العصيبة التي خرج فيها الأفلان على إرادة أصحاب القرار عندما تحول إلى صف المعارضة الجذرية في عهد الراحل عبد الحميد مهري، وبالرغم من إعادة الأفلان إلى بيت الطاعة في فترة بن حمودة إلا أن الثقة ظلت موضوعة في حزب الأرندي عندما قاده لوقت طويل أحمد أويحيى.. وبالرغم أن في عهد بوتفليقة ظلت العلاقة بين هذا الأخير وقادة الحزب يشوبها من حين إلى آخر بعض الارتياب والشكوك وذلك بالرغم أن الأرندي كان من بين الأطراف المشكلة للحلف الرئاسي إلى جانب الأفالان وحمس، لكن بعد انهيار الحلف الثلاثي سرعان ما عادت الأمور إلى درجة متدنية من الثقة، وقال إن الرئيس نفسه شعر بالامتعاض من أويحيى الذي أصبح يقوم بدور موازٍ، الغاية منه خلافة بوتفليقة في اللحظات المناسبة، وذلك ما أدى إلى اهتزاز داخل الأرندي كانت نتيجته، رحيل أويحيى الذي لم يقاوم بكل استكانة تلك الإرادة الخفية التي حالت بينه وبين استمراره على رأس الأرندي.. وقد أثيرت العديد من الأسئلة في أوساط المراقبين، إن كان رحيل أويحيى من على رأس الأرندي يشكل نهاية لهذا الرجل الموصوف بالفولاذي والمتشدد سياسيا أو هي استراحة المحارب الذي قد يلمع نجمه في اللحظات التي تكون سماؤها حالكة.. وما يلفت الانتباه أنه برغم ذهاب الغريمين، أويحيى وبلخادم حدث في وقت متقارب وضمن سيناريو موحد، إلا أن مآل الأمور داخل الحزبين كان مختلفا ويكاد يكون راديكاليا، فالحزب التليد، جبهة التحرير الوطني قد تراجع القهقرى عند تصدر واجهته عمار سعيداني الذي تحول إلى مصدر حقيقي للفتنة المثارة داخل الأفالان، بحيث أصبح التصدع عميقا وفقد الأفالان بعض الهيبة التي كان يحتفظ بها، وتبدد في أعين مناصريه ووعائه التقليدي ذاك الرصيد الذي كان يجعل منه أداة انتخابية يعتمد عليها الحكم، وهو الآن يعيش لحظة متدنية وقاتمة لم يعرفها طوال مساره الطويل والمعقد وهذه اللحظة قد يترتب عنها انقسامات ومعارك داخلية أخرى، لا تعمل إلا على إضعاف موقعه ونحن على أبواب الرئاسيات وبالتالي تجريده من كل صدقية قادرة أن تجعل منها قاطرة مهمة في السباق الرئاسي القادم.. في حين أن الأرندي الذي كان يبدو على وشك الانفجار تمكن من إدارة صراعه الداخلي وبالتالي تم إيقاف أي نزيف يؤدي به إلى الهلاك.. فأويحيى وأنصاره قبلوا الانخراط في اللعبة المساعدة على ضبط الصراع وتوظيف ذلك في إشاعة الاستقرار من خلال التوافق وإن كان تكتيكيا حول شخصية بن صالح الذي يكون قد وعد بتجديد هياكل الحزب وتعديل قوانينه التي قد تسمح بإعطاء نفس وروح جديدين للحزب وذلك من خلال فتح الباب أمام المناضلين من ذوي الكفاءات على حساب مبدأ الولاءات.. ويراهن المتوافقون مع بن صالح، أن هذا العامل سيكون بمثابة بناء أرضية جديدة قد تكون الدفع الحقيقي للأرندي في انبعاثه وسط هذا الخراب السياسي الذي تعاني منه الطبقة السياسية ليصبح أول قوة سياسية بديلة عن الأفالان.. ويقول هؤلاء المتوافقون إن شخصية بن صالح بحكم مرونتها وانفتاحها وحكمتها وابتعادها عن النزعة التسلطية ستكون بمثابة العنصر المحوري الذي سيقي الأرندي من منطق الإقصاءات والنزاعات الشللية وهذا من شأنه أن يساعد على إعادة الاعتبار للنضال السياسي على حساب الولاء الشللي والبيروقراطي.. ويشير مطلعون على خبايا الأرندي، أن هذا الأمر، شاركت في التحضير له مختلف القوى من ذوات النفوذ للدفع بالأرندي إلى وفاق، يشكله تياران أساسيان، تيار موالٍ لأويحيى وتيار موالٍ لبن صالح كشخصية جامعة، وهذا ما سيساعد الأرندي أن يكون الخيط القوي والربط لكل مشروع تحالف قبيل رئاسيات 2014...