عرضت الطبعة الثانية لأيام الفيلم الأوروبي بالعاصمة، فيلم"لوهافر" (Le Havre)، للمخرج الفلنلدي آكي كوريسماكي، وهو يتطرق إلى موضوع التضامن مع المهاجرين غير الشرعيين في فرنسا. يقول عنه كورسيماكي في لقاء مع "الغادريان": "كل شيء كان مختلفاً عما هو الآن، كان يمكنك أن تكون متشرداً ومن ثم تحصل على عمل، أما الآن فإنك تموت من البرد". ويروي، قصة مارسيل ماركس، الدور الذي جسده الممثل الفرنسي أندريه ويلمز، كاتب قرر أن يسكن في بلدة "لوهافر" وتحول إلى ماسح أحذية يعيش البؤس وتنحصر حياته اليومية في مثلث منظم يتألف من عمله وحانته المفضلة وشقة صغيرة يقيم فيها مع زوجته الأجنبية أرتلي التي أدت دورها كاتي أوتينن، بمدينة لوهافر البحرية في الشمال، ليزداد بؤسه عندما يصيبها مرض يجعله يزورها يومياً في المستشفى وفي يده باقة ورود. . ونسج حكاية الفيلم بنغمات سياسية غير نمطية. مارسيل ماركس في "لوهافر" سيكون على اتصال بمشكلات المهاجرين، سيسعى هو وكل من حوله إلى انقاذ طفل إفريقي يبلغ الحادية عشرة من عمره من الاعتقال كونه مهاجراً شرعياً دون وثائق ويبذل كل ما بوسعه لمساعدة إدريس على الالتحاق بأمه في لندن، في حين يجري البحث عنه من قبل الشرطة الفرنسية الممثلة في شخص محافظ الشرطة موني الذي يؤدي دوره الممثل جان بيار داروسين الذي يتولى "مطاردة" المهاجرين غير الشرعيين تحت رئاسة نيكولا ساركوزي التي امتدت من 2007 إلى 2012 ، ويركز الفيلم، على القيم الإنسانية لهذا الأديب وعبر وسائل لها أن تقول مازال العالم كما في الستينيات وأخلاقيات مارسيل ماركس مازالت قابلة للتطبيق، حيث لا مكان للجشع والعنصرية، والمال لا يعني شيئاً أبداً. ونال فيلم "لوهافر" في 2012 جائزة النقاد بمهرجان كان السينمائي. وفي مؤتمر عقد في إطار مهرجان كان، قال المخرج المبدع: ربما يبدو هذا الفيلم وكأنه قصة خيالية، ولكن العالم يحتاج في بعض الأحيان إلى القصص الخيالية..وعلى امتداد مسيرته المهنية، واظب كوريسماكي على نسج قصص خيالية تتجول شخصياتها في غابة لا يلوثها المنطق الوحشي للرأسمالية الحديثة. بدأ كوريسماكي ممثلاً ثم كاتب سيناريو، مع اشتغاله -وهو الفقير- بالوقت نفسه في مهن أخرى، نادلاً وبنّاءً وساعي بريد. ومن مناخ البؤس والتهميش الذي كان يعيشه استمد مناخات وشخصيات أفلامه السينمائية، كوريسماكي يبلغ من العمر الآن 55 عاما على مدى ثلاثة عقود، ومن خلال عشرين فيلماً طويلاً، فرض كوريسماكي أسلوبه ومكانته كمخرج عبقرى يصنع سينما خاصة به بدقة من مكونات الكادر لحركة الكاميرا للزمن الفيلمي والتقطيع والأزياء والموسيقى، ومن عناوينها: "الجريمة والعقاب" وفيه مقاربة تتضمن رؤية كوريسماكي البصرية لعالم دويستوفسكي الروائي، وفي التعامل البصري نفسه مع الأدب يقدم هاملت لشكسبير في "هاملت يتوجه للعمل" 1987، وثلاثيته عن الطبقة العاملة "ظلال الجنة" 1986، "أريل" 1988.. عن أشخاص بلا جذور يجدون فى بعضهم وطنا، من خلال عامل منجم الفحم الذي يبحث عن عمل و«فتاة مصنع الكبريت" (1990) عن إيما بوفاري التي لا تنتحر بسم الفئران، بل تذيق الموت كل من حولها بهذا السم انتقاماً من وحدتها، ومن تعامل كل من حولها معها كما لو أنها حشرة، هي الوحيدة على الدوام والتي ما إن تقع على رجل حتى يعبث بها ويتخلى عنها. ثم "استأجرتُ قاتلاً" (1990)، "الحياة البوهيمية" (1992)، وقدم فيلمين عن عالم الموسيقى "كاوبوي لينينغراد في أميركا" (1989)و"كاوبوي لينينغراد يلتقون موسى" (1994). وفي "غيوم عابرة" 1996 يغلق المطعم الذي تعمل به أولونا أبوابه، ويطرد لاوري من عمله كسائق ترامواي بعد قرعة حول الموظفين الذين يجب الاستغناء عنهم، غير أن ذلك يصير غيوما عابرة حين يتمكنان من افتتاح مطعهما الخاص. وفي عام 1999، قدم فيلما تجريبيا صامتا صوّره بالأبيض والأسود، بعنوان "جحا"، ثم "رجل بلا ماض" (2002)، (الجائزة الكبرى بمهرجان "كان")، وفي المهرجان نفسه فازت ممثلة الفيلم كاتي اوتينين بجائزة أفضل ممثلة. مجرد وصوله هلسنكي، ينام "السيد أم" على مقعد فيتلقى ضربة على رأسه وتتم سرقته من قبل مجموعة من المجرمين. عندما يستفيق من غيبوبته، يجد نفسه وقد فقد ذاكرته. بلا مال ولا هوية، يقوم عدد من المتشردين بتقديم العون له. ومن خلال ذلك يتم عرض العديد من المفارقات التي يتعرض لها بفكاهة عبثية سوداء ناقدة للكثير من المشاكل التي تواجه الناس الهامشيين والفقراء.