سقط المصريون بشكل سريع في مطب سلطوي دفعهم إليه مبارك وأصدقاء السّوء في المخابرات والحكومة والبرلمان المصري، ولست في مقام التحامل على مصر شعبا ودولة وتاريخا كما فعل المصريون منذ أسبوعين وأكثر عندما تحولت الجزائر كاملة إلى مجرد /حالة/ لتفريغ مكبوتات الغضب الكامنة ورغبات الثورة العارمة والجوع إلى الصراخ في وجه مصر التي تمنح الجوع والخوف من الغد والبؤس وتبيع الجميع باسم الشعارات، لا يصلح هذا مدخلا لما أريد أن أقول، مصر لا تغضب لقتلاها في الحدود الإسرائيلية، مصر لا تهتم لمن ماتوا ويموتون في غزة، ومصر لا تفكر أن تضاعف حراس حدودها على الجانب الإسرائيلي إلا بترخيص من العدو الحميم، ومصر تحولني أنا وتاريخي وانتمائي إلى مجرد حدث عشوائي في التاريخ، وأنا لست بحاجة إلى شرح تاريخي، وأنبه هنا إلى أمر، أنا لا أتحدث بالضرورة عن مصر القديمة أو القادمة، ومصر التي تعنيني هي مصر الشوفينية المرضية التي أراها، وإذا كانت مصر ذُكرت في القرآن كما يقول مثقف أو شبه مثقف مصري والجزائر لم تذكر فانه ليس ظلم الهي، وأمريكا التي تضع شوكة في حلق مبارك وأخرى في مكان آخر لا نراه وهو يبتسم، لم تذكر في القرآن ولا التوراة ولا التلمود ولا الإنجيل ولا تنبأ بها بودا المسكين الذي غضبت لأجله، هذا أيضا مدخل لا يتناسب مع ما أردت أن أقوله، الكارثة بل أم الكوارث أن المثقف المصري /البزناسي بامتياز/ انخرط في اللعبة وكتب أحد دكاترتهم، مع التحفظ على الدرجة العلمية المصرية التي تسوّق في مقاهي القاهرة، مقالا محا فيه كل تاريخي، وأنا هنا معني ومعني جدا، فالأحمق الأشيب -الشيب والعيب- لا يقرأ التاريخ وان كان قارئا فإنه كاذب وهذا ما لا يتلاءم مع سنه ودرجته العلمية المشكوك فيها· اعترف أن الأزمة الوهمية التي أخرجها المصريون من خيال ضحل قد أضحكتني أكثر مما كنت أتوقع أن يحصل معي، وكنت أتأمل الشارع الجزائري وهو يحلل فأستعيد ثقتي في /عقل الشارع/ ولكنني أستغرب من عقل النخبة المصرية؟ ترى أين نام العقل المصري طوال الحملة المسعورة لإعلام الأقبية؟ لقد أطلق المصريون - من أبسط مواطن إلى أعلى /مواطن/ من درجة ابن رئيس أبدي- العنان للشتم والتقديح والعصف بالجزائر تاريخا وحاضرا ومقدسات، هذه الحملة لم تطل إسرائيل على مدى التاريخ، بل إني أجزم أن المسيري لم يستخدم ثلث القاموس الموجه صوب الجزائريين في كتابه الموسوعي حول الصهيونية، في كل ذلك كنت ألتزم الصمت لأني رأيت أن البداية كانت لموجهي الرأي العام وأبواق النظام الذين لا يصلون في كل الأحوال إلى ألقاب من قبيل /إعلاميين/ أو /نخبة/ ولا حتى /مذيعين/ لأنهم أثبتوا فشلهم، طبعا أنا لا ألتزم الصمت خشية ولا اتقاء شر أو مراعاة حق جيرة ولا تجاوزا عن الشقيق، ببساطة لأن كل ذلك لا يتوفر على مكان في وعيي الحالي والسابق، فأنا أتعامل مع المصريين من منطلق إنساني تماما كما أفعل مع البرازيليين الذين لا أعرفهم أو البوتسوانيين، فحكاية اندهاشي بالمصريين التي يروج لها في مصر المقاطِعة لا أساس لها· من بين ما نعتنا به المصريون أننا بربر؟ سجل أنا بربري، ولعل هذا دليل على سقوط نخبة مصر، وقرأت من مجّد مصر ومن كتب عن حبه القديم لها، قرأت من اكتشف أننا بلطجية وإرهاب ودمويون منذ زمن، قرأت من الجميع اتفاقا على الهوس، كل ذلك وكانوا ينتظرون لقاء كرويا للتفرقة، أعتذر للقراء ولكن المثقف المصري أغبى مما تصورت، كانت لي سابق معرفة بمصريين اثنين، أحدهما في الجامعة وكان يقيم عندي بعض الوقت، ولا أحتفظ في ذاكرتي لهذا المصري المسكين من شيء مثير أو استثناء سوى جوعه الأبدي، وقدرته على طلب المال بشكل متكرر بلا أي خجل، والثاني شخص جمعتني به ظروف عمل وفي ثاني فنجان قهوة معه اعتذر مني وعاد بعد عشر دقائق؟ تصوروا وشى بي إلى عشيقة صاحب العمل وعاد يبتسم؟ ذلك لم يجعلني أعمم حكمي، ولكن يبدو أن الفرق الوحيد هو الموقع· ماذا لو يأمركم مبارك الذي تعبدونه وتمثلون له المعارضة متى أراد والنصر متى أراد، أن تكفوا عن الجزائر التي عادت شقيقة، وتحول الوزراء الذين انبروا لها إلى حمائم تتحدث عن الحب وتجاوز الأزمة بل إن الأزمة لا تعدو أن تكون خلافا كرويا، إنكم يا مصريين /تحاجوا وتفكوا وحدكم/ وأريد الآن أن أتكلم بعد أن استنفذتم بعض مخزون السب والشتم، أو دعونا نعترف أنكم حولتموه إلى /محمد البرادعي/ الذي تفاخرتم به علينا وكان النوبلي المصري، ومن عجائب المصريين أن تحول الى /سويديا/ عندما عبر عن رغبة في الترشح للرئاسة؟ الآن أريد أن أهمس بعض الكلمات في آذان المصريين التعساء والبائسين مثل أغلب شعوب العالم الثالث الخاضعين للأنظمة الشمولية المعمرة، لا أكرهكم ولا أحبكم، هذا لتهدئة نفوسكم المعقدة، بالنسبة للنخبة المريضة التي انساقت خلف /مصر العظيمة بتنضرب/ لا يسعني إلا أن أقول لكم /طز عليكم/ وأحمد الله أن حدث هذا لأرى ما خفي· هل شتمت مصر في مقالي؟ أبدا هل نعت المصريين بصفة ليست فيهم أو قللت من اثنياتهم؟ أبدا ولكنني أشعر بالإحباط لأني انشغلت قليلا بأناس حسبتهم لوقت /نخبة مصر/ فأرسل لي الأولاد في الشارع رسالة عقل، وأرسل لي المثقفون في مصر رسالة سقوط عقل، أيها المثقفون المصريون ابحثوا عن رداء فقد ظهرت سوءاتكم، فالجمهور يُهيّج ويثور ويُغفرُ له ، ولكن النخب التي انغمست في الغباء وحققت للنظام ما يُريد لن يُغفر لها، لقد سقط المثقف المصري من واجب التحفظ على الأقل إلى سديم الجهل والتخلف، هذه عملية لا يفهمها إلا المثقف المصري·