على شباب اليوم، ألا يتصوروا أن المجلس الوطني للثورة يمكن أن يشبه المجلس الشعبي الوطني الحالي أو مجلس الأمة، وبإمكان زياري أو بن صالح مثلا، أن يجمعا رؤساء اللجان، ويسطر مشروع برنامج يمكن أن يناقش، فهذا مجلس وطني لثورة في أجواء الحرب، يجتمع حسب الظروف، وهذه الظروف كانت صعبة للغاية، فإذا أراد الإجتماع في القاهرة، كان عليه وضع الإحتياطات الأمنية في سرية تامة، ونفس الشيء في حالة ما إذا اجتمع في تونس أو في طرابلس، لأن الإستعمار، ومثلما، نفذ عملية خطف الزعماء الخمسة عندما كانوا على متن الطائرة، كان يمكن أن يقوم بعمليات مماثلة، وبإمكانياته الكبيرة كان يمكن أن يوجه للثورة ضربة موجعة من هذا النوع، ثم إن الأعضاء المكونين للمجلس الوطني للثورة كان عددهم 34 ثم أصبح 71 عضوا، ولدي مثال المناضل سعد دحلب، في بداية لجنة التنفيذ والتنسيق التي كان عضوا فيها، لقد كان يقول بأنه لم يحصل على عضويتها بسبب عبقريته، بل لأن الظروف دفعته لأن يكون هناك ساعتها، وهو الأمر الذي ينطبق على المجلس الوطني، فقد تكون الظروف غير مساعدة لمناضلين آخرين حتى يكونوا في المجلس، لقد كان هناك مئات الثوريين من المناضلين وأعضاء جيش التحرير، كانوا أقوياء في المجلس الوطني· ففي الجانب العملي للقرارات التي أخذها مجلس الثورة، وأنا أظن بأن المجلس وتأسيسه كان رمزا للثورة الجزائرية، لأن الثورة كانت مبنية على التسيير المشترك، وعلى الشورى والمشاورة، فلم تكن الثورة تؤمن بالزعامات، وهذا هو الدور الذي كان يلعبه المجلس، فالمجلس الوطني للثورة من أوت 1957 إلى غاية مؤتمر طرابلس ,1962 وفي خمس دورات عقدها، إتخذ عدة قرارات سياسية وفصل في الخصومات، ومنذ الإجتماع الأول في سنة 1957 بدأت تطرح المشاكل السياسية التي عرفت بعد ذلك، لكن كانوا يؤكدون على أن الإستمرار في الثورة لا بد أن يتم بتدعيم وتقوية جيش التحرير الوطني، وبدأ التحدي الأول مع خط موريس الذي بدأ الفرنسيون في إنشائه، وأنا أشهد بأنه كان هناك فيلق دخل من جهة الشرق من تونس ووصل إلى الولاية الرابعة، في ناحية ''العمارية''، وكان يرأسه سي يوسف لطرش، تصوروا الرحلة، بدأت من تونس والمناضلون يحملون على ظهورهم حمولة ذخيرة تصل إلى أربع قطع، وهم يقطعون الجبال والوديان حتى يصلوا إلى وسط البلاد في الولاية الرابعة ناحية المدية، وفعلا وصلوا وكان في استقبالهم أعضاء من مجلس الولاية برئاسة سي علي شرشالي، رحمه الله، ولكن سي علي شرشالي أهدى سي يوسف لطرش، قطعة سلاح، وقال له: ''يعطيكم الصحة وبراك الله فيكم ولكن عندما تعودون إلى تونس قولوا للجماعة في المجلس الوطني للثورة، ليست هذه الأسلحة التي نريدها، نحن نريد الأسلحة الفرنسية حتى نتمكن من الحصول على الذخيرة عن طريق الكمائن والإشتباكات و غير ذلك، فهذه الأسلحة سوف تنفذ ذخيرتها وساعتها لا تبقى لها فائدة، وفي اجتماع أوت ذاك، صادق المجلس على تدعيم الداخل بالسلاح، وفي ديسمبر 1957 وصل فيلق مدعم بالأسلحة· والإجتماع الثاني كان نتيجة اجتماع مجلس الولايات عميروش وسي امحمد وسي الحواس حيث اجتمعوا سنة ,1958 ونبهوا، القيادة في الخارج، إلى الخطورة التي كانت تعيشها الثورة في الداخل، ثم استشهد هؤلاء العقداء سنة ,1959 وكان هذا هو المبرر لاجتماع الخمسة أشهر للعقداء، وجاء نتيجة ذلك اجتماع للمجلس الوطني، وأخذ المجلس موقفا، ونحن في الداخل، ساعتها، لم يكن لنا أي اتصال، إلا مع الجماعة التي تبلغنا بالقرارات التي تم اتخاذها، ونحن في الولاية الرابعة كانت القرارات تصلنا عن طريق أحمد بن شريف الذي دخل في آخر سبتمبر 1960 وأبلغنا بالقرار الأول، وقال لنا أن المجلس الوطني للثورة أخذ موقفا يتمثل في أن كل الضباط العسكريين عليهم الدخول إلى البلاد حتى يؤطروا أفراد جيش التحرير، وأصدر أمرا بذلك، ومنها دخل العقيد لطفي وآخرون، لكننا بقينا نجهل لماذا لم تدخل البقية· أما القرار الثاني، وبما أننا خرجنا من الهجوم الكبير الذي شنه المستعمر، ساعتها، خلقنا استراتيجية جديدة، فمن الكتائب والفيالق أصبحنا نمشي في إطار أفواج، وهي حرب عصابات حقيقية، ودخلنا إلى المدن، وفي هذا الإطار، أخبرنا أحمد بن شريف بأن العاصمة أصبحت رسميا تابعة للولاية الرابعة بحكم الجغرافيا حتى تأخذ مسؤوليتها وتواصل القتال والعاصمة هي مرآة الثورة كلها، وفعلا تم تنفيذ أمر المجلس الوطني وتكونت منطقة وكانت فيها بطولات وشهداء مثل روشاي بوعلام وعلي الوناس وبلحاج وعثمان مفلاح، وهم ضباط من جيش التحرير هبطوا من الجبل واستشهدوا في العاصمة، وواصلوا القتال إلى 11 ديسمبر و19 مارس .1962 أما اجتماع أوت 1961 فكان نتيجته تعيين الحكومة الثالثة والأخيرة برئاسة بن خدة، وأما اجتماع فيفري 1962 فكان يناقش اتفاقيات إفيان ووقف القتال، وفعلا، في 18 مارس لما أعطي لنا الأمر، كنت ساعتها في بوزريعة، بالعاصمة، وسمعت بالخبر، فنفذت الأمر قبل تلقي أمر مجلس الولاية، وأوقفنا القتال لأننا كنا مستعدين، في كل مرة، لتنفيذ قرارات المجلس الوطني للثورة، فقد كان المؤسسة التي تمثل كل الولايات، أما مجلس طرابلس، فقد بعث لنا فعلا دعوات للحضور، ولم نكن نعلم شيئا، وساعتها، الولاية الرابعة لم تأخذ موقفا وبقينا في الحياد، والقيادة التي تنبثق كنا مستعدين للاعتراف بها، ومنحنا وكالة لأحمد بن شريف الذي كان ساعتها رائدا، وبعد خروجه من السجن أعطيناه الوكالة لكي يبقى في الحياد، لكنه حاد عن التوجيهات التي أعطيت له وانتخب ضد رغبة الولاية الرابعة التي أوكلته، وخلال الحوادث المؤسفة لأوت 1962 وجدناه في مواجهة جيش الولاية الرابعة· ورغم كل تلك النقائص، فقد بلغنا الهدف وهو الحرية والإستقلال، ورحم الله الشهداء·