اختار الكاتب الشاب "محمد وليد قرين" أن يتبع خطى والده "حميد غرين" ويلج عالم الأدب بمجموعته القصصية "الآخرون" من إصدار دار ألفا للنشر. مجموعة أدبية مثيرة، تتكون من سبع قصص قصيرة، جعل فيها الكاتب من الواقع أرضية ثابتة يبني عليها شخصياته الخيالية، لينتقد خلالها التشوهات التي تشوب مجتمعه. «الآخرون" هم أفراد عاديون من عامة المجتمع، إلا أن خروجهم عن القالب المعتاد في محيطهم جعل المجتمع يصنفهم في خانة المختلفين، الأمر الذي يضعهم تحت وطأة الضغط والتهميش من قبل الرافضين لاختلافهم. أشخاص مسالمون بطبعهم، إلا أن وجودهم داخل مجتمع عنيف يجعلهم يتمردون ضد العنف بالعنف. عنف لم يتهاون الكاتب في انتقاده بأنواعه اللفظية، الجسدية وحتى الفكرية... معظم القصص أبطالها شباب، تدور أحداثها بين الشارع، الباص، والمؤسسات التربوية. عالجها الكاتب بطريقة سلسة وفذة، جعل من المنهج الواقعي أساسا لها ليقدمها في قالب من السخرية اللاذعة، حيث بنيت معظم هذه القصص على الحوارات القائمة بين الشخصيات، بعضها مسرودة بضمير الغائب، والبعض الآخر بضمير المتكلم. بلغة فرنسية بسيطة وسهلة. يتطرق الكاتب الشاب في مجموعته القصصية إلى العديد من الظواهر الاجتماعية التي اكتسحت محيطه، بدءا من انتشار الفوضى والأوساخ في طرق وشوارع العاصمة البيضاء، سوء المعاملة بين الناس في البيت، المؤسسات والشارع، إلى التحرشات الجنسية التي تعاني منها النساء في الشارع، والحكم على الناس من أشكالهم الخارجية... كما انتقد بطريقة لاذعة الواقع الاجتماعي والسياسي المعيش، وما نتج عنه من تدهور أخلاقي وفكري بين الناس.. هذا وغيره من المواضيع كانت مركز الضوء، من خلال سبع قصص ست منها تدور أحداثها في العاصمة والسابعة في ولاية المدية، التي لم يذكر "وليد" اسمها إلا أنه أشار إليها بذكره لمنطقة "تابلاط". رغم أن شخصياتها خيالية، إلا أن قصص "الآخرون" كلها مستمدة من الواقع، أحداثها حقيقية عايشها الكاتب أو معارفه. ففي قصة "الأخرى" يروي "وليد قرين" معاناة "كريمة" التي تتعرض للاعتداء اللفظي والجسدي في الشارع والمدرسة كون هيئتها مختلفة وحبها المبالغ للون الأسود جعل زميلاتها يلقبونها بعابدة الشيطان لتنتشر حولها إشاعة تفيد أنها منحرفة يصدقها الجميع حتى المديرة والأساتذة مما يدفعها لتغيير المؤسسة. أما قصة "العنف العادي" فتصور انتشار العنف الجسدي في المجتمع بين الشباب والكبار (خاصة في شهر رمضان)، وينتقد بشدة مدى تقبل المجتمع لهذه الظاهرة وتعايشه معها. فيما تصور قصة "ما وراء الجلباب" التناقض الذي يعيشه المجتمع وتنتقد الحكم على المظاهر، حيث يلتقي شاب في الباص الجامعي بفتاة "جلبابية" يتشاءم من هيئتها السوداء المتزمتة، ليكتشف لاحقا أنها مجرد فتاة عادية تشاركه ميولاته الثقافية والأدبية، وتحب موسيقى الروك نفسها التي يسمعها، وتلعب الألعاب نفسها، وتشاهد البرامج نفسها التي يتابعها. أما "لا أحب هذا" فهي قصة تصور معاكسة شاب جزائري لفتاة في الباص، يغير رأيه فيها بعد أن يكتشف أنهما مختلفان، كما انتقد الكاتب في هذه القصة العنف العائلي الممارس ضد الأطفال الصغار. سارة. ع في حوار جمع الجزائر نيوز بالكاتب الشاب "محمد وليد غرين" تحدث صاحب المجموعة القصصية "Les autres" عن نتاجه الأدبي الأول، وشارك القراء تجربته ونظرته إلى شخصياته التي تجمع بين الواقع والخيال، كما تطرق في الحوار إلى الأديب الجزائري الشاب، مشيرا إلى مدى إمكانية تأثير الأديب في قرائه ومجتمعه. "الآخرون" عنوان يدل على الاختلافات بين الناس، أهي الفكرة التي أردت الوصول إليها؟ العنوان يصور الفئة المختلفة عن الأغلبية في مجتمعنا، الآخرون هم الأشخاص العاديون الذين يعتبرون غير عاديين في نظر هذه الأغلبية في المجتمع الجزائري. الأشخاص العاديون الذين يخرجون من الحدود التي أطرها لهم المجتمع... "ما وراء الجلباب" كان العنوان الأصلي لمجموعتي القصصية، لكننا اضطررنا لتغييره لأن الناشر اعتبره مستفزا وحساسا. واقترح علي عنوان "الآخرون". وقبلت به لأنه يجسد محتوى الكتاب كما أنه توجد قصة بعنوان "الأخرى"، أضف إلى هذا وجدت العنوان ملفتا باللغة الفرنسية. من هم أبطال قصصك؟ هم أشخاص عاديون، ثائرون ضد "التعفن"، الحقرة، وفساد العقول والقلوب. ثائرون ضد العنف ولكنهم أيضا عنيفون لأن مجتمعهم عنيف جدا. يدعون إلى التفاهم، الحوار، والتعايش السلمي بين الناس باختلافاتهم. مثلا في قصة "les flots" أو "السيول" ينتقد الراوي كل ما لا يعجبه في مجتمعه، يفرغ مكنونات قلبه للقارئ، وهذا الانتقاد يأتي بأسلوب عنيف رغم كونه شخصا مسالما. 6 من قصصك تدور أحداثها في العاصمة، لماذا جعلت السابعة في المدية؟ اخترت هذه الولاية لأنني أعرف المدية ومناطقها جيدا، اخترتها لأندد بظروف التهميش التي يعيشها الناس هناك. واستلهمت القصة من وقائع حقيقية قرأتها في الجرائد. كما أن اختياري للمدية يعكس باقي المناطق الداخلية التي تعاني من التهميش، الظروف المعيشية المزرية، التخلف، واحتقار المسؤولين لها. أعطيتها أسماء مستعارة لأضفي عليها طابعا رمزيا مستخدما كلمات مثل "المنفي" وهو المنسي والبعيد عن الحضارة. قرية أخرى سميتها "أقو" بالأمازيغية تعني ضباب، لأن هذه هي الحالة التي يعيشها سكانها، لا توجد كهرباء، ولا غاز ولا مرافق حياة مناسبة، وتركت اسم "تابلاط" لأبين أنني أتحدث عن ولاية المدية. بما أن الأحداث تدور في أماكن واقعية، هل القصص حقيقية؟ أم من نسج الخيال؟ أغلبية القصص عشتها أو رأيتها، القصة الأولى "ما وراء الجلباب" هي قصة خيالية ولكنها مستمدة من أحداث واقعية، حدثت لشخص أعرفه. من خلالها أردت أن أبين التناقض الذي يعيشه المجتمع الجزائري، وأنتقد بها الناس الذين يطلقون أحكاما مسبقة على الآخرين من هيئتهم الخارجية. ما هي المدة التي استغرقتها لتنهي مجموعتك القصصية؟ بقيت 03 سنوات لإتمام مجموعتي القصصية، في البداية كنت أكتب لنفسي، ثم جاءتني الرغبة في مشاركة كتاباتي مع القراء. وقد تكون قصصي رسائل تحسيسية تصل إلى البعض وتنجح في التأثير فيهم وتغيير طريقة تفكيرهم. لم تروج لمجموعتك القصصية بعد نشرها، هل تعمدت ذلك؟ أم أنك لم تجد المجال مفتوحا؟ أنا أحاول وأبذل جهدي ولكن كوني كاتبا يافعا وجديدا في الساحة الأدبية صعب علي الاتصال بالمراكز الأدبية ودفع الناس للحضور والاطلاع على عملي، أنشط كثيرا على صفحات التواصل الاجتماعي، وأسعى لتنظيم قراءات لمجموعتي قريبا. كشاب، هل ترى أنك تمثل نظرة جيلك وأفكارهم في قصصك؟ لن أقول إنني أمثل الشباب، ولكني أمثل الفئة التي تطرح التساؤلات، الفئة الرافضة للحتمية وفكر الانهزامية، المجموعة التي تدعو للتغيير نحو الأفضل. قراء اللغة الفرنسية قليلون في الجزائر، لماذا اخترتها للكتابة؟ كوني بدأت أول قصصي بالفرنسية قررت المواصلة باللغة نفسها، وبما أنني أسعى للوصول لجميع القراء الجزائريين، أخطط لترجمة مجموعتي القصصية إلى اللغة العربية، وسيكون عنوانها هذه المرة "ما وراء الجلباب"، سأعيد لها عنوانها الأصلي لأنني أجده العنوان الأنسب بالعربية. هل مارس محمد وليد قرين القارئ رقابته على شخصية الكاتب بداخله؟ في رأيي دور الكاتب هو نقل الأحداث وانتقادها، الآن العديد من الكتاب غير مبالين بهذه النقطة، وكقارئ لا أجد أن هذا النوع من الكتاب يمثلني. الكاتب يجب أن يكون جزءا من مجتمعه، يحاول أن يخرج من حيز اللامبالاة لتحسيس الناس، فإن استطاع التأثير في شخص واحد على الأقل يعتبر ناجحا. وقبل أن أكون كاتبا أنا قارئ، ومن حق القارئ أن يشعر بأن القصة تمثله أو تمثل مجتمعه بطريقة أو بأخرى. هل قرأت أعمالا أدبية لشباب جزائريين؟ قرأت للعديد من الأدباء الجزائريين الشباب، مثل هاجر قويدري، علاوة حاجي، سارة حيدر.. وأعتقد أن النساء تفوقن على الرجال في الكتابة. أكثر كاتبة نالت إعجابي هي "كوثر عظيمي"، نجد في روايتها "نعل بابيشا" غضبا وانتقادا لمحيطها... صورت المشاكل العائلية والقيم السلبية داخل المجتمع الجزائري وانتقدتها، استحضرت تجربتها الجامعية لترسم علاقة الطلبة بالأساتذة، كما أنها تتمتع بأسلوب جميل ومتميز.