قدم المركز الوطني للإعلام الآلي والإحصائيات التابع للجمارك الجزائرية في آخر حصيلة له، أرقاما أبرزت انخفاض الواردات الجزائرية من السيارات خلال الفصل الأول من السنة الحالية 2014 ب 120.219 سيارة مقابل 156.015 سيارة مستوردة خلال نفس الفترة من سنة 2013 بما يقدر انخفاض بنسبة 22.94 بالمئة، مع اعتبار أن توقعات المهنيين ما زالت تصب في استمرار توجه مؤشر واردات السيارات نحو الانخفاض خلال السنة الحالية، في وقت تواصل أسواق السيارات المستعملة في "الركود" بخصوص المبيعات بالرغم من الانخفاض المعتبر لأسعار السيارات المستخدمة حسب ما وقفت عليه "الجزائر نيوز" أثناء زيارتها لسوق الحراش للسيارات المستعملة، وبما أن معظم الآراء أرجعت مسألة تراجع استيراد السيارات إلى "انخفاض معدلات الطلب وتحويل نفقات العائلات إلى العقار"، فإن بعض المختصين من جهتهم أشاروا إلى ما يضبط الأسواق الاقتصادية من "قانون العرض والطلب المتعلق بالمستوى العام للأجور" كما ذهب إليه الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحمن مبتول، في حين طالب الاقتصادي الدولي مالك سراي الدولة إلى تنظيم سوق السيارات من خلال "ترشيد الواردات وتحسين الاستثمار لجلب المزيد من المؤسسات إلى البلاد". في المقابل، يتوقع المختص في السيارات محمد يادادان بأن السوق "ينتظرها تراجع كبير في السنوات القادمة"، داعيا الدولة في المقابل إلى العمل على "تنظيم الأسواق السوداء للسيارات كما هو الحال مع قانون 2007 المحدد لشروط وكيفيات ممارسة نشاط تسويق السيارات الجديدة من طرف الوكالات". الخبير الاقتصادي عبد الرحمن مبتول : انتعاش سوق السيارات مرتبط بارتفاع الأجور أرجع الخبير الاقتصادي عبد الرحمن مبتول الركود الذي صارت تعرفه أسواق السيارات في الجزائر بشقيها الجديدة والمستعملة إلى قانون "العرض والطلب المرتبط بالأجور"، بالإضافة إلى ما اعتبره "تجميد بعض المؤسسات العمومية والخاصة لعملية تجديد مستودعاتها من السيارات الجديدة". أكد الخبير الاقتصادي عبد الرحمن مبتول في اتصال ل "الجزائر نيوز" أن انتعاش سوق السيارات في الجزائر "تزامن بما عرفه قطاع الوظيف العمومي من زيادات معتبرة في الأجور وما تبعها من صرف المخلفات المالية المتعلقة بالمنح والتعويضات للعمال في السنتين السابقتين 2011-2012"، مفيدا في السياق ذاته بأن الطلب المرتبط بالأجور في هذه المسألة يحمل "طابعا سلبيا" بما أن حسبه ما يزال الاقتصاد في الجزائر "ريعيا بصفة شاملة من خلال ارتباطه بأسعار المحروقات، بالإضافة إلى أن سوق الاحتياجات تابع للخارج بنسبة تفوق 70 بالمائة وليس إلى معادلة الإنتاج والإنتاجية الواجب تقديمها من المؤسسات الوطنية"، وأضاف الخبير الاقتصادي عبد الرحمن مبتول بخصوص تراجع سوق استيراد السيارات في السنة الحالية 2014 بنسبة 22.94 بالمائة مقارنة بالسنة الماضية، قائلا: "أعتقد أن السبب الآخر في تراجع سوق استيراد السيارات يرجع إلى قضية تجميد العديد من المؤسسات العمومية والخاصة لعملية تجديد مستودعاتها من السيارات الجديدة، وهذا ما شكل ربما خيبة للعديد من وكالات بيع السيارات المعتمدة في الجزائر". "الجزائر نيوز" تستطلع الأجواء بسوق الحراش للسيارات.. أسعار السيارات المستعملة تواصل في الانهيار لا تزال أسواق السيارات المستعملة في الجزائر تشهد حالة من التراجع الملحوظ في السعر بالرغم من تواصل انخفاض الأسعار منذ أشهر والإقبال الكبير على الأسواق حسب العديد من المتابعين لسوق السيارات الجديدة أو المستعملة، في وقت يصف فيه الباعة حالة "الأسواق الموازية" للسيارات ب "الراكدة"، يرى الزبائن من جهتهم أن الأسعار تتناسب ونوعية كل سيارة معروضة، وبالخصوص "الماركة" و«مسافة السير" التي تعد عاملا أساسيا في اقتناء أية سيارة مستعملة. قصدت "الجزائر نيوز" سوق الحراش للسيارات المستعملة، حوالي الساعة التاسعة صباحا، حيث كان المدخل الرئيسي يعج بالسيارات المعروضة بلوحات ترقيم تعود للولايات القريبة من العاصمة مثل "بومرداس، تيزي وزو، البليدة"، في حين لاحظنا على مستوى الطريق المؤدي إلى باحة السوق العدد الكبير من الزائرين من مختلف الأعمار، بالإضافة إلى نوعية السيارات المعروضة، كما هو الحال مع سيارات من صنف "شيفرولي" و«سكودا"، "رونو كونغو"، "هونداي أتوس"، وخلال دردشة جمعت "الجزائر نيوز" ببعض الزائرين لمسنا اهتمامهم بالسيارات الجديدة خاصة فيما يخص "عمر السيارة" الذي يعتبر جد مهم، كما قال لنا "مصطفى" الذي كان يفاوض صاحب سيارة من نوع "هوندا سيفيك"، من جهة أخرى يشدد بعض الزبائن في حديثهم على المسافة التي قطعتها السيارة، خاصة أنها صارت حسبهم - "معيارا أساسيا في اقتناء أية مركبة مستخدمة"، كما أوضح زبون بقوله "في الواقع هنالك فرق كبير بين سيارة قطعت مسافة 2500 كلم، وأخرى قطعت 1000 كلم فقط"، وصادف وجودنا قرناء زبون لسيارة من نوع "بيجو 406" بسعر "80 مليون سنتيم"، حيث عبر لنا عن "اقتناعه بالسيارة من ناحية المحرك الجيد والشكل الداخلي المريح"، معتبرا في السياق ذاته أن سعرها "مناسب لمثل هذا النوع من السيارات المستعملة". ومن بين الشروط التي لمستها "الجزائر نيوز" هي إلحاح الزبائن على نوعية "الطلاء" الذي يغطي السيارات المستعملة من قبل، حيث يلعب دورا أساسيا في إعطاء "صورة جديدة عن المركبات". ولمعرفة رأي الباعة عن أحوال سوق الحراش للسيارات اقتربنا من صاحب سيارة من صنف "شيفرولي سبارك" صادفناه يفاوض زبونا حول السعر الأخير الذي يمكنه من شرائها، في حين أن السعر المعروض عليه منذ أسبوع هو "75 مليون سنتيم". تقدمنا إلى داخل السوق لجس نبض الوضع الذي تشهده أسعار السيارات، لأننا عرفنا ان النوعية الجديدة من السيارات مركونة بالداخل، التقينا أولا ب«عمر" الذي كان يعرض سيارة من نوع "سكودا ميني" خضراء اللون بسعر "125 مليون سنتيم"، استفسرناه عن حال الأسعار التي أصبح يقدمها سوق الحراش للسيارات، فأجاب "السوق راكد منذ أشهر عديدة بحيث أن السيارة التي أعرضها لم تباع منذ مدة بالرغم من أن سعرها الحقيقي يفوق المعلن عنه ب 30 مليون سنتيم"، في حين اعتبر "رضا" الذي كان يعرض سيارة من صنف "بيجو 208" ب "100 مليون سنتيم" أن الأسواق الموازية للسيارات في الجزائر صارت تشهد "اكتظاظا شديدا في الأيام التي تفتح أبوابها لكن دون أي رواج للسيارات المعروضة"، مرجعا الأسباب في الوقت نفسه إلى "أوضاع المواطنين التي أصبحت بين مطرقة الحياة اليومية وسندان دفع تكاليف السكنات الخاصة المخصصة للبيع بالإيجار"، كما ذكر لنا أحد المواظبين على زيارة سوق الحراش للسيارات أسبوعيا، بقوله "أعرف الكثيرين من الذين باعوا سياراتهم بأبخس الأسعار حتى يدفعوا مستحقات السكنات خاصة بعد استدعاء المكتتبين لدفع الشطر الأول من القيمة لوكالة عدل"، ورغم أن أسباب سقوط السيارات أصبحت معروفة لدى العام والخاص إلا أن بعض الباعة ممن التقيناهم يرجعون الأمر إلى أنه "تجارة، تقتضي على كل حال الربح والخسارة"، على حد تعبيرهم. انخفاض الأسعار.. حظ "السماسرة" في المقابل التقت "الجزائر نيوز" خلال تجوالها في سوق الحراش للسيارات المستعملة ببعض "سماسرة" السيارات الذين يستغلون حالة تراجع الأسعار التي تشهدها مختلف أنواع السيارات المستخدمة في شراء بعضها وإعادة بيعها في مكان آخر، أو حتى ولاية أخرى وتحقيق أرباح تفوق "10 ملايين سنتيم" في سيارة جديدة واحدة، كما ذكر لنا أحد الذين يمتهنون هذا النوع من السمسرة، قائلا "أنا أمارس منذ مدة البزنسة بالسيارات وأعتبره المجال الرئيسي لتحقيق أرباح معتبرة"، وبخصوص أسعار السيارات التي توصف بأنها "منخفضة"، أكد محدثنا على أن "الحكم على انخفاض أسعار السيارات يختلف بين السيارات القديمة التي تستحق أسعارا منخفضة على عكس السيارات الجديدة التي تعرضت لانتكاسة كبيرة خاصة مع الانتشار الكبير لوكلاء السيارات النشطين على الساحة الوطنية"، من جانب آخر اعتبر أحد رواد السوق الجمعة الماضي، أن التراجع الذي تشهده أسعار السيارات "لن يستفيد منه إلا من يمتهنون السمسرة مقارنة بالمواطنين البسطاء"، في حين أفاد أحد الزائرين الذين التقيناهم يبحثون عن سيارة ذات نوعية بسعر معتبر بأن "التجار الذين يعيدون البيع لا يهمهم إلا هدف واحد وهو ارتفاع أسعارها مجددا لإعادة بيعها وتحقيق ربح مضاعف". المختص في السيارات "محمد يادادان": سوق السيارات ينتظره تراجع كبير في السنوات المقبلة اعتبر المختص في السيارات محمد يادادن، تراجع واردات السيارات في السوق الجزائرية "أمرا منتظرا، بحيث بدأت مؤشراته في البروز مع دخول السنة الحالية". وتوقع محمد يادادان في نفس الوقت بأن يعرف سوق السيارات في الجزائر "المزيد من التراجع في الثلاث سنوات القادمة"، مرجعا من جهة أخرى الأمر إلى "تحويل العائلات لنفقاتها إلى السكن وسوق العقار". أكد المستشار والمختص في السيارات محمد يادادان بأن العودة إلى فترة 2011-2012 التي عرفت انتعاشا كبيرا في استيراد ومبيعات السيارات، حيث بلغت فيها الواردات آنذاك 554.269 وحدة مقابل 605.312 سيارة سنة 2012 بأنه من "الماضي الذي يصعب تحقيقه مستقبلا"، مفيدا في سياق ذلك بأن سوق السيارات مستقبلا "لن تتعدى مبيعاته أكثر من 300 ألف سيارة بكل العلامات المعتمدة وهذا بعد 3 سنوات من الآن". من جانب آخر، أشار المتحدث إلى مصنع "رونو" لتركيب السيارات بوادي تليلات في وهران، قائلا "سيقوم مصنع رونو بوهران بإنتاج أول سيارة من طراز "رونو سيمبول" نوفمبر القادم وستكون مبيعاته مضمونة لاعتبار الأفضلية في السوق متوفرة له خاصة إذا قدم أسعارا معقولة لمنتوجه". في المقابل، دعا محمد يادادان الدولة إلى "تنظيم الأسواق السوداء للسيارات" من خلال قوانين ملزمة "بضبط السوق وتنظيم البيع وإعادة البيع بصفة شاملة وإلزام التعامل بالفواتير بدفع الضرائب حتى تصبح العملية نشاطا يشمله القانون، تماما مثل قانون 2007 المحدد لشروط وكيفيات ممارسة نشاط تسويق السيارات الجديدة من طرف الوكالات". كما طالب محمد يادادان من وصفهم ب«المحترفين في سوق السيارات" إلى "ضرورة الاهتمام والتفكير فيما بعد البيع بخصوص حفظ إجراءات الصيانة والإصلاح للسيارات المباعة". الخبير الاقتصادي الدولي مبارك مالك سراي : الدولة مطالبة بترشيد الواردات وتحسين الاستثمار في قطاع السيارات اعتبر الخبير الاقتصادي الدولي مالك سراي انخفاض نسبة الواردات من السيارات خلال الفصل الأول من سنة 2014 "أمرا جد طبيعي" مرجعا إياه لأسباب معتبرة، ودعا الخبير الاقتصادي في نفس الوقت الدولة إلى ضرورة "ترشيد الواردات وتحسين الاستثمار بخصوص قطاع السيارات". شهدت واردات الجزائر من السيارات خلال الفصل الأول من 2014 انخفاضا قدر بنسبة 22.94 بالمائة، إلى ما ترجعون الأمر؟ حقيقة هذا الأمر جد طبيعي لأن الجزائر عرفت استيرادا كبيرا للسيارات من مختلف العلامات في السنوات الأخيرة، في حين أن السيارات التي دخلت التراب الوطني كانت في الكثير من الأحيان ذات نوعية رديئة، بالإضافة إلى ضرورة صيانة الطرق الوطنية بمقاييس عالمية وهي التي تتطلب أموالا معتبرة، خاصة أن المدن الجزائرية لم يعد باستطاعتها استيعاب عدد آخر من السيارات المستوردة، وكذلك المشكل المتعلق بخصوص التسهيلات البنكية التي منحت للمواطنين من أجل اقتناء سيارات عائلية لم يستطيعوا رد القروض فيما بعد ما حتم تدخل العدالة لإرجاع الأموال المقرضة. من هو المستفيد حسب رأيكم من ركود أسواق السيارات الجديدة والمستخدمة ؟ بكل بساطة المواطن المشتري هو المستفيد، لكن المشكل الذي نتحدث عنه يتمثل في عدم اقتناء المواطن للسيارات بالرغم من انخفاض الأسعار، وهنا يجب الإشارة إلى نقطة جد مهمة تتعلق بتغير نمط الثقافة الاجتماعية بالنسبة للمواطن الجزائري الذي صار في الآونة الأخيرة يركز على اقتناء المنزل مقارنة بالسيارة، وهذا تحول جديد في العقلية الجزائرية، خصوصا وأن الدولة مقبلة على توزيع أكثر من 230 ألف سكن في غضون الأسابيع المقبلة. كيف تتوقعون مستقبل سوق السيارات في الجزائر؟ أعتقد بأن مستقبل سوق السيارات جد مهم بالنسبة للدولة، خاصة إذا قامت بضبطه على طريقة جيدة بحيث تعمل بواسطتها على ترشيد الواردات وتحسين فرص الاستثمار من خلال توفير جو العمل للوحدات الصناعية العالمية بما فيها الشركات الصينية لخلق يد عاملة في البلاد وتقليص نسبة البطالة التي يتخبط فيها 11 بالمائة من الشباب، وكذلك فرض الضرائب على المستوردين وتعزيز مراقبة السيارات المستوردة لأن مقاييس الدولة في السابق لم تكن محترمة بصفة كاملة خاصة إذا علمنا أن قانون التجارة الدولية يؤكد بأن أي منتوج صناعي تتعرض قيمته المالية إلى الانخفاض مباشرة بعد 6 أشهر من صنعه، وكذلك لابد من طلب إعادة النظر بصفة شاملة في استراتيجية القطاع خاصة أن "لوبيات" استيراد السيارات في الجزائر قوية جدا.