لا تزال أسعار السيارات المستعملة تشهد انهيارا ملحوظا منذ شهور متتالية، وهو ما رصدناه عبر السوق السوداء، ولعل من دواعي ذلك، القرارات الأخيرة التي تبنتها الدولة، بينها منع الوكلاء من البيع بالقروض ومنع استيراد السيارات لأقل من 3 سنوات. كما أن لبعث المشاريع السكنية ضلعا في سعي المواطن للعزوف عن شراء السيارات أو سعي البعض منهم إلى بيع ما يمتلكه لتأمين سكن. فبقدر ما يخدم تدني أسعار السيارات المواطنين الطامحين لكسب سيارة بقدر ما أضر ذلك بالناشطين في مجال بيع السيارات المستعملة بالسوق السوداء ممن لم يتوقعوا السقوط الحر للأسعار، لاسيما بعد الارتفاع المذهل الذي شهدته في السنوات الأخيرة. لذلك قصدنا سوق الحراش، الذي كان مكتظا بالسيارات وهي مصطفة الواحدة تلوى الأخرى منها الجديدة والمستعملة مختلفة الطراز، تحمل لوحات ترقيم تمثل جل ولايات الوطن، كان قد ركنها أصحابها في الساعات الأولى من الصباح لبيعها فيما كان يلتف من حولها عشرات المواطنين قدموا من كل مناطق الوطن، رغبة في شراء سيارة لتملكها، وآخرون لترقب ما إذا ارتفعت الأسعار مجددا لجني قدر من الأرباح، وهو ما أكده لنا أحد السماسرة الذي اقتربنا منه وهو يبحث عن سيارة تناسبه من حيث الطراز والسعر، والذي أكد لنا أن الأسعار ومنذ نحو أربعة أشهر تشهد تراجعا، تراوح بين 10 و15 مليون سنتيم ووصلت في بعض الحالات لتراجع بقيمة 20 مليون سنتيم، وهو ما أكده آخرون. وباستفسارنا عن الأسعار، أكد مرتادو سوق الحراش أن سعر "إيبيزا" تراجع من 145 مليون إلى 123 مليون سنتيم، و"الأكسن" ب 10 ملايين سنتيم بعدما كان سعرها يصل إلى 110 مليون سنتيم. فيما بلغت قيمة "البولو 1,4" 145مليون سنتيم بعدما كانت تفوق هذا السعر ب 20 مليون سنتيم. أما " لوڤان" فقد سجلت تراجعا بلغ أحيانا 12 مليون سنتيم بعدما كان يصل سعرها إلى 114 مليون سنتيم. كما أكد سماسرة السيارات تراجع أسعار الشاحنات الصينية بفارق 20 مليون سنتيم. وقال من تحدثنا إليهم إن أسعار السيارات في حالة تراجع سلبي منذ حلول شهر رمضان. كما تزامن ذلك مع الدخول الاجتماعي وعيد الأضحى المبارك، لكن المتتبعين لأسعار السيارات أكدوا أن أسعار سيارات أخرى ظلت على حالها على غرار "رونو سامبول" التي بقيت أسعارها على حالها، شأنها شأن "تويوتا ياريس" و" هيونداي آتوس" و"سبارك". وقد شهدت العديد من علامات السيارات الأوروبية، خلال الأشهر الماضية انخفاضا محسوسا لأسعارها بالنظر للانخفاض المسجل في سعر صرف الأورو، وهو ما ساهم في انخفاض سعر السيارات بالجزائر، مع اعتماد الأسعار الجديدة، بعدما بادرت العديد من الشركات الأوروبية إلى تخفيض أسعارها، مما يسمح لها بأن تكون تنافسية أكثر مقابل السلع والبضائع التي تأتي من منطقة الدولار أو تلك التي تتعامل بالدولار الأمريكي. إعادة بعث المشاريع السكنية أجبر الكثيرين على بيع سياراتهم باقترابنا من بعض العارضين سياراتهم المستعملة للبيع، أجمع غالبيتهم على أن سبب لجوئهم لبيع مركباتهم هو حاجتهم للمال في إطار شراء سكنات، بعد إعادة بعث المشاريع السكنية الكبرى بصيغتيها التساهمي والبيع بالإيجار لوكالة "عدل" بعدما شهدت ركودا لسنوات، وخلال دردشة جمعتنا بهؤلاء، قالوا إن قرار الحكومة الجزائرية بإعادة بعث الروح للمشاريع السكنية من بين أهم الأسباب التي ساهمت في تراجع أسعار السيارات، نظرا لكثرة العرض وتهافت الناس على بيع سياراتهم لأجل تسديد مستحقات السكن من جهة، ومن جهة أخرى امتناع البعض الآخر عن الشراء في الوقت الراهن لتفضليهم الظفر بالسكن بدل السيارة. وفي هذا الصدد حدثنا المدعو "عبد الرزاق" أنه اضطر لبيع سيارته بغير سعرها بعدما بلغ استدعاء في إطار السكن التساهمي الذي كان ينتظرهُ منذ أزيد من 13 سنة، مضيفا أنه اضطر لأجل دفع 83 مليون سنتيم وهو مجبر على دفع الشطر الثاني في وقت غير معلوم وقد يكون مفاجئا، لاسيما وأن المشروع المدرج فيه تم تحويله من ديوان الترقية والتسيير العقاري إلى مقاول للخواص، أمام عجز دواوين الترقية عن إنجاز كافة المشاريع السكنية، حيث تم الاستنجاد بالمقاولين الخواص. كما أكد مواطن آخر وهو أستاذ أنه قدم لسوق الحراش من أجل بيع سيارته بعد تلقيه استدعاء من وكالة "عدل" لدفع حصة الشطر الأول، ومثيله كثيرون ممن صبت أجوبتهم في قالب واحد. منع الوكلاء من البيع بالقروض من بين عوامل انهيار الأسعار ويعتبر بعض المختصين أن التعليمات الصارمة التي وجهتها الدولة الجزائرية للوكلاء المعتمدين لتسويق السيارات للكف عن بيع المركبات للزبائن من خلال منح قروض شراء السيارات لزبائنهم بما في ذلك القروض دون فوائد، هي من بين عوامل انهيار الأسعار، وذلك في ظل تبني بعض الوكلاء العمل بهذه الصيغة كحل بديل عن إسقاط الحكومة للقروض الموجهة لاقتناء سيارات، وذلك ضمن قانون المالية التكميلي لسنة 2009. وتعمل الجزائر بهدف تأطير تجارتها الخارجية، لاسيما بما تعلق بسوق السيارات، على سنّ ووضع تدابير جديدة، حيث إنه وتبعا لتقارير صادرة عن المديرية العامة للجمارك التي كشفت عن ارتفاع فاتورة الواردات والتي تجاوزت عتبة ال28 مليار دولار خلال الخمسة أشهر الأولى من السنة الجارية وإمكانية بلوغ فاتورة الاستيراد مع نهاية السنة عتبة 60 مليار دولار، تسعى الدولة لحصر استيراد السيارات على الوكلاء المعتمدين دون غيرهم مع ضرورة تقييدهم، ومنع استيراد السيارات لغير هؤلاء بهدف تسويقها أو لفائدة جهات تنشط خارج شبكات توزيع الوكلاء المعتمدين من طرف وزارة الصناعة. كما تعتزم الدولة الجزائرية إجبار الوكلاء على استيراد حصة من السيارات المستعملة لوقود غاز البروبان المميع أو وقود الغاز الطبيعي المضغوط. كما وجهت الدولة تعليمات بمقتضى الإجراءات الجديدة لقانون المالية لسنة 2014، ترغم الوكلاء المعتمدين لاستيراد السيارات على الإنتاج المحلي لقطع الغيار، كشرط جوهري لممارسة نشاطهم، حيث تعكف وزارة الصناعة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وترقية الاستثمار بأمر من الوزير الأول، عبد المالك سلال، على إعداد مشروع مرسوم يعدل المرسوم التنفيذي رقم 07- 390 المتضمن شروط ممارسة نشاط تسويق السيارات، وألزم بضرورة مراجعة شروط وكيفيات ممارسة نشاط تسويق السيارات، ما من شأنه منح بعض النفس للصناعة الميكانيكية الوطنية للتخفيف من استيراد قطع الغيار الأجنبية، لاسيما القطع المقلدة التي غزت السوق الجزائرية والتي غالبا ما كانت سببا في تنامي حوادث المرور بطرقاتنا. والحديث عن استيراد السيارات لأقل من 3 سنوات شأن في ذلك. كما يرجع بعض المختصين تراجع أسعار السيارات بالجزائر، إلى نية الجزائر إعادة بعث قراراتها بشأن استيراد السيارات المستعملة لأقل من 3 سنوات، في إطار عزمها الإطاحة بهذا البند من الممنوعات التي تفرض قيودا على بعض السلع والخدمات في إطار مفاوضاتها مع المنظمة العالمية للتجارة، ومنعها استيراد العتاد المستعمل، له دافع في تراجع أسعار السيارات بالجزائر، وذلك مقابل رفض المنظمة تقييد حركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج مثلما هو معمول به في الجزائر، خاصة ما تعلق بأرباح الشركات الأجنبية. رئيس جمعية حماية المستهلك: "انخفاض أسعار السيارات المستعملة لا يعكس واقع السوق" من جانبه، أكد رئيس جمعية حماية المستهلك، مصطفى زبدي، في اتصال ب"البلاد" أن انخفاظ أسعار السيارات المستعملة لا يعكس واقع سوق السيارات بالجزائر، حيث إن عدم تراجع أسعار السيارات الجديدة يعني عدم انهيار أسعار السيارات، حيث لم يشمل الانخفاض سوى السيارات المستعملة، مسترسلا في القول أن الإشكال المطروح مرتبط بالسعر الحقيقي للسيارات المطروحة للبيع بالجزائر من قبل وكلاء السيارات، لأن أسعار السيارات الجديدة لا تمثل أسعارها الحقيقية، حيث تدخل السوق الجزائرية بسعر محدد فيتضاعف دون سبب بعد بلوغها عالم الشهرة، مشيرا لوجود أسعار تتقدم تدريجيا على طول السنة في وقت يعرض فيه الوكلاء المختصين تخفيضات على الزبائن تتراوح ما بين 10 و20 مليون سنتيم، مستبعدا أن تكون هذه التنازلات مربحة فقط للزبون في حال قياس سعرها المتداول بالجزائر مقارنة بأوروبا أو البلدان الآسيوية، حيث إنه من غير المعقول أن يكون السعر مطابقا، لاسيما وأن نوعيتها مختلفة تماما، حيث لا يوجد مجال للمقارنة بسعرها في بلدها، كونها لا تحوز على أدنى معايير السلامة لأنها من الدرجة الثانية أو الثالثة. كما أعاب رئيس جمعية حماية المستهلك، عزوف الجزائر عن استيراد السيارات المستعملة لأقل من 3 سنوات والتي يعتبرها أحسن بكثير من السيارات الجديدة المستوردة من حيث النوعية ومدى صلاحية قطع الغيار، مؤكدا أن المستفيد الوحيد من تجميد عملية استيراد السيارات المستعملة هم الوكلاء، مع أن ذلك كبد الخزينة العمومية خسائر جمة لما تمتصه أسعار السيارات الجديدة من عملة صعبة، حيث تشير الإحصاءات المسجلة لسنة 2012 استيراد أزيد من 500 ألف سيارة جديدة، فيما تجاوزت الإحصاءات المقدمة منذ بداية السنة الجارية 600 ألف سيارة.