المخرج التركي نوري بيلجي جيلان، الذي توج لأربع مرات بمهرجان كان السينمائي (2003، 2006، 2008 و2011) كان آخرها جائزة لجنة تحكيم الكبرى لعام 2011 عن فيلم "حدث ذات مرة في الأناضول"، يعود للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان فى دورته ال 67، بفيلمه "نوم الشتاء Winter Sleep" من بطولة جيم يلماز، نجات إيسلر، تامر لفانت، مليسا سوزارن، سرهات، مصطفى كيليج إضافة إلى المخرج. سبعة أعمال سينمائية بينها فيلم قصير استطاعت أن تذهب باسم صاحبها إلى مصاف مبدعي السينما الخالصة الكبار في العالم. نوري بيلجي جيلان، من مواليد 1969 باسطنبول، درس جيلان التصوير حينما كان في الخامسة عشرة من عمره، وبدأ اهتمامه يتطور بالسينما حينما بلغ الثانية والعشرين من عمره، وخلال فترة دراسته في جامعة بوغازيشي كانت له مجموعة من المساهمات في عالم التصوير، بانتظار أن يتخرج حيث حصل على بكالوريوس الهندسة الكهربائية، طار بعدها للدراسة والتخصص في مجال الهندسة الكهربائية إلى لندن، ولكنه سرعان ما عاد إلى أنقرة للالتحاق بالخدمة العسكرية، ومنها يمضي إلى السينما التي وجدها الفضاء الذي يمكنه أن يعبر فيه عن إبداعاته. تميزت أفلامه بلغة سينمائية قاتمة وشاعرية مزجت إيقاعا هادئا بمراقبة صارمة للتحوّل الروحي الخاص بالإنسان، أو بالمجتمع أيضا. في عام 1995 قدم جيلان فيلمه الأول القصير بعنوان "كوزا" عرضه في كان ونال عنه عدد من جوائز المهرجانات، لينجز بعده تحف سينمائية هي شرنقه (1995)، بلده (1997)، السحب من ماي (1999) وبعيد (2002)، وهو فيلم قائم على المسافات، على البُعد، منذ بدايته ونحن نشاهد يوسف يسير مبتعدا عن قريته، ويرغب في البُعد أكثر بالعمل على باخرة سياحية تلف به العالم، ثم على مدار الفيلم في إطار عام قاتم وثقيل نتعرف على محمود، الذي يستضيفه في شقته وهو الذي ابتعد عن نفسه وفنه وحبه للتصوير ورغبته في صنع أفلام كتاركوفسكي، إلا أنه يستبدل كل ذلك بتصوير الإعلانات التجارية، وفيلم مناخات 2006، ثم فيلم "القرود الثلاثة" 2008 وهو رواية كئيبة عن أسرار عائلية وفيه نرى السياسي الطموح ثروت يعرض على سائقة أيوب مالا كثيرا كي يتحمل عنه مسؤولية حادث سيارة أودى بحياة أحد الأشخاص. وبينما كان أيوب يمضي عقوبة السجن لمدة عام بعث ابنه إسماعيل وأمه هاجر إلى ثروت لتطلب منه مبلغا من المال كدفعة أولى لشراء سيارة. وكنوع من أنواع "الخدمة المقابلة" نشأت بين هاجر الحسناء وبين ثروت علاقة حب. وقد أراد إسماعيل تجاهل الأمر، كما أن والده أيوب تخوف لمدة طويلة بعد خروجه من السجن أن يرى الحقيقة، لأنه أراد، مثل الآخرين، أن يستفيد من عدم معرفة الموضوع. يبين فيلم "القرود الثلاثة" بدقة كيف أن نسيج الأكاذيب وترقب المواقف والانتظار يتفكك تدريجيا وكيف يؤدي السكوت العام على الأمور المهمة إلى ثورات غاضبة، وفي النهاية يكون الكل متهما بالوقيعة أو يلقى مَنيّته. كما يتناول فيلمه الأخير "نوم الشتاء"، الذي يستغرق 3 ساعات و17 دقيقة، قصة كاتب قديم يدير فندقا صغيرا مع أخته المطلقة وزوجته الشابة المنفصلة عنه عاطفيا في وسط الأناضول، وحين يحل الشتاء يصبح الفندق مأوى وسجن في وقتٍ واحد.. يخلق جيلان في "نوم الشتاء" عالمين متوازيين ومتعايشين، لكن بونا شاسعا يفصل بينهما: عالم الكاتب وصاحب المنتجع آيدن، وعالم إسماعيل المعدم العاطل عن العمل وزوجته وابنه وأمه وشقيقه الواعظ طيب القلب "حمدي". وحين يصطدم سائق آيدن مع إسماعيل بسبب حجارة رماها ابنه "إلياس" على سيارة آيدن وهشّم زجاج بابها الأيسر، يصل الإمام الطيّب ويوقف عراكا كاد ينتهي إلى مأساة. وحين تحاول نهال أن تجد سببا وطريقة لمساعدة تلك العائلة المعدمة، تصطدم بواقع جهلها البرجوازي لمنطق الكرامة لدى الفقراء، وحين تذرف الدموع بعد ذلك، فهي إنما تذرفها ليس بسبب الخسارة المادية التي تتعرّض إليها في لحظة الاكتشاف، بل للصفعة المعنوية التي يوجّهها إسماعيل إلى زهوها البرجوازي. يجعلها إسماعيل بتلك الإيماءة تدرك أن الفقر لا يعني فقدان الكرامة دائما. "عربة الفلافل" الكويتي في "قسم الأفلام القصيرة" لأن المواهب الشابة الراهنة ستصبح يوما ما أسماء متألّقة في عالم السينما، أنشأ مهرجان عام 2011 "كان" للسينما قسما جديدا يسمى "قسم الأفلام القصيرة". في مهرجان "كان" للسينما، تحظى الأفلام القصيرة بتمثيل في المنافسة الرسمية وفي زاوية الأفلام القصيرة Short Film Corner على حد سواء. ففي إطار المنافسة الرسمية، ينال أفضل فيلم قصير جائزة السعفة الذهبية لأفضل فيلم قصير تقدّمها لجنة التحكيم بعد عقد مداولاتها. أما ركن الفيلم القصير، فهو فضاءٌ يجتمع فيه محترفو هذا القطاع ويتيح لهم تبادل آرائهم. يحظى قسم الأفلام القصيرة في قصر المهرجانات بفضاء مخصّص له سيكون ملتقى للمخرجين ولمهنيي القطاع ومكانا لعقد ورشات العمل والمحاضرات. وثمة تعرض الأفلام المسجلة في ركن الأفلام القصيرة وتعد البرامج وفقا للمواضيع المختارة. شارك المخرج الكويتي عبدالله الوزان، بفيلم "عربة الفلافل" ضمن تظاهرة "ركن الأفلام القصيرة". وأعرب الوزان عن سعادته بتمثيل دولة الكويت كمخرج في فعاليات أهم مهرجان سينمائي دولي وفي تظاهرة سينمائية مخصصة للشباب على وجه الخصوص تهدف لاكتشاف الكوادر الشابة من أنحاء العالم. وأشار إلى أن اللجنة المنظمة لتظاهرة "ركن الفيلم القصير" في المهرجان اختارت "عربة الفلافل" وهو عبارة عن فيلم كارتوني قصير مدته عشر دقائق تم تنفيذ جميع مراحله في الكويت بمعرفة كوادر سينمائية وطنية شابة. ويتناول حكاية صاحب "عربة فلافل" تتغير حياته ومسيرته بعد أن يعثر على وردة صغيرة تشكل الأمل والفرح والنظرة التفاؤلية بالمستقبل. "كلاسيكيات كان" قبل عشر سنوات، عندما كانت ذاكرة السينما المعاصرة على وشك التغيّر جذريا بسبب ظهور التقنيات الرقمية، أسس مهرجان كان كلاسيكيات كان، وهي أفلام مختارة تتيح عرض عمل تثمين التراث السينمائي الذي تُنجزه شركات الإنتاج وأصحاب الحقوق ومتاحف السينما أو المحفوظات الوطنية في العالم بأسره. أصبحت مختارات كلاسيكيات كان جزءًا لا يتجزأ من الاختيارات الرسمية وباتت تتيح حضور تاريخ السينما في المهرجان وما انفكت تلهم العديد من المهرجانات الدولية عن طريق عرض أفلام قديمة وروائع فنية من تاريخ السينما في نسخ مرمّمة. ضمن فئة "كلاسيكيات كان"، عرض البارحة، في مهرجان كان فيلم "Lost Horizon"، وذلك بقاعة "Salle Buñuel"، وقامت شركة "بارك سيركس" مؤخرا بترميم ثماني أعمال سينمائية لفرانك كابرا من بينها Lost Horizon، وفاز هذا الفيلم بجائزة الأوسكار لأفضل مونتاج ولأفضل إخراج فني. "Lost Horizon" عرض عام 1937، من إخراج فرانك كابرا وتأليف روبيرت ريسكن ومن بطولة رونالد كولمان وجان ويات وتوماس ميتشل وإيزابيل جويل، مدة عرض الفيلم 97 دقيقة. وتعرض اليوم أفلام (الجبال الزرقاء) إلدار شينجيلايا (كمان الحفلة الراقصة) ميشال دراش ساعة و44 دقيقة (حياة مترفة) جان بول رابينو ساعة و30 دقيقة (العاهرة) جان رينوار ساعة و35 دقيقة UNITED PASSIONS فريديريك أوبورتان ساعة و50 دقيقة. مرحبا في نيويورك على صعيد الفضائح، عرض بالمهرجان "مرحبا في نيويورك" المستوحى بتصرف من قضية المدير العام السابق لصندوق النقد الدولي دومينيك ستروس كان. الفيلم من بطولة الممثل الفرنسي جيرار دوبارديو وجاكلين بيسيه ومن إخراج المخرج إبيل فيرارا وإنتاج فنسان مارفال وإبراهيم شيوا. يروي هذا الفيلم قضية ستروس كان، الذي اتهم في ماي من العام 2011 باغتصاب امرأة في غرفته في أحد فنادق نيويورك، وهو ما أدى إلى انسحابه من الحياة السياسية. "الأسير" للكندي أتوم إيجويان يلعب نجم هوليوود ريان رينولدز دور الوالد الشاب، الذي تختفي ابنته فجأة في فيلم "الأسير"، وهو فيلم مثير عرض لأول مرة أول أمس، في مهرجان كان السينمائي. ويروي المخرج الكندي أتوم إيجويان قصة العامل الكادح ماثيو، الذي يترك ابنته دون مراقبة لفترة وجيزة على المقعد الخلفي من شاحنته ليذهب إلى أحد المتاجر المحلية. وعندما يعود، يكتشف أن ابنته اختفت. وبعد مرور ثماني أعوام من سلسلة من الأحداث المزعجة، يبدأ ماثيو الذي يجسد شخصيته رينولدز المولود في فانكوفر الاعتقاد بأن ابنته لا تزال على قيد الحياة. وفي الفيلم يعود إيجويان إلى المشهد القاتم نفسه المغطى بالثلوج الذي كان خلفية لفيلمه "ذا سويت هيرافتر" لعام 1997، الذي تدور أحداثه حول بلدة صغيرة تترنح بعد حادث مأساوي لحافلة مدرسية. يمينة مشاكرة غابت في صمت قاتل في مثل هذا اليوم من العام الماضي رحلت عن دنيانا في صمت قاتل المبدعة الروائية المميزة يمينة مشاكرة، عن 64 عاما، ولدت في مسكيانة بولاية باتنة سنة 1949، احترفت الكتابة باللغة الفرنسية منذ صغرها، وأتقنت التعبير عن أفكارها بشكل مثير للاهتمام، وملفتة في أسلوبها الحساس في نسج الأحداث الروائية. درست الطب وسافرت إلى فرنسا وتخصصت في الطب النفسي، إلا أنها اختارت العودة إلى إحدى القرى بمسكيانة لتمارس ما تعلمته في مجال اختصاصها. وتعد مشاكرة، إحدى أهم الأقلام التي أسست لحساسية روائية جديدة في الجزائر، حيث قدمت أولى رواياتها "المغارة المتفجرة" العام 1973 فشكلت إضافة نوعية للرواية الجزائرية المكتوبة بالفرنسية وحملت توطئة بقلم كاتب ياسين، الذي نعت الروائية بعبارة ‘امرأة تزن بارودا'، كما قام باقتباسها للمسرح أحمد بن عيسى، تلتها رواية "أريس"، الصادرة عام 1997. نعود لوصف "كاتب ياسين" ل "يمينة مشاكرة" في تقديمه لروايتها "المغارة المتفجرة": (كشف السر عن الإنسان. التحرر من أسطورة الموت. الإنسان ليس سوى مادة حية. وحين يموت يعود ترابا من جديد). هذه الكلمات المأخوذة من ملاحظات مكتوبة بخط اليد، تلخص محادثة متشعبة مع يمينة مشاكرة، حول كتابها الأول، أحد الكتب الواعدة في الأدب الجزائري الحديث. قرأت من مخطوط "المغارة المتفجرة" عدة نسخ متتالية، وإذا بدأت بذكر هذه الكلمات، فلكي أبرز هنا أن الروائية ليست فقط أديبة. بل طالبة متحمسة، مارست الطب الاجتماعي والنفسي، كتبت هذا الكتاب في خضم حياة صعبة ومتقلبة. ليست رواية، إنها شيء أحسن من ذلك بكثير: قصيدة طويلة من النثر يمكن قراءتها مثل رواية. إفتقدتها الساحة الثقافية الجزائرية بعد عام من رحيلها... بانتظار طباعة نصوصها المخطوطة التي ما زالت حبيسة الأدراج، فالإحساس الإنساني العالي والعميق في كتاباتها، لم يكن إلا انعكاسا للصمت والخوف الذي اختارها ورافقها عقودا طويلة من الزمن. محمد/ ع مقاطع من المغارة المتفجرة ليمينة مشاكرة سأهمس أغنيتك، آريس، لولدنا حين تكون له عينيكَ ليفهمني، وشفاهي لتسميتكَ. سأشيخ، يا حبي، في ظل ذاكرتكَ، وعلى كل تجعيدة تنبثق من جسدي، سأدوّن اسمكَ وشبابي. آريس، يا حبي، اليوم جثة نتنة أحبها، غدا أرض غنية بالفسفور حيث ترقص نار مضطربة. يا حبي ذو النظرة الزرقاء، غدا سأهديك جسدي عاريا ببساطة، سأعجنه بجسدك لكي ترقص النيران المضطربة بسرعة أكبر على حدود ما. متشرد وحيد قد يلتقي بنا ويبدأ في الغناء. وكل مساء، سنرقص بجنون لنسمعه يغنينا. سيحدّثنا عن وادٍ حيث ينمو القمح وحيث الأقحوان يحكم قلب الأطفال. ثم يوما ما، سيحدّثنا عن أطفالنا الواقفين على التلال ثم ينام. جسده سيتفتت. سنرقص حوله وسنحدّثه عن أغنيته. وفي فجر خريف ما، نار ثالثة مضطربة ستأتي لترقص معنا بينما ثلاث نجمات يراقبننا بذهول. حينها، سيتذكّر ما كانت تقوله في ليالي الصيف جداتنا ذوات الأصابع بلون الصلصال: النجوم أرواح الموتى. سيتذكّر أيضا نظراتنا الطفولية واليقِظة وسنشرع في الرقص بسرعة أكبر، بانتظار أن يظهر طفل لنسترجع الذاكرة كليا. وحين يأتي الطفل، سنرقص على ركبتيه وبين أصابعه. سيدخلنا في نظرته ويلتفت عنها راكظا خلف الفراشات الزرقاء كعينيكَ. في نظرة الطفل سنرقص للأبد لكي نجعل الذين ينتظرون يغنون ونهدهد أقحواناتنا. سيتكاثر الطفل يا حبي. سيتفتت هناك، في مقبرة "مسكيانة"، من جسده ستنبثق أربع نيران مضطربة ستختلط بنيران مضطربة أخرى، وسيرقص الكثيرون منا على إيقاع أغنية قديمة نهمسها مساءً في قرية تتذكّرنا. ****** مريضة، كلي مريضة. ذهبت لرؤية "الطالب". قلت له إنني ولدتُ متعبة، إنني أكلت ثورتي ساخنة، ساخنة جدا وأنها أحرقت أحشائي. قلت له إنني تبولت دما، إنني تغوّطت دما، إنني تقيأت دما، أن رأسي يؤلمني، وأنني أرغب في النسيان ولو للحظة......أو فليمنحني بقدرته وهما يجعلني أؤمن مجددا بنفسي. ****** غنى في المقاهي الشعبية. الرؤوس كانت تتوقف عن الحركة، والأصابع كانت تتسمّر على قطع الدومينو. غنى للشحاذين تحت جسر سيدي راشد ورحل، تاركا لهم لازمَته كمصدر رزق. غنى للبدو الرحل، الذين عشقوا الأرض كاملة، وجابوها ليتعلموا حبها بطريقة أفضل. غنى في الحارات القذرة، في أيام السوق، حيث كل التعساء القادمين من عمق البؤس استمعوا إليه وعادوا إلى بيوتهم بوهم الحصول على شيء ما. غنى في مواخير القرى. نساء عاريات شعرن بحرارة نَفَس الصداقة القادم من الخارج. غنى في السجون، وخلف قضبانها رجال لم يصرخوا حين ترك الحديد الأحمر أثره عليهم. أينما مرّ، ترك قصيدته، أينما مرّ لم يبع أغنيته. وإذا الشاعر لم يحب المسرح، لأن في المسرح، تُباع أغنيته بثمن باهظ للرجل الفقير.لأن أغنيته تُباع للشعب. ترجمة لميس سعيدي