بدت لي بيروت هذه المرة وهي تحتفل بكونها عاصمة عالمية للكتاب أجمل، أرقى، أكثر حيوية، متحركة بقوة سحرية غريبة، مدينة مفتوحة على نفسها وعلى غيرها، تحاور وتعيش، تتجادل فيها الأسئلة السياسية والثقافية والمجتمعية بشكل دائم، كما لو أنها تريد أن تسرق الوقت من الوقت وتسابق الزمن، متحايلة عليه، نعم تتحايل بمكر، وبحب، لأنها لا تريد أن تضيع الوقت، الذي ضاع في سنوات حرب أهلية قاتلة، وصراعات واغتيالات كثيرة ذهب ضحيتها ذات زمن خيرة اللبنانيين بيروت مدينة تعيش بوهج أسطورتها المستمر، لم تنغلق على نفسها قط، تتحرك ليل نهار، لا تتوقف، الحياة موجودة بكامل بهائها، تريد أن تقفز إلى فوق، دون أن تنسى ما يوجد على الأرض، وما يعجبك هو أن الناس بعد كل أزمة، بل بعد كل حرب يزدادون إيمانا بأن الحياة أجمل ونداءها أقوى، والأحلام تزداد نصاعة يوما بعد آخر· تزداد، والناس تؤمن بالغد الآمن رغم ضيق الأفق السياسي المتردد، لكن المفتوح على الجدل والنقاش، عشرات الكتب عن بيروت كعاصمة عالمية للكتاب ملتقيات ومؤتمرات وندوات ومجلات ثقافية كثيرة حتى انك تعجز حتى عن إحصائها ومقاه عديدة تولد كالفطريات، هناك مقهى /ليناس/ وهناك /تاء مربوطة/ وهناك /على ذوقك/ أو /كعكاية/ أو /سيتي كافيه/ حيث يتردد على كل هذه الأمكنة كل الكتاب والمثقفون والسياسيون والناس البسطاء أيضا، سهرات في /بروداوي سنتر/ كما في /الأشرفية/ و/الدان تاون/ والجميزة، الحياة صاخبة، والناس تطلب المزيد· الحياة في بيروت لها إيقاع مختلف عن كل المدن العربية تعيش ليلها كنهارها، سهر ودهشة وحب، كم نتمنى لو نصل لهذا المستوى من الرغبة في الحياة وتلك المدينة المتنورة بالثقافة والعقل·